الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 107 ) من مسقطات خيار الجلس اشتراط سقوطه في العقد أو اسقاطه بعد العقد، الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ذكرنا مسقطين لخيار المجلس، الأول اشتراط إسقاطه حين العقد، وقد وقع هذا المسقط مورداً للقيل والقال فانتظر.

والشيء الذي نريد أن نذكره معجّلاً وقد ذكرناه سابقاً:- هو أنه يوجد مسقطان آخران لم يشر إليهما السيد الماتن(قده)، أحدهما الافتراق، ويمكن أن يدافع السيد الماتن(قده) عن نفسه ويقول:- إني لم أذكره اكتفاءً بما سبق، لأنه قد أشار إليه في بداية خيار المجلس وقال إنَّ هذا الخيار يثبت مادام لم يفترق المتبايعان فإن افترقا سقط، ودلليه واصح، وهو النص الذي يقول:- ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا )، ولكن يوجد مسقط رابع وهو التصرف، وهو لم يذكره، ولكن الشيخ الأعظم(قده) ذكره حيث توجد عنده مسألة بعنوان خيار المجلس قال فيها يسقط خيار المجلس بأربعة أمور أحدها إنه يسقط بإسقاطه حين العقد وثانيها إسقاطه بعد العقد وثالثها الافتراق ورابعها التصرف، فكان من المناسب للسيد الماتن(قده) أن يذكره هنا.

ولا يقولن قائل: - لعل السيد الماتن لا يرى التصرف مسقطاً.

لكن نقول: - إنَّ هذا من الأمور غير القابلة للإنكار، وإنما هو أمر مسلّم، فكان من المناسب الإشارة إليه.

والتوجيه الفني لكونه مسقطاً هو أنه توجد رواية لعلي بن رئاب في باب بيع الحيوان تقول إذا تصرف المشتري بالحيوان فذلك رضاً منه، يعني يسقط خيار الحيوان لأنَّ هذا التصرف فيه دلالة على الرضا، فإنَّ الرواية قالت: - ( فذلك رضاً منه )، ولو قيل:- إنَّ الرواة واردة في خيار الحيوان ونحن كلامنا في خيار المجلس ولا ربط لها بموردنا؟ قلنا:- إنَّ التعليل يفهم منه العموم عرفاً فإنه لا يحتمل أنَّ هذا التصرف الدال على الرضا بإسقاط الخيار خاص بخيار الحيوان وإنما عموم العلة يثبت عموم المعلَّل كما هو واضح، فكما يدل على إسقاط خيار الحيوان يدل على إسقاط خيار المجلس أيضاً، والرواية هي:- ( محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضاً منه فلا شرط، قيل له:- وما الحدث؟ قال:- إن لامس أو قبل أو نظر منها ما كان يحرم عليه قبل الشراء )[1] ، ودلالتها تامة فإذاً لابد أن نقول إنَّ التصرف يكون مسقطاً لخيار المجلس أيضاً ولكن السيد الماتن(قده) لم يذكره.

التخريج الفني لسقوط خيار المجلس بالإسقاط: - بعد اتفاق الفقهاء على سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه اثناء العقد وقع الكلام في التخريج الفني، وفي ذلك وجوه: -

الوجه الأول:- التمسك بعموم قوله عليه السلام:- ( المسلمون - المؤمنون - عند شروطهم ). [2] [3]

وأشكل صاحب الجواهر(قده) وقال: - إنه تتحقق المعارضة بالعموم من وجه بين دليل ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ) وحديث ( المؤمنون عند شروطهم ) بيد أنه يقدم حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) من وجوه، قال:- ( وحيث إنّ الثاني أرجح من دليل الخيار من وجوه فيحكم عليه وإن كان التعارض من وجه ) [4] ، ولم يذكر أكثر من ذلك.

