الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 107 ) من مسقطات خيار الجلس اشتراط سقوطه في العقد أو اسقاطه بعد العقد، الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الاشكال السادس: - إنَّ اشتراط السقوط في متن العقد هو إسقاط لما لم يجب، وعقلاً لا يمكن اسقاط ما لم يجب، والمقصود من الوجوب هنا بمعنى الثبوت، فالمشتري أو البائع حينما يشترط خيار المجلس فإنَّ خيار المجلس ليس موجوداً بَعدُ وإنما يصير بعد تمامية العقد أما قبل العقد فلا يوجد خيار حتى تشترط سقوطه، فأنت تشترط سقوطه قبل ثبوته واسقاط ما لم يثبت غير ممكن بل غير معقول، لأنَّ الشيء إذا لم يكن ثابتاً فلا يمكن إسقاطه لأنه لا يمكن اسقاط المعدوم، فإذاً هذا إسقاطٌ لما لم يجب فيكون باطلاً.

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ هذا تمسك بكلمة ( إسقاط ) ولكن لنرفع كلمة ( إسقاط ) ولنقل بدلها ( عدم ثبوت ) فنحن قصدنا من ( بشرط خيار المجلس ) يعني لا يثبت لك خيار المجلس بعد، لا أنه يسقط، وإنما الاسقاط فرع ثبوت خيار المجلس حتى تسقطه، أما نحن فنشترط عدم ثبوته وهذا هو المقصود بوجداننا، فحينما أقول للطرف بعتك بشرط سقوط خيار المجلس يعني بشرط أن لا يثبت لك خيار المجلس، وحينئذٍ هذا لا يكون مورداً للإشكال، فأنا أشترط على المشتري من الآن وأقول له أني أبيعك كذا بشرط أن لا يثبت خيار المجلس، وهذا لا مشكلة فيه، والدليل على صحة اشتراط عدم ثبوت خيار المجلس هو أنَّ هذا شرط معقول، وبعدما كان شرطاً معقولاً فسوف يشمله عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) بعرضه العريض من دون أيّ محذور ويكون هذا الشرط نافذاً.

ومما يؤيد ذلك صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة، فإنها دلت على أنَّ الأب العبد كانت له امرأة مكاتبة فقال لها ابن زوجها العبد أني سوف أساعدك في أداء مال المكاتبة بشرط أن لا يكون لك الخيار في فسخ زواج أبي والامام عليه السلام قال لا بأس بذلك فإن المؤمنون عند شروطهم، فهي واضحة في نفس موردنا غاية الأمر أنَّ الخيار فيها ليس خيار المجلس وإنما لا يكون لها خيار لنفسها في الفسخ والامام عليه السلام صحيح هذا الشرط بحديث ( المؤمنون عند شروطهم )، ففي موردنا نقول نفس الشيء، فإذاً هذه الصحيحة تؤكد وجاهة هذا الاشتراط في مقامنا - أي اشتراط عدم ثبوت خيار المجلس في متن العقد - ولا يلزم محذور إسقاط ما لم يجب أي ما لم يثبت.

ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ التمسك بعموم ( المؤمنون عند شروطهم ) لإثبات صحة اشتراط سقوط خيار المجلس في متن العقد وجيه والاشكالات الستة المتقدمة مندفعة، مادامت مندفعة فلا محذور إذاً في التمسك بعموم ( المؤمنون عند شروطهم.

هذا كلّه في الوجه الأول على صحة اشتراط سقوط خيار المجلس في متن العقد.

الوجه الثاني: - إذا اشترط عدم ثبوت خيار المجلس فقد صار ذلك جزءاً من مدلول العقد، فالعقد هو تمليكٌ بقيد عدم خيار المجلس، وإذا صار جزءاً من مدلول العقد فسوف يشمله عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، فلا يثبت خيار المجلس.

ويردّه: -

أولاً:- إنه لا يصح في خصوص المقام التمسك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لخصوصية في المقام، والوجه في ذلك وهو أنه صحيح أنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يدل على أنَّ كل مدول العقد يجب الوفاء به وهذا وجوب الوفاء مستمر ويدل على اللزوم، ولكن هذا العموم خرج منه باب البيع في ظرف خيار المجلس للدليل الدال على ذلك، يعني أنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هنا لا يشمل البيع لأن البيع يوجد فيه خيار المجلس فلا يجب الوفاء بعقد البيع في فترة خيار المجلس، فإذاً ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا يشمل البيع في فترة المجلس لثبوت خيار المجلس فلا يجب الوفاء به، والمورد من باب العام والخاص، فإنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ عام يشمل البيع والاجارة والوديعة وما شاكل ذلك، ويوجد دليل آخر وهو البيع، فالبيع أيضاً داخل في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ولكن خرج منه الخيار، فالدليل الثاني مقابل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هو دليل الخيار في باب البيع فإنه يقول ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا )، يعني يقول إنه في فترة المجلس في خصوص البيع لا يجب الوفاء وإنما يجوز الفسخ، فإذاً لا يمكن تطبيق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا يمكن تطبيقه في فترة المجلس لاستفادة اللزوم، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لوجود الدليل الثاني الي يقول إنَّ البيع قد خرج في فترة المجلس من عموم ( أوفوا ) فلا يمكن التمسك بعموم ( أوفوا ) في فترة المجلس.

ثانياً: - إنه بغض الظر عن الردّ الأول نقول إن ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا ينفع وذلك لأن الحكم فيه تكليفي فإنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يدل على وجوب الوفاء تكليفاً، فإذا أراد الشخص أن يعمل خيار المجلس رغم اشتراط سقوطه في متن العقد فغاية ما يثبت أنه آثم، فهو قد خالف مخالفة تكليفية لا أنه قع إعمال الخيار باطلاً.

وقد يقال: - نحن فيما سبق واجهنا هذه المشكلة في حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) وقلنا قد يقال إنه ناظر إلى الحكم التكليفي فقط، وتمسكنا للتعميم وارتضينا ذلك وقلنا إنه يمكن أن نثبت أنَّ هذا الحديث عام للحكم التكليفي وللحكم الوضعي، فلنقل ذلك في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾؟

والجواب:- لو كان الأمر باختيارنا لفعلنا ذلك، ولكن نقول إنه في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ورد فعل أمر وهو ( أوفوا ) فهو امر بالوفاء فلا تستفيد منه إلا الحكم التكليفي فيختص بالحكم التكليفي، نعم بالدلالة الإلتزامية ستفاد منه النفوذ والصحة ولكن ابتداءاً يدل على الحكم التكليفي، فيفي مورد الحكم التكليفي هو يثبت وجوب الوفاء تكليفاً وبالدلالة التزامية يثبت الصحة، وهذا بخلافه في ( المؤمنون عند شروطهم ) فهو حينما يقول ( عند ) فهو يدل على أن إيمان المؤمن لا ينفك عن شرطه، وحينئذٍ نقول إنّ هذه العنديَّة إذا فرض أن الشرط كان هو فعلاً فلازم العنديَّة هو وجوب الوفاء والعمل بالشرط تليفاً، وإذا كان هو عبارة عن سقوط خيار المجلس فالعنديَّة في مثل هذه الحالة لا تقتضي الوجوب التكليفي وإنما تقتضي خيار المجلس، فمادام إيمان المؤمن لا ينفك عن شرطه وشرطه هو سقوط خيار المجلس فإيمانه لا ينفك عن شرطه الذي هو خيار المجلس فيثبت حينئذٍ السقوط الوضعي.