الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

المناسب أن يقال:- في عدم ثبوت خيار المجلس، والوجه في ذلك أنَّ الروايات تقول ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا )، يعني مادام حالة الاجتماع موجودة فالخيار موجود أما إذا افترقا فسوف يزول خيار المجلس ، هذا هو المفهوم من الروايات، فشرط ثبوت خيار المجلس هو الاجتماع والاجتماع فرع وحدة المجلس حتى يصدق أنهما مجتمعان وبينهما اجتماع أما إذا كان واحد منهما في مكان والآخر في مكان آخر فلا يصدق أنه يوجد اجتمع وبالتالي لا يمكن التفرّق فلا يصدق الاجتماع، وهكذا إذا فرض أنَّ أحدهما يرى الآخر فهنا لا يوجد اجتماع وحينئذٍ لا يوجد تفرّق أيضاً لأنَّ التفرّق فرع الاجتماع، فإذا لم يصدق الاجتماع لا يصدق التفرّق، فإن قبلنا بهذا بنحوٍ استظهرناه وقلنا أنَّ الموضوع للخيار هو الاجتماع ووحدة المكان بقرينة قول الرواية ( ما لم يفترقا ) فبها، وإن فرض أنا لم نستظهره فأيضاً يكفيا ذلك لعدم ثبوت الخيار، فإنَّ الرواية إذا صارت مجملة من هذه الناحية فلا يمكن التمسك بها لإجمالها، فنرجع إلى الأصل في باب العقود، فإذا شككنا - بنحو الشبهة الحكمية - أنَّ هذا البيع خياري - أي غير لازم - أو لا فالمرجع هو أصالة اللزوم.

ومن الغريب ما ذهب إليه المحقق الكركي(قده):- فإنه قال إذا كان المتبايعان متباعدين وتناديا من بعد فقال أحدهما بعتك والآخر قال قبلت فالتفرّق يحصل بمفارقة المكان الذي أجري فيه العقد، فخيار المجلس ثابت لهما وتحصل المفارقة بمفارقة المكان، قال:- ( ولا فرق فيما قلناه بين قرب المكانين وبعدهما حتى لو تناديا بالبيع من بعدٍ اعتبر التفرّق من مكانيهما لسقوط الخيار )[1] ، وهذا الحكم ذكره بنحو الجزم لا بنحو الاحتمال.

ولكن نقول: - كان عليه أن يثبت خيار المجلس أولاً، لأنه توجد شبهة وهي أنَّ خيار المجلس فرع الاجتماع حتى يصدق الافتراق، لأنَّ الافتراق فرع إمكان الاجتماع، فكان عليه أن يعالج هذه الشبهة أولاً قبل أن يحكم بما ذكره، فما ذكره ليس له سند علمي.

القضية الثالثة: - ربما يقول قائل إذا كان الاتصال من خلال الهاتف فإذا كان خط الهاتف فعّالاً كما لو أجريا عقد البيع ثم بقيا يتحدثان على الهاتف في أمورٍ أخرى فهنا هما باقيان في المجلس أما إذا نقطع حط الهاتف فهذا افتراق عن المجلس.

ولكن نقول: - إنَّ هذا الاحتمال لا مثبت له، فإنه لا يوجد اجتماع عرفي في المجلس، ولو قلت إنَّ العرف يوسّع في ذلك فنحن نقبل بذلك فإنَّ الزمان والمكان قد يصيران سبباً للتوسعة، ولكن في هذا المورد لا توجد توسعة من هذا القبيل.

القضية الرابعة: - وهي أنه نقل الشيخ في المبسوط عن بعضٍ أنه قال إذا فرض أنَّ شخصاً تولى الايجاب والقبول معاً[2] فهنا يحصل الافتراق ويسقط خيار المجلس إذا فارق هذا الشخص مكان إجراء العقد، قال:- ( وقد قيل إنه ينتقل من المكان الذي يعقد فيه العقد فيجري ذلك مجرى تفرّق المتعاقدين ) [3]

وهذا غريب: - لأنه أولاً إذا كان مجري العقد شخصاً واحداً فمن قال إنَّ خيار المجلس ثابتاً له، وثانياً من أين تثبت أنه بمفارقته للمكان يسقط خيار المجلس، لأنَّ الخيار يسقط بالافتراق بين المتبايعين لا بمفارقة المكان.