وأجاب الشيخ الأنصاري(قده) وقال: - إنه لا توجد مرجحات دلالية أو سندية لحديث ( المؤمنون عند شروطهم ) على حديث ( البيّعان بالخيار )، قال :- ( ... ضعيفٌ لأن الترجيح من حيث الدلالة والسند مفقود )[5]

والأمر غريب من كلا العلمين: - إذ من الواضح أنَّ حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) هو حديث يدل على حكم ثانوي، وحديث ( البيّعان بالخيار ) يدل على حكم أوّلي، ودليل الحكم الثانوي مقدّم على الحكم الأولي، كما لو اشترطت الزوجة على زوجها أثناء العقد أن تعيش في النجف ولا يخرجها خارجها إلا برضاها، فهنا يتقدّم هذا الحكم، فصحيح أنَّ الأمر كلّه بيد الزوج وأنَّ الزوجة تتبعه أين ما ذهب ولكن عند اشتراطها عليه فسوف يتقدم شرطها.

إذاً يمكن أن نقول إنَّ دليل ( المؤمنون عند شروطهم ) مقدّم على دليل ( البيّعان بالخيار ) من باب الحكومة، يعني أنَّ دليل ( المؤمنون عند شوطهم ) هو دليل ثانوي ناظر إلى الأدلة الأوّلية فيكون مقدَّماً بالحكومة.

هذا وقد يشكل على أصل التمسك بحديث ( المؤمنون عند شروطهم ) لا في وجه التقدم وإنما أصلاً حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) لا يمكن التمسك به في حدّ نفسه:- وهذا ما ذكره السيد الخوئي(قده) [6] حيث قال:- إنَّ هذا الحديث يدل على حكم تكليفي، يعني يجب على المؤمن أن يلتزم عملاً بشرطه، وهذا لا ينفعنا، لأنا لسنا في صدد الحكم التكليفي وإنما نحن بصدد الحكم الوضعي وأنَّ الخيار يسقط، فنحن نريد أن نثبت السقوط بينما الحديث ناظر إلى الحكم التكليفي وأنه يلزم الوفاء بكل ما اشترط أثناء العقد، فلا ينفعنا شيئاً، وتظهر الثمرة في أنه لو فرض أنَّ المشتَرَط عليه لم يسقطه وإنما أعمله فهنا سوف يأثم ولكن الخيار بَعدُ ثابت، فحديث ( المؤمنون عند شروطهم ) لا توجد فيه دلالة على السقوط الوضعي، وإنما أقصى ما يدل عليه هو لزوم الالتزام بالشرط، أما أنَّ هذا المكلف لم يلتزم بالشرط ولم يسقطه وأعمل الخيار فالخيار هنا بَعدُ فعّالاً غاية الأمر يكون هذا المكلف آثماً.

والجواب أن يقال:- إنَّ حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) لم يعبّر بكلمة ( يجب ) حتى تقول إنَّ ظاهر الوجوب هو الوجوب التكليفي فقط، وإنما قال ( المؤمن عند شرطه ) يعني أنَّ المؤمن لا يفترق عن شرطه، فإذا كان الشرط فعلاً من الأفعال كما لو شرطت الزوجة على زوجها أن لا يسافر بها عن النجف فهو عند شرطه بمعنى أنه يجب عليه الوفاء بذلك وإذا سافر بها يكون عاصياً، ولكن إذا كان الشرط ليس فعلاً من الأفعال وإنما كان سقوط الخيار بأنه اشترى منه بشرط سقوط الخيار فالعندّية تقتضي سقوط الخيار، لأنَّ المؤمن عند شرطه، فهو لا ينفكّ عن شرطه، والشرط كان هو سقوط الخيار وليس إسقاطه، فهو عند السقوط، فيثبت بذلك أنه لا ينفكّ عن شرطه وهو سقوط الخيار، وبذلك ثبت المطلوب.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص13، أبواب الخیار، باب4، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص16، أبواب الخیار، باب6، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص276، أبواب المهور، باب20، ح4، ط آل البيت.
[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج23، ص12.
[5] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص52.
[6] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج1، ص93.