الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ذكرنا فيما سبق أنَّ الشيخ الأعظم(قده) قال أولاً لا يثبت خيار المجلس لو كان الوكيل عن المالكين واحداً، ولكنه فيما بعد توقف في ذلك، قال:- ( ولا يخلو عن قوة[1] بالنظر إلى ظاهر النص لأن الموضوع فيه صورة التعدّد والغاية فيه افتراق المستلزم للتعدد ولولاها لأمكن استظهار كون التعدد[2] لبيان حكم كلّ من البائع والمشتري كسائر أحكامهما ... إلا أن التقييد بقوله حتى يفترقا ظاهر في اختصاص الحكم بصورة إمكان فرض الغاية[3] ولا يمكن فرض التفرّق في غير المتعدد ... وبالجملة فحكم المشهور بالنظر إلى ظاهر اللفظ مشكل نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن الاشكال فيه والأولى التوقف) [4]

والمناسب ما ذكرناه سابقاً: - فإنه بقرينة قوله عليه السلام ( حتى يفترقا ) من اختصاص الخيار بحالة التعدّد، وإذا قال قائل:- إنَّ هذا ناظر حالة الاثنينية ولا ينافي كون الخيار أعم، فنقول:- إنَّ هذا احتمال وذاك احتمال، فيحصل إجمال، فنرجع إلى أصالة اللزوم، والنتيجة سوف تكون نفس النتيجة.

وقال السيد كاظم اليزدي(قده):- إنه في صورة الوحدة - كما لو كان الشخص ولياً أو وكيلاً عن الاثنين - فله خيار المجلس، ولو قيل:- إنَّ الرواية قالت ( حتى يفترقا ) وهذا فرع الاثنينة، فنقول:- إنه لا يقصد من بيان ( حتى يفترقا ) تقييد الحكم - وهو ثبوت خيار المجلس - بحالة إمكان الافتراق، وإنما يراد أن يقال إنَّ الخيار ثابت إلى حين الافتراق، فإن أمكن تحقق الافتراق زال الخيار وانقطع، وإذا لم يمكن الافتراق لوحدة الموجب والقابل بقي الخيار مستمراً، فمفاد الحديث هو هذا، ومثال ذلك ما لو قال شخص ( أكرم زيداً إلى أن يفسق )، فلو فرضنا أنَّ زيداً لم يفسق فعلى رأي من يقول في باب الخيار بأنَّ إمكان الافتراق شرط في ثبوت الخيار فلابد أن يقول هنا بأنَّ إمكان الفسق شرطٌ في وجوب الاكرام فإذا لم يفسق فلابد أن نقول لا يجب إكرامه، والحال أنَّ هذا ليس مقصوداً، وإنما المقصود هو أنه يجب إكرامه ويستمر ذلك فإن فسق فسوف ينتهي إكرامه أما إذا لم يفسق فيبقى وجوب إكرامه مستمراً، ولو قبلت بهذا في هذا المثال فاقبله في محل كلامنا فإن الحديث قال ( البيّعان بالخيار حتى يفترقا ) يعني مادام لم يفترقا فالخيار بَعدُ ثابت، فإن افترقا سقط الخيار وإن لم يفترقا فسوف يبقى ولو كان عدم الافتراق ولو كان عدم الافتراق بسبب أنه لا يمكن الافتراق لوحدة الموجب والقابل، قال: - ( ... الوجه في عدم ثبوت الخيار أمران أحدهما كون الموضوع لفظ البيّعين الظاهر في التعدد وفيه إنه لبيان حكم كل منهما كسائر أحكامهما ... الثاني جعل الغاية الافتراق، وفيه إن الغاية[5] ليست مقيدِّة للحكم ألا ترى أنه لو قال أكرم زيداً إلى أن يفسق لم يرَد الاكرام المقيد بكونه قبل الفسق بل المراد أنَّ الفسق إذا حصل يرتفع الوجوب ). [6]

وكان من المنسب أن يكمل العبارة فيقول ( وإذا لم يحصل لسبب وآخر كأن صار زيداً من الأتقياء فسوف يبقى وجوب الاكرام مستمراً إلى الأبد ).

ونحن نذكر مثالاً ثانياً: - وهو ما لو فرض أنه قيل ( كل ما لاقى النجاسة يتنجس إلى أن يغسل )، فإذا كان الشيء غير قابل للغسل فلا يمكن غسله كالسكّر والدهن، فعلى رأي من يقول بأن إمكانية التفرق شرط في ثبوت الخيار فلابد أن نقول هنا بما أنه لا يمكن أن يغسل فلا يتنجس، ولا يلتزم أحد بذلك، فإن هذا ليس مقصوداً وإنما المقصود هو أنه يتنجس إلى أن يُغسل فإن غُسِل فقد طهر وإن يُغسّل بقيت النجاسة مستمرة، وهنا الأمر كذلك، فإنَّ ( البيّعان بالخيار حتى يفترقا ) يعني إذا أمكن الافتراق وتحقق فحينئذٍ ينتهي الخيار أما إذا لم يمكن الافتراق للوحدة بينهما بقي الخيار مستمراً.

وما ذكره ليس دليلاً علمياً.

وفي مقام التعليق نقول: - ينبغي أن نفرّق بين الأمثلة، فإنَّ الأمثلة قد تختلف أحياناً، فليست الاستعانة بالمثال جيدة دائماً، نعم بعض الأمثلة كما قال السيد اليزدي(قده) كالمثالين المتقدمين، أما في بعض الأمثلة الأخرى فالأمر يختلف، ففي قوله عليه السلام: - ( البيّعان بالخيار إلى أن يفترقا ) يفهم العرف منها أنه في إمكانية الافتراق يثبت الخيار، فالعرف يأخذه بهذا المعنى وإذا لم نجزم بكون المراد هو هذا فالقضية تصير مجملة فنرجع إلى أصالة اللزوم، وتكون النتيجة نفس النتيجة.


[1] أي ثبوت خيار المجلس.
[2] أي ( البيّعان ).
[3] أي إمكان التفرق فيزم ان تكون هناك اثنينية.
[4] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص36.
[5] أي ( حتى يفترقا ).
[6] حاشية المكاسب‌، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج2، ص6.