الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع ( الخيارات ) - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

القضية الثالثة: - إنَّ خيار عدم الافتراق والذي يعبر عنه في لسان الفقهاء بخيار المجلس توجد روايات معتبرة متعددة ترتبط بإثباته ولعلها ستة روايات: -

الرواية الأولى: - محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- البيّعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام )[1] ، ودلالتها واضحة فإنها قالت ( البيّعان بالخيار حتى يفترقا ).

أما سندها فهي عن محمد بن يعقوب الكليني عن أبي علي الأشعري، وأبو علي الأشعري كثيراً ما يروي عنه الشيخ الكليني وهو من أجلة أصحابنا، ومحمد بن عبد الجبار ثقة أيضاً، وصفوان فهو ثقة والعلاء هو ابن رزين فهو من أجلة أصحابنا ومحمد بن مسلم كذلك، فالسند أعلائي.

الرواية الثانية:- وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل وابن بكير جميعاً عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- البيعان بالخيار حتى يفترقا ... )[2] ، ودلالتها كالرواية الأولى جيدة جداً.

وأما السند:- فهو جيد، فإنَّ علي بن إبراهيم هو القمي وهو من أجلة أصحابنا، وأما أبيه إبراهيم بن هاشم فقد وقع فيه كلام فإنه لا يوجد في حقه توثيق، ولكن قيل في حقه ( إنه نشر حديث الكوفيين بقم )، يعني أنه كان من مدرسة الكوفة ثم انتقل إلى قم وحيث إنَّ لديه أحاديث مدرسة الكوفة عن الأئمة عليهم السلام من الرواة الكوفيين فهو نشرها في قم، كما أنَّ ولده روي عنه كثيراً وهذا قد يولّد الاطمئنان بوثاقته، إذ لو لم يكن معتبراً ومقبولاً لدى الأصحاب كيف ينشر أحاديث مدرسة الكوفة في مدرسة قم المعروفة بالتشدد؟!! فإذاً هذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدل على أنه كان مقبولاً لدى الأصحاب وأنه ثقة، ونضم إلى ذلك رواية ابنه عنه كثيراً فيحصل لنا الاطمئنان بوثاقته، أما ابن أبي عمير فهو ثقة، وجميل وابن بكير كلاهما من الثقات، وإن كان ابن بكير من الفطحية ولكن هذا لا يؤثر، وهما معاً يرويان عن زارة، فإذاً السند معتبر.

الرواية الثالثة: - محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل عن فضيل عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:- ( قلت له:- ما الشرط[3] في غير الحيوان؟ قال:- البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما )[4] ، والسند معتبر، فإنَّ محمد بن يحيى فهو الأشعري أستاذ الكليني وهو ثقة، وأحمد بن محمد فهو بن عيسى أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، ولكنه هنا أحمد بن محمد بن عيسى لكثرة رواية محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، والحسن بن محبوب من أجلة أصحابنا، وجميل فهو ابن دراج وهو من أجلة أصحابنا، وأما الفضيل فهو ابن يسار النهدي وهو من أجلة الأصحاب.

الرواية الرابعة:- علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( أيما رجل اشترى من رجل بيعاً فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع )[5] ، ودلالتها واضحة جداً والسند معتبر، فإن علي فهو علي ابن إبراهيم القمي، وأبيه إبراهيم بن هاشم وهو معتبر وأما ابن أبي عمير وحمّاد والحلبي فهم من أجلة اصحابنا.

الرواية الخامسة:- الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن علي بن اسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:- ( سمعته يقول:- الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري في غير الحيوان أن يفتقرا )[6] ، أما سندها فالحسين بن محمد فهو الأشعري وهو من أجلة أصحابنا ويروي عنه الكليني الكثير، ومعلّى بن محمد فلا يوجد توثيق في حقه، ولكن ورد في تفسير القمي، فمن بنى على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد تفسير القمي فسوف تثبت وثقاته وإلا سوف يكون محل إشكال، نعم روى عنه غير واحدٍ من أجلة الأصحاب فإن بنيت على أنَّ وراية الأجلة عن شخص يدل على وثاقته فبها، نعم إذا روى عنه واحد أو اثنين من الأجلة فيمكن أن يقال لعلهما تساهلا أو اشتبها في النقل عنه أما أن يروي عنه الكثير من الأجلة فهذا قد يورث الاطمئنان بوثاقته، فإذاً يوجد مجال للبناء على وثاقته لرواية أجلة الأصحاب عنه، كما أنه يروى عنه الحسين بن محمد الأشعري شيخ الكليني أيضاً، فإذاً الرواية تامة دلالةً كما يمكن تتميمها سنداً.

الرواية السادسة: - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: - ( إنَّ أبي عليه السلام اشترى أرضاً يقال لها العريض فلما استوجبها[7] قام فمضى فقلت له:- يا أبه عجّلت القيام؟ فقال:- يا بني أردت أن يجب البيع )[8] ، وهي أيضاً تدل على أنه عليه السلام كان له الخيار وإذا لم يقم فسوف لا يجب البيع لأنَّ الخيار بعدُ موجود وليس بساقط فيكون البيع متزلزلاً، فلابد أن يقوم ويمشي عن المجلس حتى يحصل الافتراق ويسقط خيار المجلس.

فإذاً ثبوت الخيار المجلس لا تأمل فيه.

ولكن توجد رواية واحدة تعارض هذه الروايات لابد من معالجتها: - وهي: - ( وعنه عن أبي جعفر عن أبيه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال:- قال علي عليه السلام إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا )[9] .

وقد نقل الشيخ الأنصاري هذه الرواية ولكنه لم ينقل فقرة ( وإن لم فترقا ) والحال أنها هي المهمة، لأنَّ عبارة ( إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب ) فلعل هذا يحصل بعد الافتراق فالبيع يجب بالافتراق وهذا يصير تأكيداً له، وعليه فسوف لا تعارض تلك الروايات، أما حينما يقول ( وإن لم يفترقا ) فهذا يعني أنه حتى إذا لم يفترقا عن المجلس فالخيار يسقط، فتكون معارضةً لما تقدمها من الروايات.

[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص5، أبواب الخيار، ب1، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص5، أبواب الخيار، ب1، ح2، ط آل البيت.
[3] والمقصود من الشرط هنا هو مصطلح يستعمل في الخيار.
[4] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص5، أبواب الخيار، ب1، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص5، أبواب الخيار، ب1، ح4، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص5، أبواب الخيار، ب1، ح5، ط آل البيت.
[7] استوجبها يعني تقبّل الايجاب، يعني بعد أن قال المشتري بعت قال له قبلت.
[8] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص8، أبواب الخيار، ب2، ح1، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص7، أبواب الخيار، ب2، ح7، ط آل البيت.