الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 107 ) من مسقطات خيار الجلس اشتراط سقوطه في العقد أو اسقاطه بعد العقد، الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ذكرنا أنَّ الشيخ الأعظم(قده) علَّق وقال إنه لا مرجح من حيث الدلالة والسند، ومن الواضح أنَّ كلامه هذا قد يوحي بادئ ذي بدء بأنَّه يسلّم بالمعارضة التي ذكرها صاحب الجواهر(قده) ولكنه يقول لا يوجد مرجح دلالي أو سندي، ولكن نستدرك الآن ونقول إنَّ الشيخ الأعظم(قده) يريد أن يقول إذا كانت المعارضة موجودة كما يقول صاحب الجواهر(قده) فلابد أن يتساقطاً لعدم وجود والمرجحات الدلالية والسندية، وإلا فالشيخ الأعظم(قده) ملتفت إلى مسألة الحكومة فإنه يقول بعد ذلك ( لا ينبغي هضم حقه ).

وبالتالي اتضح من خلال كلامنا أنَّ المناسب في الردّ على صاحب الجواهر(قده) هو أنه صحيح أنَّ النسبة هي العموم من وجه ولكن المعارضة ليست موجودة بعد الحكومة فإنَّ الحكومة ترفع المعارضة، فإذاً الحكومة موجودة لأنَّ ( المؤمنون عند شروطهم ) دليل ثانوي وذاك دليل أوّلي، وحديث ( المؤمنون عند شروطهم ) ناظر إلى الأدلة الأولية فيكون حاكماً.

ثم ذكرنا أنه قد تردّ معارضة حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) بما ذكره السيد الخوئي(قده) من أنَّ هذا الحديث يدل على الحكم التكليفي والحكم التكليفي لا ينفعنا إذ نحن نريد أن نثبت أنَّ الخيار بالاشتراط يسقط وضعاً بحيث لو قال الطرف أعملت الخيار لم ينفع ذلك وإنما هو قد سقط بالاشتراط، بينما بناءً على الوجوب التكليفي فهو قد صنع محرّماً، لأنَّ حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) يثبت الوجوب التكليفي بالوفاء بالشرط وهو قد خالف فيعزَّر مثلاً ولكن يترتب على ذلك أنه إذا قال أعملت الخيار وفسخت فسوف يأثم ولكن ينفسخ العقد، هذا هو لازم كلام السيد الخوئي(قده).

ونحن علقنا بما تقدم وقلنا إنَّ الحديث يدل على أنَّ المؤمن لا ينفك شرطه وهو ملازم لشرطه، فإنَّ كان شرطه فعلاً من الأفعال دلَّ الحديث على وجوب ذلك الفعل تكليفاً، وإذا فرض أنه كان سقوط الخيار فالوجوب هنا لا معنى له فصير معنى ( المؤمنون عند شروطهم ) أنَّ المؤمن عند شرطه ولا يفارق شرطه وسوف تصير النتيجة هي السقوط، لأنه قد اشترط السقوط فيتحقق السقوط.

ومما يدعم شمول حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) للأحكام الوضعية - لا أنه يدل فقط على اللزوم التكليفي فقط كما قال السيد الخوئي(قده) -الروايات التالية:-

الرواية الأولى: - ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:- سألته عن رجل كان له أبٌ مملوك وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي مما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك، قال:- نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك، قال:- لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم )[1] )، والسند معتبر، فإن محمد بن يحيى فهو العطار شيخ الكليني وقد روى عنه الكليني كثيراً، وأحمد بن محمد فهو ابن عيسى أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، وابن محبوب فهو الحسن بن محبوب فهو من أجلة أصحابنا وكذلك مالك بن عطية ثقة كذلك سليمان بن خالد ثقة أيضاً، ودلالتها واضحة، والحكم هنا ليس تكليفياً وإنما هو الحكم ( بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي ) يعين لا يكون لها الخيار، فهو ليس شرط فعل فهو لم يقل لها ( لا تفسخي ) وإما قال لها ليس لك خيار الفسخ والامام عليه السلام أمضاه فيدل ذلك على أن عموم قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) يعم غير الحكم التكليفي أيضاً مثل سقوط الخيار.

