الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأشكل عليه الحاج ميرزا علي الإيرواني والسيد الخوئي، وروح إشكاليهما واحدة لكن الألفاظ مختلفة: -

أما إشكال الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) فقال: - لو تمت دعوى الانصراف - كما هو المختار - فهي تعم كلا القسمين ولا موجب لاختصاصها بالوكيل في إجراء الصيغة فقط.

ولكن نقول: - إنَّ دعوى الانصراف ليست بتامة، فإننا نرى بالوجدان أنَّ الوكيل المطلق يصدق عليه أنه بيّع كما يصدق على المالك، فيثبت له خيار المجلس، وهذا بخلاف الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة فإنه يصعب أن يصدق عليه عنوان البيّع، فلا يثبت له خيار المجلس.

وأما إشكال السيد الخوئي(قده) فقال: - إنَّ عنوان البيّع صادق على الوكيل المطلق وعلى الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة معاً من دون انصراف عنهما، والدليل على ذلك هو أنَّ كلمة ( بيّع ) إذا قلنا بانصرافها عن الوكيل فهي إما أن تكون منصرفة بلحاظ المادة، أو تكون منصرفة بلحاظ الهيأة، فمادتها هي ( البيع ) وهيأتها الخاصة هي ( البيّع )، أما المادة فالبيع عبارة عن مبادلة مال بمال، ويصدق على كلا الوكيلين - المطلق والوكيل في مجرّد إجراء الصيغة - أنهما بدّلا مالاً بمال، فمن حيث المادة فهي صادقة عليه، وأما الهيأة فهي تدل على نسبة المادة - البيع - إلى الذات التي تلبست بهذه المادة وهو زيد، وهذا التلبس ثابت في الوكيلين - المطلق الوكيل في مجرد إجراء الصيغة - حيث تلبس بالمادة وانتسبت إليه، فإذاً كلاهما لا موجب لدعوى الانصراف عنه بل يصدق عليهما البيّع.

ولكن نقول: - إنَّ هذا تمسك بعملية رياضية، والقضايا الوجدانية لا يمكن أثبتها الأمور الحسابية والرياضية، فهذا أشبه بإقامة دليل علمي والقضايا الوجدانية لا يمكن اثباتها أو إنكارها بالقضايا الحسابية البرهانية، وإلا فنفس هذا الكلام يأتي في كل دعوى انصراف، كما لو ادّعينا أنَّ كلمة ( ضارب ) منصرفة عن الضرب الخفيف غير المبرّح، فلو جاء الدليل وقال لا تضرب أو لا تكن ضارباً فهل تشمل حتى الضربة البسيطة التي هي للملاطفة وتكون غير جائزة أيضاً؟!! إنه على رأي السيد الخوئي(قده) لا تجوز هذا الضرب أيضاً، لأنه لا موجب للانصراف، لأنَّ المادة صادقة وهي الضرب، والضرب عبارة عن المماسَّة وإن كان ضرباً خفيفاً، فالهيأة صادقة والمادّة صادقة أيضاً، فعلى رأيه يكون هذا الضرب منهيّاً عنه وأنَّ ( ضارب ) يشمله، ولكن هذا لا يمكن أن يلتزم به، وهذه قضية وجدانية لا يمكن إنكارها.

فإذاً لا يمكن اثبات أو إنكار الانصراف بالقضايا الوجدانية، فلاحظ وجدانك بماذا يقضي.

ونلفت النظر إلى شيء:- وهو أنَّه ينبغي أن يكون الجميع متفقاً على أنَّ الوكيل في تمام أمور المعاملة له خيار المجلس ولا ينبغي الكلام فيه فإنَّ الوجدان قاضٍ بذلك، ولكن الكلام هو أننا كيف نُخرِج الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة؟، فإن ادعينا الانصراف فنقول هو لا بأس به ولكن قد نواجَه بمثل إشكال السيد الخوئي(قده) الذي يقول لا موجب لدعوى الانصراف، أو إشكال الميرزا علي الايرواني(قده) الذي يقول إنَّ دعوى الانصراف لو تمت فهي تشمل الوكيل المطلق والوكيل في مجرّد إجراء الصيغة معاً، ولكن يوجد طريق آخر غير الانصراف لإخراج الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة وهو لأنَّ نتمسك بما ذكرناه في باب مقدمات الحكمة فإنا أضفنا مقدمة على مقدمات الحكمة وهي أن يستهجن الاطلاق على تقدير إرادة المقيد واقعاً، فلو استهجن الاطلاق فسوف ينعقد الاطلاق ويؤخذ به وإلا فلا ينعقد الاطلاق، وقد استفدنا من ذلك في باب رؤية الهلال بالعين المسلحة، فإنَّ الدليل يقول ( صم للرؤية وافطر للرؤية ) فقال جماعة تكفي العين المسلحة لأنَّ هذه رؤية أيضاً، ولكن نقول إنَّ العين المسلحة لا تكفي، لأنَّ المتكلم لو ظهر وقال إنَّ مقصودي من العين هي العين المجرّدة لا العين المسلحة لم يستهجن منه ذلك ولا يقال له لماذا لم تقيد؟!!، لأنَّ العين المسلحة لم تكن موجودة أو أنها كانت موجودة ولكنها ظاهرة نادرة، فالإمام عليه السلام حينما قال:- ( صم للرؤية وافطر لرؤية ) وكان مقصوده الرؤية بالعين المجرّدة لم يستهجن منه هذا في ذلك الزمان، فلا ينعقد الاطلاق ولا يؤخذ به، ومن جملة الموارد التي يستفاد فيها من هذه المقدّمة محل بحثنا، فإنَّ المشرّع المقدس حينما قال ( البيّعان بالخيار ) فلو ظهر وقال ليس مقصودي من كلمة ( البيّعين ) الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة لم يستهجن منه ذلك ولا يقال له ( لماذا لم تقيّد؟! )، فإذاً لا ينعقد إطلاق شامل للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة، وبالتالي لا يثبت خيار المجلس للوكيل في مجرد إجراء الصيغة.

بقي شيء: - وهو أنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر فيما تقدم أنَّ كلمة ( بيّع ) تصدق على الاثنين معاً - الوكيل المطلق والوكيل في مجرد إجراء الصيغة - خلافاً للحج ميرزا علي الايرواني(قده)، ولكن نقول إذا كانت كلمة ( بيّع ) صادقة على الاثنين معاً فكيف فصّلت في المنهاج بينهما وقلت إنَّ الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة لا يثبت له خيار المجلس أما الوكيل المطلق فيثبت له خيار المجلس، فما هو وجه تفصيلك، فما ذكرته في المنهاج يناقض مبناك؟!!