الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

والكلام في هذه الرواية تارة يقع في سندها وأخرى في دلالتها وكيفية التوفيق بنيها وبين الروايات الست المتقدمة: -

أما سندها: - فالتعبير بكلمة ( وعنه ) هي من الشيخ الطوسي(قده) حيث قال في التهذيب:- ( وعنه عن أبي جعفر عن أبيه عن غياث بن إبراهيم )، ولو رجعنا إلى السند السابق في التهذيب المصرّح بالاسم فيه نجد أنه محمد بن أحمد بن يحيى وهو الأشعري القمّي صاحب كتاب نوادر الحكمة الثقة، وأما أبو جعفر فهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري فإنَّ صاحب نوارد الحكمة يروي عنه كثيراً فتصير هذه قرينة على أنه أحمد بن محمد بن عيسى الذي هو من أجلة أصحابنا فإنه يحصل اطمئنان بذلك، وأما ( أبيه ) فهو محمد بن عيسى الأشعري وهو لا يوجد توثيق في حقه، ولكن ربما يقال باعتباره لرواية ولده الثقة عنه كثيراً، وهذه قضية مزاجية نفسية، فروايته عن والدة يدل على وثاقته لأنه أعرف بوالده، فمن قبل بهذا فبها وإلا فلا، فالمقصود أنه توجد مواقف لا تتبع الموازين العلمية وإنما تتبع الأمزجة الشخصية، ونحن نقبل باعتباره، وأما غياث بن إبراهيم فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص أحدهم ثقه النجاشي وهو غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي البصري، ولكن يوجد غياثان آخران أحدهما غياث بن إبراهيم الدارمي والآخر غياث بن إبراهيم الرزامي وهما لم يكررهما النجاشي ولكنهما مذكوران في كتب الأصحاب ويحتمل أن غياث بن إبراهيم المذكور في سند الرواية هو أحد هذين الاثنين فماذا نصنع؟

إنه يمكن أن يقال أحد أمرين: -

الأول: - إنَّ الاطلاق ينصرف إلى صاحب الكتاب فإنَّ صاحب الكتاب عادةً هو المعروف فينصرف غياث بن إبراهيم الموجود في سند الرواية إليه أي إلى صاحب الكتاب الذي ذكره النجاشي، وهذه قضية مزاجية وليست علمية ولابد لكل شخص أن يتخذ موقفاً منها.

الثاني: - أن نقول إنَّ هؤلاء الثلاثة ليسوا ثلاثة بل هو شخص واحد غايته أنه له ألقاب متعددة، فإذا بنينا على هذا فسوف تحل المشكلة لأنَّ النجاشي وثّق غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي البصري وحينئذٍ تثبت وثاقته، والمثبت لكونه شخصاً واحداً هو بقرينه وحدة الراوي والمروي عنه، يعني أنَّ الذين يروون عن غياث بن إبراهيم الأول والثاني والثالث والذين يروون عنه كلهم متفقون في هذه الأسماء الثلاثة فهذا الاتفاق يمكن أن يورث الاطمئنان بكونه شخصاً واحداً وإلا فمن البعيد أن يتفقوا في الكثير من الموارد في الراوي والمروي عنه.

فإذاً السند يمكن اعتباره.

وأما دلالتها: - فكيف نتخلّص من دلالتها على مخالفة الروايات الست السابقة؟

هناك ثلاثة أجوبة وأضاف صاحب الحدائق جواباً: -

الجواب الأول: - أن نقول إنه ورد في الرواية: - ( إذا صفق الرجل فقد وجب البيع وإن لم يفترقا ) فنقول إنَّ التصفيق كناية عن اللزوم، يعني أنهما أسقطا الخيارات وتم البيع وألزماه، فالتصفيق نحمله على تمامية العقد وإسقاط الخيار.

