الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 106 ) اختصاص خيار المجلس بالبيع، مسألة ( 107 ) من مسقطات خيار الجلس اشتراط سقوطه في العقد أو اسقاطه بعد العقد، الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين).

مسألة ( 106 ):- هذا الخيار يختص بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات...........................................................................................................

حاصل المسألة واضح، وهو أنَّ خيار المجلس يختص بباب البيع أما بقية المعاملات فلا يثبت فيها، والوجه في ذلك واضح وهو القصور في المقتضي، بمعنى أن مقتضي خيار المجلس والدليل المثبت لخيار المجلس هو ضيق وخاص البيع إما بلسانه قد صرّح بذلك أو بالإشارة، من قبيل ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ) وكلمة ( البيعان )خاصة بالبيع، ولعله توجد ست أو سبع روايات قد أخذت هذا العنوان، ومن قبيل رواية علي بن أسباط فإنها لم تأخذ كلمة ( البيعين ) ولكن بالدلالة الإلتزامية أو ما شاكل ذلك تدل على الاختصاص بالبيع - أو النظر إلى البيع -، وهي مار واه علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:- ( سمعته يقول الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري وفي غير الحيوان أن يفترقا ) [1] فالرواية هنا قالت الخيار في الحيوان ثلاثة أيام فهي لم تأخذ عنوان البيع والبيّعين ولكنها قالت ( ثلاثة أيام للمشتري ) والمشتري يكون في باب البيع، وقد تقول إن هذا ثابت في خيار الحيوان ونحن كلامنا في خيار المجلس؟ والجواب: - إنَّ الرواية قالت ( وفي غير الحيوان أن يفترقا ) أي يفترق المشتري عن البائع، فإذاً الرواية لم تأخذ عنوان البيّعين أو البيع بالصراحة ولكنه تدل على ذلك كما أوضحنا.

إذاً الدليل على اختصاص خيار المجلس بالبيع هو القصور في المقتضي ولكن القصور في المقتضي وحده لا يكفي بل لابد من متمّم له، فصحيح أنَّ الروايات قاصرة عن شمول غير البيع ولا تثبت خيار المجلس في غير البيع ولكن هذا لا يكفي بل يبقى احتمال الثبوت في غير البيع موجوداً ولن يوجد شيء آخر وهو أصالة اللزوم او استصحاب الأثر السابق، ففي غير البيع كالاجارة كما لو قال أحدهما آجرتك الار بكذا وقال الثاني قبلت ثم بعد ذلك قال أحدهما وهو لازال في المجلس فسخت الاجارة فحينئذٍ نشك أنَّ الأثر الذي ترتّب هل زال أو لا فنستصحب ذلك الأثر، فإذاً إما أن نتمسك بأصالة الزوم وهي هنا ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو نتمسك باستصحاب بقاء الأثر السابق، وفنّياً مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي فمادام يوجد عندنا عموم اجتهادي - وهو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ - لا تصل النوبة إلى الاستصحاب، ولكن بقطع النظر عن الدليل الاجتهادي يوجد عندنا استصحاب يمكن التمسك به.

ويوجد شيء لا بأس بالاشارة إليه: - وهو أنَّ الشيخ الطوسي(قده) ذكر في مبسوطه والقاضي(قده) في مهذبه ما حاصله:- إنَّ خيار المجلس هل يدخل في العارية والوكالة وما شاكلهما أو لا؟ قالا:- الأقوى نعم يدخل في ذلك، قالا:- ( وأما الوكالة والوديعة والعارية والضراب والجعالة فلا يمنع من دوخل الخيارين فيها مانع ) [2] ،[3] ومقصوده من الخيارين هما خيار المجلس وخيار الشرط، والشيء المهم هنا هو أنَّ هذه العقود جائرة في ذاتها من حاجة إلى الخيار فيستطيع أن يرجع أحدهما عن الوكالة أو العارية من حاجة إلى الخيار، والاشكال هو أنه ما معنى دخول الخيار في هذه العقود؟، هذا ما أشكل به الشيخ الأعظم(قده)، وقد أجاب عنه:- بأنه يمكن أن نحمل عبارتهما على ما إذا اشترطت في ضمن البيع، كما لو قال له بعتك هذا بهذا بشرط أن تعيرني كتابك فقبل الطرف الآخر وبعد أن تم العقد فسخ أحدهما البيع بخيار المجلس فهنا سوف تنفسخ الإعارة المشروطة ضمن عقد البيع، فإذاً دخول خيار المجلس في هذه العقود بهذا الشكل، قال:- ( إن مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع فتنفسخ بفسخه في المجلس) ، [4] ثم بعد ذلك ذكر كلاماً آخر حيث قال إن الخيار فيها أبدي، قال:- ( ولم يعلم معنى الخيار في هذه العقود بل جزم في التذكرة بأنه لا معنى للخيار فيها لأن الخيار فيها أبدي )، يعني أنه يريد أن يقول هي جائزة في حدّ ذاتها ومتى ما أراد الشخص أن يفسخها فسخها ولا نحتاج فيها إلى خيار المجلس وإنما وجود خيار المجلس وعدمه سيّان لأنها جائزة في حدّ ذاتها.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) صحيح ولكن يظهر أنَّ الفكرة ليست متبلورة عنده بصورة جيدة، فهنا نقول إنَّ الاشكال في دخول خيار المجلس في هذه العقود الجائزة من جهتين، الجهة الأولى هي أنَّ هذه العقود في ذاتها خيارية وجائزة ولا تحتاج إلى دخول خيار المجلس فيها فيستطيع أيّ من الطرفين الفسخ وهذا معناه أنَّ جوازها دائمي وكونها خيارية دائماً، والجهة الثانية هي أنَّ خيار المجلس خاص بالبيع فإنَّ أدلة خيار المجلس قالت ( البيّعان بالخيار ) وهذه العقود ليست بيعاً فلا يدخلها خيار المجلس من باب أنها ليس بيعاً ودليل خيار المجلس خاص بالبيع.