ولكن توجد مشكلة:- وهي أنَّ هذا الشرط الذي ذكر في الرواية هو شرط ابتدائي والشرط الابتدائي لا نقول بنفوذه، فحينئذٍ لا يمكن العمل بالرواية لأنَّ الشرط فيها ابتدائي والشرط الابتدائي لا يشمله حديث ( المؤمنون عد شروطهم )، لأنَّ الشرط على قسمين، الأول شرطٌ في المعاملة وهذا ليس شرطاً ابتدائياً فيشمله عموم ( المؤمنون عند شروطهم )، أما إذا كان الشرط ابتدائياً كما لو قلت لصديقي أشترط عليك أن أدعوك اليوم لتناول الطعام بشرط أن تدعوني للطعام غداً، فهذا شرطٌ ابتدائي لأنه لا توجد معاملة، فهذا لا يكون نافذاً، وإنما يكون الشرط نافذاً فيما إذا وقع ضمن معاقدة كما في موردنا، فإنهما تعاقدا على المعاملة واشترط سقوط الخيار فهذا ليس شرطاً ابتدائياً فيكون نافذاً، أما ما ذكر في الرواية فهو شرط ابتدائي، لأنَّ الابن لست عنده معاملة مع هذه المرأة المكاتبة، فالشرط لم يقع في ضمن معاملة حتى يكون شرطاً ابتدائياً، فلا يكون نافذاً.

ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ هذه مصالحة، فإنَّ الابن يريد عقد مصالحة مع المرأة ولكنه لم يأت بلفظ المصالحة ويقول لها صالحتك وإنما قال لها ليس لك الخيار على والدي في مقابل أن أدفع لك المال، وهذه في واقعها مصالحة، فوقع الشرط ضمن عقد لا أنه شرط من دون عقد، فإذاً لا مشكلة من الناحية، وعليه تكون دلالة الرواية دالة على المطلوب.

الرواية الثانية: - ما رواه الكليني عن عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زيد وعن علي بن إبراهيم عن ابيه جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى عليه السلام:- ( سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على ماءة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، قال فقال:- إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرط فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار التي أصدقها إياها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها والمسلمون عند شروطهم وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها صداقها أو ترضى منه من ذلك بما رضيت وهو جائز له )[2] ، ولا ينبغي التوقف في سهل بن زياد لأنَّ الشيخ الكليني عنده طريقان إلى ابن الحسن بن محبوب الأول ( عدَّة من أصحابنا عن سهل ) والثاني ( وعن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً )، وجميعاً أي سهل بن زياد وإبراهيم بن هاشم عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى عليه السلام، فالسند معتبر، ودلالتها جيدة والشرط فيها هو السقوط - وليس الاسقاط - لأنَّ الرواية قالت ( تزوج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده ) فالشرط هو أن تخرج معه إلى بلاده والامام عليه السلام فصّل بين ما إذا أراد أن يخرجها إلى بلاد الشرك فلا يجوز وإن أخرجها إلى بلاد الإسلام فله ما اشترط عليها، فإذاً هذه الرواية دلت على أنها يلزمها الخروج معه وليس لها أن تتخلف.

تبقى مشكلة: - وهي أنَّ الرواية قالت ( تزوجها على أن تخرج معه إلى بلاده ) فقد يقال إنَّ هذا شرطُ فعلٍ، يعني من قبيل بشرط أن تسقط الخيار، لا أنه شرط سقوط الخيار، فيكون التمسك بهذه الرواية محل تأمل من هذه الناحية.

الرواية الثالثة:- ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في المكاتب يكاتب ويشترط عليه مواليه أنه إن عجز فهو مملوك ولهم ما أخذوا منه، قال:- يأخذه مواليه بشرطهم )[3] ، ودلالتها لا بأس بها، لأنها قالت ( ويشترط عليه مواليه إنه إن عجز فهو مملوك )، وهذا هو شرط النتيجة وليس شرط الفعل كأن يقولوا له لابد أن يعطينا كذا أو تقوم بخدمة كذا وإنما يرجع من المكاتبة إلى الرقّيّة، فإذاً هذه الرواية لا بأس بها من هذه الناحي، ولكنها لم تذكر ( المؤمنون عند شروطهم ) والذي ينفعنا هو ذكر ( المؤمنون - المسلمون - عند شروطهم ) فيها، ولكن نقول إنَّ هذا في حكم المقدَّر، لأنَّ الامام عليه السلام قال ( يأخذه مواليه بشرطهم )، يعني لقاعدة ( المؤمنون عند شروطهم )، فإذاً لا مشكلة من هذه الناحية.

وعلى أي حال لو كان هناك تأمل في الروايتين الأخيرتين كفنتنا الرواية الأولى، وعلى هذا الأساس يكون شرط سقوط الخيار في محل كلامنا نافذاً وإن كان بنحو الحكم الوضعي لا بنحو الحكم التكليفي - يعني ليس بشرط الاسقاط وإنما بشرط السقوط - وتشمله قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) ويدعم ذلك الرواية الأولى على الأقل.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج23، ص155، أبواب المكاتبة، ب11، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج21، ص299، أبواب المهور، ب44، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج23، ص142، أبواب المكاتبة، ب3، ح5، ط آل البيت.