الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وقد يقول قائل: - من قال إنَّ الحكمة هي التروّي والتأمل في وجود مصلحة في البيع، فكون هذا حكمة مجرّد دعوى لا دليل عليها فإنَّ النكات لا يعلمها إلا المولى عزّ وجل.

ولكن نقول: - صحيح أننا لا نعرف علل الأحكام، أما بعض الأشياء فهي ليست بعيدة، فإنَّ أصل الخيار أثبته المولى عزّ وجل في بعض الحالات لأجل أن يكون البائع والمشتري في فسحةٍ - ولا تقل هو تعبّد - وخيار المجلس إنما ثبت لأجل هذه الفسحة أيضاً، فإذاً هذه المناقشة بعيدة جداً.

والأنسب أن يناقش بالجوابين التاليين: -

الأول: - أن يقال هل مقتضى اطلاق دليل ثبوت خيار المجلس - وهو ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ) - الشمول للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة أو لا يقتضي ذلك؟ فإن فرض أنه كان فيه إطلاق يشمل الوكيل في مجرّد اجراء الصيغة فيلزم الأخذ بمقتضى الاطلاق ونقول بثبوت خيار المجلس للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة، لأنَّ هذا هو مقتضى الاطلاق والحكمة لا تقيّد الاطلاق، إنما الذي يقيد الاطلاق هو العلَّة وليس الحكمة، والمفروض أنَّ هذا حكمة باعتراف الشيخ الأعظم(قده)، وإن لم يكن هناك إطلاق كفانا عدم وجود الاطلاق في عدم ثوت خيار المجلس للوكيل في مجرّد اجراء الصيغة ولا نحتاج إلى الحكمة والعلَّة، لأنه لا يوجد إطلاق أصلاً ولا تصل النوبة إلى التمسك بفكرة أنَّ هذا حكمة والحكمة لا تثبت في حق الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة.

ثانيا:- يمكن أن يقال هو حكمة كما قال الشيخ الأعظم(قده) ولكن رغم هذا يثبت الخيار للوكيل في مجّرد إجراء الصيغة من باب أنه يحتمل أنَّ الشرع المقدّس أراد التوسعة على المالك - البائع أو المشتري - فهو يريد أن يراعي مصلحته، فيوجد اثنان يراعون المصلحة أحدهما المالك والآخر الوكيل في إجراء الصيغة، فأراد الشرع المقدس أن يحتاط للمتعاقدين فحينئذٍ الوكيل يتروّى والمالك أيضاً يتروّى وهذا فيه مراعاة لمصلحة العاقد أكثر مما لو جعل حق الخيار للمالك فقط لأنَّ الذي سوف يتروى شخصاً واحداً، أما إذا جعله للوكيل في إجراء الصيغة أيضاً فسوف يصير التروّي من شخصين وهذا لا مانع منه، فيثبت حينئذٍ الخيار للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة.

فإذاً مادام هذا شيء محتمل فحينئذٍ هذه الحكمة لا يمكن أن تتمسك بها وتقول يبعد ثبوتها في حق الوكيل في إجراء الصيغة فقط وإنما هي تثبت في حق المالك فقط، بل عليك أن لا تجزم بذلك، وإنما قل يحتمل ثبوتها في حق الوكيل في إجراء الصيغة فقط، وإذا صار احتمال فسوف لا ينفعك، بل لابد أن تجزم بثبوتها - وهذا بقطع النظر التعليق الأول الذي ذكرناه -، لأنه إذا كان هذا الاحتمال موجود فحينئذٍ لا يمكنك أن تقول إنَّ حكمة الخيار تُبعّد أنَّ يثبت خيار المجلس للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة.

الوجه الثالث: - لو لاحظنا سائر الخيارات لا نجدها تثبت للوكيل في إجراء الصيغة، وحينئذٍ من المناسب أن نقول لا يثبت خيار المجلس للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة أيضاً.

