الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

القضية الرابعة:- حينما دخل الشيخ الأعظم(قده) في مبحث الخيارات في المكاسب ذكر مقدمتان أحدهما في معنى الخيار وحقيقته وقد نقلنا عنه ذلك، والثانية هي أنَّ الأصل في العقود هي اللزوم وأخذ يستدل بأدلة على ذلك، وقد تكلمنا في المقدمة الأولى سابقاً، أما بالنسبة إلى أصالة اللزوم فلا نتحدث هنا بشيء وذلك لأنه قد تقدم في مسألة ( 52 ) الحديث عن المعاطاة وأنها تفيد الملك أو لا وعلى تقدير إفادتها الملك هل تفيد الملك اللازم أو الجائز فبهذه المناسبة تحدثنا عن أصالة اللزوم حتى نعرف أنَّ أصالة اللزوم تشمل المعاطاة أو لا وأن الملك الثابت بالمعاطاة هو لازم أو لا، فهنا لا نكرر البحث فيها في باب الخيارات كما صنع الشيخ الأعظم(قده).

وبعد الفراغ عن القضايا المتقدمة يقع الكلام عن الأحكام اليت يتم عليها المتن: -

الحكم الأول: - إنَّ خيار المجلس يثبت بعقد البيع إلى أن يتحقق الافتراق، وقلنا سابقاً إنه يلزم تعديل هذا المصطلح فنبدل خيار المجلس بخيار عدم الافتراق، والسؤال: - بِمَ يتحقق الافتراق فإن الروايات دلت على أنَّ البيعان بالخيار ما لم يفترقا فبِمَ يتحقق الافتراق؟ ذكر بعضٌ أنَّ الافتراق يتحقق بالمسمّى ولو بمقدار خطوة فهنا يسقط الخيار، وإلى هذا ذهب السيد الحكيم(قده) في المنهاج القديم وسبقة إلى ذلك صاحب الجواهر وادعى أنه لا يعرف له مخالفاً، قال:- ( ويحصل ببعد أحدهما عن صاحبه ولو بخطوة بلا خلاف يعتد به أجده فيه لعدم تحديدها بالشرع فيكتفى بمسماها المتحقق بالخطوة قطعاً ... ولا ينافي ذلك صحيح الخطى الذي لا يأبى حصوله بما دونها )[1] ، وقد أشار بقوله ( صحيحة الخطى ) إلى رواية أخرى غير الروايات الست المتقدمة وهي صحيحة محمد بن مسلم يرويها الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال:- ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:- إني ابتعت أرضاً فلما استوجبتها قمت فمشيت خطىً ثم رجعت فاردت أن يجب البيع )[2] ، وسندها أعلائي، وهو يريد أن يدفع عنه إشكال بأنه إذا كانت الخطوة الواحدة كافية فلماذا مشى الامام عليه السلام خطىً فإن سيره خطى لا معنى له؟ ولكنه قال: - إن كونَّ الافتراق يحصل بالخطوة لا ينافي أن يمشي ثلاث خطوات.

وذهب الشيخ الأعظم(قده) إلى أنه يكفي الأقل من الخطوة:- كما لو كان المتبايعان جالسان في نفس المجلس ولكن بعد أن تم البيع تحرك أحدهما من مكانه ولو شبراً فهذا يكفي في تحقق الافتراق، قل:- ( ومعنى حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما مفترقين حين العقد افتراقهما بالنسبة إلى الهيأة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الإضافي ولو بمسماه ارتفع الخيار فلا تعتبر الخطوة )[3] ، فهو فسَّر الافتراق يعني بالنسبة الاجتماعية التي كانت حين العقد فتلك الهيأة الاجتماعية إذا تخلخلت وزالت ولو بابتعاد أحدهما عن الآخر ولو بمقدار شبر سقط الخيار.

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ الافتراق هنا ليس بالقياس إلى الهيأة الاجتماعية بالقياس إلى العقد كما فسَّر ذلك الشيخ الأعظم(قده) وإنما الافتراق مقابل الاجتماع، فهما الآن مجتمعان فإذا حصل افتراق سقط خيار، فالافتراق بالقياس إلى الاجتماع ومقابله لا بالقياس إلى الهيأة الاتصالية حين العقد، وإذا كان هذا هو المقصود، فلو فرض أنَّ شخصين كانا جالسين في مكان واحد ويدرسان فهما مجتمعان، فلو تحرك أحدهما قليلاً ولو بمقدار متر كأن اتكأ على الحائط فهنا لازالا مجتمعان ولا يقال بأنهما قد افترقا، نعم يصدق الافتراق إذا قام أحدهما فهنا يتحقق الافتراق، فإذاً افتراق هو مقابل الاجتماع لا بالقياس إلى الهيأة الاتصالية، هكذا يمكن أن يفهم النص ويؤكده صحيح الخطى، فإنَّ الامام عليه السلام حينما قام لماذا مشى خطىً والحال أنه كانت تكفه خطوة واحدة؟ ولا تقل إنَّ هذا من باب الاحتياط فإنَّ الاحتياط يكون في حق الجاهل بالحكم الذي لم تكن حدود الحكم وتفاصيله واضحة حكماً أو موضوعاً فهو يحتاط أما الامام عليه السلام فهو مطلع على الأحكام الشرعية فلا معنى للاحتياط في حقه فإذا كانت تكفي الخطوة فلماذا يمشي خطوتان أو أكثر فإنَّ هذا لا معنى له، فإذاً هذا يدل على أنه لا يكفي مسمى الافتراق الذي يحصل بالخطوة وإنما المدار على الافتراق العرف في مقابل اجتماعهما لا في مقابل الهيأة الاجتماعية الحاصلة حين العقد، وهذه نكتة ظريفة تسجل على صاحب الجواهر والشيخ الأعظم معاً، أما صاحب الجواهر فقد قال ( ولا ينافي ذلك صحيح الخطى ) فنحن نقول له كيف هو لا ينافيه إذ كانت تكفي الخطوة الواحدة فلماذا يمشي الامام عليه السلام خطوات؟!!، ولو قلت:- إنَّ هذا من باب الاحتياط، قلنا:- إنَّ الاحتياط لا معنى له في حق الامام عليه السلام، أما الشيخ الأعظم(قده) فأيضاً ما ذكره ليس بصحيح، والصحيح أن يفسَّر الافتراق بالافتراق العرفي كما صنع السيد الماتن حيث حذف عبارة ( ولو بخطوة ) التي ذكرها السيد الحكيم (قده) وابدلها بكلمة ( عرفاً )، يعني أنه لابد أن يصدق أنهما قد فترقا بالنظرة العرفية، فلو كان في مكانهما ولكن صار بينهما فاصل كنصف متر فهما لم يفترقا عرفاً، وهذه نكتة ظريف يجدر الالتفات إليها، قال السيد الماتن:- ( وهو على أقسام الأول خيار المجلس أيّ مجلس البيع فإنه إذا وقع البيع كان لكل من البائع والمشتري الخيار في المجلس ما لم يفترقا فإذا افترقا عرفاً لزم البيع انتفى الخيار )، ونحن نقترح أن تحذف عبارة ( في المجلس ) لأننا قلنا إنَّ المدار على الافتراق ولا دخل للمجلس في ذلك فإذا قاما وأخذا يمشيان ولو بمقدار يوم أو أكثر فخيار المجلس بعد باقٍ.


[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج23، ص13.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج18، ص8، أبواب الخيار، ب2، ح2، وعلى منوالها ح3، ط آل البیت.
[3] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص66.