والشيخ الأعظم(قده) في المكاسب لم يفرز هذين الاشكالين بعضهما عن البعض الآخر بل قال في البداية إنَّ هذه العقود لا يدخل فيها خيار المجلس إلا إذا أخذت شرطاً في البيع، وهذا معناه أنَّ الاشكال الذي كان في ذهنه هو من ناحية أنَّ خيار المجلس خاصاً بالبيع فكيف يدخل في الوكالة والعارية؟!! فأجاب عنه بأنه لابد أن تكون العارية مثلاً مأخوذ كشرطٍ في البيع، ثم في نهاية البحث ذكر أنَّ هذه العقود هي خيارية دائماً - جائزة دائماً - ولا تحتاج إلى خيار المجلس لا من باب أنَّ خيار المجلس خاص بالبيع وإنما هذه العقود هي جائزة دائماً فلا معنى لثبوت خيار المجلس فيها، أي لا من باب قصور دليل خيار المجلس بل من باب أنه لا معنى لثبوت خيار المجلس فيها، أي أكثر من قصور المقتضي.فيظهر أنَّ هاتين الجهتين لم يكونا متبلورتين بصورة جيدة عند الشيخ الأعظم(قده) حتى يذكرهما كجهتين مستقلتين عن بعضهما البعض، إذ لو كانت الفكرة متبلورة عنده لقال إنه قد يحلُّ الاشكال بأنه إما أنَّ العارية وما شاكلها قد أخذت شرطاً في البيع ولكنه لا يصلح حلاًّ، فلابد أن يعقب رأساً ويقول إنَّ هذه الجواب لا يكفي إذ يرد عليه أنَّ هذه العقود هي خيارية دائماً فأخذها كشرطٍ في خيار المجلس لا ينفع لأنها في ذاتها خيارية بقطع النظر عن أخذها شرطاً في البيع، فلابد أن يشير إلى هذا المعنى ويبيّن أنه يوجد إشكالان في هذه العقود، فعدم الإشارة إلى الاشكالين بشكلٍ واضح وذكرهما بشكل مبعثر يدل على أنَّ الفكرة ليست متبلورة عنده بَعدُ، كما أنه يوجد منبهٌ آخر على كون الفكرة ليست متبلورة أيضاً، وهو أنه كان من المناسب له أن يشير من البداية إلى أنه يوجد إشكالان في هذه العقود أولهما أنَّ خيار المجلس خاصاً بالبيع وهذه العقود كالعارية ما شاكلها لا يجري فيها للقصور في المقتضي وثانيهما إنَّ جواز هذه العقود ذاتي ودائمي فلا معنى لدخول خيار المجلس فيها.

 

مسألة ( 107 ) يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد كما يسقط بإسقاطه بعد العقد...........................................................................................................مضمون المسألة واضح، هو أنَّ من مسقطات خيار المجلس اشتراط وسقوطه في العقد أو بإسقاطه بعد العقد.

أما وجه الأول: - فذلك لقاعدة ( المؤمنون عند شروطهم )، أو تقول إنَّ دليل خيار المجلس قاصر عن شمول مثل هذه الحالة التي أخذ في العقد سقوط خيار المجلس.

وأما وجه الثاني: - فإنَّ المستفاد من النص أو المرتكز في أهذان المتشرعة أن خيار المجلس وهكذا بقية الخيارات هو حق وليس حكم شرعي، فالمتعاقدان قد أعطيا حقاً وأنَّ لهما الخيار في الفسخ فيمكن أن يسقط، لا أنَّ هذا حكم شرعي لا يمكن سقوطه، فالمرتكز في أذهان المشرعة أنه حقٌّ فيقبل الإسقاط بعد العقد.

ولكن يبقى شيء: - وهو أنه يوجد مسقط ثالث وهو الافتراق كما يوجد مسقط رابع هو التصرف فلماذا لم يذكرهما السيد الماتن؟ ولو قلت: - إنّه قد ذكر الافتراق فيما سبق فلا داعي لأن يذكره هنا، ونحن نقول: - إنَّ هذا صحيح ولكن من الأفضل أن يشير إليه هنا فيقول:- ( كما يسقط هذا الخيار بالافتراق كما تقدم يسقط باشتراط سقوطه أثناء العقد أو بالإسقاط بعد العقد ).

أما المسقط الرابع وهو التصرف - كما لو تصرف المتبايعان بعد العقد - فلماذا لم يذكره هنا مع أنه كان من المناسب أن يذكره؟

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص6، أبواب الخیار، باب1، ح5، ط آل البيت.
[2] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج2، ص82.
[3] المهذب، القاضي ابن البراج، ج1، ص356.
[4] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص48.