الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ونضيف رداً ثانياً على السيد اليزدي(قده) فنقول: - إنه حتى في مثال ( أكرم زيداً إلى أن يفسق ) يفهم العرف أنَّ هذا التقييد وجيه إذا أمكن أن يفسق ، أما إذا كان الشخص لا يفسق كما لو كان عالماً ورعاً فهنا لا يقال ( أكرم فلاناً إلى أن يفسق )، فإذاً تعبير ( إلى أن يفسق ) لا يصح استعماله عرفاً إلا في موارد إمكان طرو الفسق على الشخص وإلا إذا كان لا يطرأ كما لو أن عالماً ورعاً فلا يصح استعمال قيد ( إلى أن يفسق ) فإنَّ هذا القيد إنما يصح في الأشخاص العاديين لا في مثل هؤلاء الأبدال، وعليه فسوف نخرج بهذه النتيجة وهي أن التقييد بـ( إلى أن يفسق أو إلى أن يفترقا ) إنما يصح عرفاً إذا أمكن[1] طروّ الافتراق وإلا فلا يصح استعماله، فإذاً قيد ( إلى أن يفترقا ) أيضاً هذا القيد إما يصح استعماله في المورد الذي يمكن فيه الافتراق وإلا فلا يمكن استعماله، وحيث إنه في موردنا لا يمكن الافتراق فنفعهم أن هذا الحديث ناظر إلى حالة إمكانية الافتراق فيختص بصورة تعدد الموجب القابل ولا يعم حالة وحدته.

وقد يقول قائل: - إنَّ هذا يتم بناءً على أنَّ الاطلاق عبارة عن ضم القيود لا رفض القيود، يعني حينما أقول ( أكرم الرجل النجفي ) فهذا إطلاق معناه أكرم النجفي العالم والجاهل سواء كان بلده الأصلي هو النجف أو لا وكان طويلاً أو قصيراً وغير ذلك فهل بالإطلاق ناظرين إلى هذه القيود والحالات أو أنه رفض هذه القيود فالمطلق لم ينظر إلى الحالات وإنما ينظر إلى ذات الرجل النجفي، فإن كانت الحالات ليست منظورة فهذا هو رفض القيود فإنَّ الحكم انصب على الذات ويسري إلى جميع الأفراد والحالات باعتبار أن الحكم انصب على الذات، ومرة نقول إن الحكم انصب على كل هذه القيود فهو جمع لكل هذه الحالات، وما ذكرته وجيه بناءً على أنَّ الاطلاق عبارة عن ضم القيود يعني ينظر إلى الحالات وواحدة منها عدم إمكان الافتراق فيأتي هذا الكلام وهو أن الحديث يختص بحالة إمكان الافتراق، أما إذا قلنا إنَّ الاطلاق عبارة عن رفض القيود أما الحالات فهي ليست منظورة وإنما المنظور هو ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ) أما أن نقول البائع والمشتري تارةً يكون متحداً ومرة لا يكون متحداً فهذه الحالات ليست منظورة وإنما المنور ذات البيعين لا أكثر أما حالة الافتراق وحالة عدم الافتراق ليس منظورا إليها وإنما الاطلاق هو رفض القيود، فإن قلنا هكذا فما ذكرناه لا يأتي، وهذه قضية عليمة لا بأس بها، فما ذكرناه يتم بناءً على أنَّ الاطلاق عبارة عن الجمع بين القيود وأما إذا فسّرناه برفض القيود فلا يتم لهذ الاشكال.

وذكر الشيخ النائيني(قده) ما حاصله: - إنَّ الحديث قال ( البيّعان بالخيار ) ثم قال ( ما لم يفترقا ) فهو ذكر فقرتان، ومرة نقول إنَّ الفقرة الثانية هي قيد للبيّعين يعني يصير المعنى ( البيّعان غير المفترقين بالخيار )، فقيد ( ما لم يفتقا ) نأخذه قيداً للموضوع - وهو البيّعان -، ومرة نأخذه قيداً للغاية أو الحكم، فالبيّعان يبقى على اطلاقه وليس مقيداً بغير المفترقين، أي ( البيّعان بالخيار ولكنهما بالخيار ما لم يفترقا )، فإن قلنا إنَّ قيد ( ما لم يفترقا ) هو قيد للموضوع فهنا سوف ينصرف إلى حالة التعدد ولا يشمل الحديث حالة وحدة المتبايعين فإن جزمنا بذلك فبها وإن لم نجزم وحصل الشك فالمرجع أصالة اللزوم والنتيجة واحدة، وإن قلنا إنه قيد للحكم فليس من البعيد أنه يشمل حتى حالة وحدة المتبايعين، قال:- ( لا يخفى أن ثبوت الخيار للعاقد الواحد المتولي طرفي العقد يتوقف على أن يكون قوله عليه السلام " ما لم يفترقا " أو "حتى يفترقا " بياناً للمسقط بحيث يكون قوله " البيعان بالخيار" كلاماً مستقلاً لا يرتبط بقوله " ما لم يفترقا " أي كان مفاد الكلام إن الخيار للبيّعين ماداما في المجلس وأما إذا افترقا فيسق حقهما، وأما لو كان ظاهراً في القيدية للموضوع - أي البيعان غير المفترقين - يثبت لهما الخيار فيختص الخيار بموردٍ يمكن فيه الاجتماع والافتراق .... والظاهر أن قوله عليه السلام " ما لم يفترقا " قيد للموضوع فيعتبر ثبوته للبيعين اللذين من شأنهما الاجتماع والافتراق ولا أقل من الشك ... ). [2]

وفي مقام التعليق نقول: - إنه حتى لو بنينا على أنَّ الفقيرة الثانية - أي ( حتى يفترقا ) - ليست قيداً للموضوع وإنما هي مستقلة ولكن مع ذلك هي تؤثر على الجملة الأولى، فيفهم أنَّ النظر هو إلى حالة إمكانية الافتراق إما جزماً أو لا أقل من الشك والاحتمال فيكفينا ذلك نرجع إلى أصالة اللزوم.

وذكر الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) ما حاصله: - لِنقُل إنَّ المقصود هو ظاهر العبارة وهو أن البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا لم يفترقا لأي سبب كان ولو كان المتبايعين واحداً فالخيار يبقى متسمراً.

ولكن يمكن أن يقال إنه ليس من البعيد أن يقال إنه يستفاد من العبارة إمكانية الافتراق، قال:- ( إنَّ الغاية هي فعلية الافتراق فما لم يصر فعلياً استمر الخيار سواء كان ذلك لعدم معقوليته أم لغير ذلك، ومع ذلك ففي النفس من شمول الاطلاق للمقام شيء والقطع بالمناط غير حاصل فالمرجع أصالة اللزوم[3] ). [4]

ونحن علّقنا بتعليقين: -

الأول: - إنَّ الظاهر عرفاً من تعبير ( ما لم يفترقا ) أنَّ المورد لابد فيه من إمكانية الافتراق.

الثاني: - إنه إذا لم يمكن الافتراق فأصل استعمال قيد ( حتى يفترقا ) يكون مستهجناً عرفاً كما مثلنا سابقاً.


[1] والامكان هنا ليس مقابل الامتناع الذاتي وإنما مقابل الامتناع الوقوعي.
[2] منية الطالب، النجفي الخوانساري، الشيخ موسى؛ تقرير بحث الميرزا النائيني، ج3، ص30.
[3] يعني لا يوجد خيار.
[4] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج3، ص39.