الحكم الخامس: - لو كان العاقد واحداً عن الطرفين كما إذا كان وكيلاً عنهما أو كان ولياً عليهما فهل يثبت لهما خيار المجلس، فالكلام في أصل الثبوت، وعلى تقدير ثبوته بماذا يسقط لأنَّ الافتراق غير ممكن لأنه شخص واحد؟ ذهب السيد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب إلى ثبوت خيار المجلس، وهذا غريب منه أيضاً.

والمناسب على ضوء ما ذكرناه سابقاً عدم ثبوت خيار المجلس: - لأنَّ أصل الخيار ليس بموجود، فإنَّ الخيار فرع التعدّد حتى يحصل الافتراق، يعني في الموضع القابل للافتراق بين الطرفين يثبت الخيار بقرينة ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا )، فلابد أن تكون قابلية الافتراق موجودة فآنذاك يثبت خيار المجلس إلى أن يفترقا، أما إذا كانت قابلية الافتراق ليست موجودة ولو لأجل كونه شخصاً واحداً فأصلاً لا يوجد موضوع للخيار.

ونلفت النظر إلى شيء: - وهو أنه ما هو المانع فهل هو كلمة ( البيّعان ) أو كلمة ( ما لم يفترقا )؟

والجواب:- قد يقال بادئ ذي بدءٍ أن المانع هو الاثنين معاً، ولكن نقول إنَّ كلمة ( البيّعان ) ليست هي المانع، لأنه يمكن أن نقول هي قد لوحظت كمشير إلى البائع والمشتري، يعني يثبت للبائع ويثبت للمشتري وليست بصدد لزوم التعدد الخارجي، وإنما هي تقول الخيار حق للبائع وحق للمشتري فهي ناظرة إلى بيان أنه حق لكليهما وليست في صدد بيان أنه لابد من تعددهما، والمهم هو كلمة ( ما لم يفترقا ) فإنه قد يستظهر منها أنَّ ثبوت الخيار فرع الاجتماع بين الطرفين، والاجتماع لا يصدق إلا مع التعدد فآنذاك يمكن أن يصدق الافتراق، وهذا الذي نذكره مرة نستظهره ونجزم به فإن استظهرناه وجزمنا به فبها، وأخرى لا نجزم به ولا نستظهره بنحو الجزم فتعود الرواية مجملة من هذه الناحية وبالتالي نشك هل تُثبِت خيار المجلس في صورة وحدة المتعاقدين أو لا فالمرجع هو أصالة اللزوم.

إذاً المناسب في حال وحدة المتعاقدين عدم ثبوت خيار المجلس، وذلك للقصور في المقتضي، فإنَّ مقضي الخيار ليس من المعلوم أنه موجود، فنحن نستظهر أو نحتمل أنَّ موضوع خيار المجلس هو حالة تعدد الطرفين فآنذاك يصدق الافتراق، فعلى هذا الأساس سوف يصير ثبوت الخيار قاصراً من حيث المقتضي، فإنَّ مقتضي الخيار ليس موجوداً، لا أنَّ المانع موجود، وما بيّناه - من أنه إما أن نستظهر اعتبار التعدد أو لم نستظهره وترددنا تصير الرواية مجملة ونرجع إلى أصالة اللزوم - فمرجعه إلى فكرة القصور في المقتضي. هذا هو المناسب في المقام، وللشيخ الأعظم(قده) في المكاسب كلام يتلاءم مع ما ذكرناه.


[1] جامع المقاصد، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج4، ص284.
[2] وهذا يرتبط بالفرع الآتي من المسألة ولكنه مشابه لما نحن فيه.
[3] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج2، ص78.