ولكن نقول:- يلزم أن نذهب إلى باقي الخيارات ونلاحظ موضوعها ونرى هل أنها لا تثبت للوكيل في مجرد إجراء الصيغة كما يقول الشيخ الأعظم(قده) أو لا، فإن كانت لا تثبت للوكيل فحينئذٍ يأتي كلام الشيخ الأعظم(قده) وأنَّ خيار المجلس أيضاً لا يثبت للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة، ولكن لو ذهبنا إلى سائر الخيارات نجد أنَّ موضوعها ضيّق في نفسه، فمثلاً خيار الغبن موضوعه هو المغبون والمغبون يصدق على المالك وليس على الوكيل، وفي خيار الحيوان الموضوع هو صاحب الحيوان وليس العاقد، وفي خيار الشرط الموضوع هو الشارط وفق شرطه، فموضوعات هذه الخيارات هي ضيّقة في حدّ نفسها، أما في خيار المجلس فموضوعه ليس ضيّقاً وإنما الموضوع هو المتبايعان، ولا معنى لتطبيق قاعدة ( قد الجار بجرم الجار ) وأنَّ تلك الخيارات لا تثبت للوكيل فخيار المجلس أيضاً لا يثبت للوكيل أيضاً فإنَّ هذا لا دليل عليه، لأنَّ تلك الخيارات موضوعاها ضيّق في حدّ نفسه، وحينئذٍ لا معنى لأن نقول إنَّ خيار المجلس الذي موضوعه هو المتبايعان أيضاً غير شاملٍ للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة.

هذا مضافاً إلى أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنه مادامت تلك الخيارات غير ثابتة للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة فخيار المجلس ليس بثابت له، ولكن نقول إنَّ هذا لا مثبت له - وهذا بقطع النظر عن المناقشة المتقدمة - بل قل يحتمل ذلك ولا تجزم بعدم ثبوته للوكيل في مجرّد إجراء الصيغة فقط فإنَّ هذا لا مثبت له.

الوجه الرابع: - إنَّ مفاد أدلة الخيار إثبات السلطنة لصاحب الخيار على استرجاع ما انتقل عنه إلى الغير وذلك باسترجاع ما انتقل منه إلى المشتري لكن بعد الفراغ عن قدرة البائع على إرجاع ما عنده، فإذا كانت عنده قدرة على إرجاع ما انتقل إليه فسوف تصير له القدرة على استرجاع ما انتقل منه إلى المشتري، وفي المقام نقول إذا كان كلا المتعاقدين مالكين فهذا الكلام يأتي، فالبائع إذا كان مالكاً ونقل المبيع إلى المشتري فسوف تصير له السلطنة على استرجاع المبيع بعد قدرته شرعاً على إرجاع الثمن، ولكن إذا كان العاقد وكيلاً في مجرّد إجراء الصيغة فهذا لا يتم في حقه، فهنا نقول إنَّ الوكيل يريد أن يسترجع المبيع ويفسخ بخيار المجلس ولكن ليس له القدرة شرعاً على ارجاع ما انتقل إلى المالك لأنَّ الثمن يرجع إلى الموكِّل - وهو المالك - ولا سلطنة للوكيل على إرجاعه وإنما هو كيل في إجراء الصيغة فقط، فلا قدرة له شرعاً على إرجاع ما انتقل إلى المشتري - وهو الثمن - لأنَّ المالك لم يخوّله بذلك وإنما خوّله بإجراء الصيغة فقط فأدلة الخيار لا تثبت له الخيار، قال:- ( إنَّ مفاد أدلة الخيار اثبات حق وسلطنة لكل من المتعاقدين على من انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلطه على ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغاً عنه بالخارج[1] ).


[1] يعني بقطع النظر عن دليل الخيار كما لو كان مجري العقد نفس المالك فهذا قادر على أن يرجع الثمن فيتمكن أن يطالب بمثمنه مادام في المجلس.