الجواب الثاني: - أن نقول إنه ورد في الرواية: - ( إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب ) فحمل وجب على ( ثبت ) وإن لم يفتقرا، يعني أنَّ البيع ثبت وتحقق وتم وإن لم يفترقا، الوجوب نفسره بالثبوت دون اللزوم.

الجواب الثالث: - أن نقول إنَّ تلك الست روايات المتقدمة فقد يورث لك الاطمئنان بحقانية مضمونها يعني تصير بمثابة السنة القطعية، وهذا ليس ببعيد، فإذاً نردّ هذه الرواية لمخالفتها للسنة القطعية.

إن قلت: - إنَّ الذي جاء في مقبولة ابن حنظلة وما شاكلها ( ما خالف كتاب الله فهو زخرف أو على الجدار ) ولا يوجد عندنا ( ما خالف السنَّة القطعية فهو زخرف وعلى الجدار )؟

والجواب: - إنَّ ما خالف كتاب الله بأيَّ اعتبار هو زخرف وباطل فهل هو مخالف لكتاب الله بما هو كتاب الله أو بما هو قطعي الصدور الانتساب إلى الله عزّ وجل؟ إنه إذا خالفه بما هو قطعي فهو يمثل حكم الله القطعي، فإذا كان بهذا الاعتبار فأيضاً هذه سنة قطعية وهو مخف لها فيسقط.

وهناك شيء آخر وهو أن يقال: - إنه حتى لو لم يكن من باب الدليل القطعي وغضضنا النظر عن هذا لا نحتاج إلى روايات ( ما خالف كتاب الله فهو زخرف )، وإنما نقول إنَّ وجود ستّ روايات تورث للفقيه الاطمئنان فيحصل له اطمئنان بأنَّ هذه الرواية فيها خلل في جهة من الجهات، وهذا طريقٌ آخر ولا نحتاج إلى سلوك الجواب الثالث، فإذاً نطرح الرواية المذكورة ونأخذ بالروايات الست.

وقال صاحب الحدائق(قده) كلاماً آخر: - حيث حملها على التقية[1] ، لأنَّ أبا حنيفة خالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جملة من الموارد أحدها ذا المورد فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( البيعان بالخيار ما لم يفترقا ) ولكنه يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول وإن افترقا، فنحمل هذه الرواية على التقية لموافقتها لما ذهب إليه أبو حنيفة، قال:- ( وهو الأقرب فإنه مذهب أبي حنيفة وقد نقل عنه انه رد على رسول الله صلى الله عليه وآله في أربعمائة حديث منها " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " نقله عن الزمخشري في كتاب ربيع البرار مع أنه حنفي المذهب )[2] .

والجواب: - إنَّ هذه الرواية ينقلها الامام الصادق عن أمير المؤمنين عله السلام يعني قبل ولادة أبي حنيفة بكثير فهل يتقي الامام عليه اللام من أبي حنيفة الذي سوف يأتي؟!! إنَّ هذا الكلام غير مقبول، فالحمل على التقية في هذا المورد لا معنى له، والمناسب ما ذكرناه وهو أنَّ هذه الرواية إما أن توجهّ كلمة ( صفق ) بأنها كناية عن الإلزام يعني التزمنا بالعقد، أو نفسرها بمعنى ثبت العقد فلا تدل حينئذٍ على سقوط الخيار، أو نقول هي مخالفة للسنة القطعية فتطرح، أو نقول إنَّ تلك روايات ست فيحصل الاطمئنان بها وهذه الرواية تخالف هذا الاطمئنان فتطرح حينئذٍ إذ يحصل الاطمئنان ببطلانها.

فإذاً ثبوت خيار عدم الافتراق تام ولا إشكال فيه.


[1] نعم لعل مقصوده هو الحمل على الصحة لما أشرنا إليه من أنَّ تلك ست روايات فتشكل سنَّة قطعية وهذه الرواية مخالفة لها فنطرحها ولكن نقول نحملها على التقية، ولكن هذا لم يخطر على ذهنه وإلا لبينه.
[2] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج19، ص6.