الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع: - الخيارات - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

القضية الثالثة: - إنَّ الشيخ الأعظم(قده)[1] عرَّف الخيار بأنه ( ملك فسخ العقد )، بينما عبارة منهاج الصالحين للسيد الماتن ليست كذلك وإنما قال ( الخيار حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد )، فهل هناك اختلاف بين التعريفين من حيث حقيقة الخيار أو أنه مجرد فارق لفظي، فكلاهما يريد أن يشير إلى شيء واحد لكن الألفاظ قد تتغير، وما هو الصحيح منهما؟

ليس من البعيد أنَّ يكون مقصودهما واحداً والاختلاف لفظي فقط، فكلا التعريفين يريد أن يشير إلى قضية وتلك القضية هي محطّ نظرهما أما الباقي فهو زائد، وتلك القضية هي أنَّ الخيار حق وليس حكماً، فإنه يوجد عندنا حكم ويوجد عندنا حق، والحق قابل للإسقاط، ففصل الحق والمميز له هو قابلية الاسقاط، أما الحكم الشرعي فهو ليس قابلاً للإسقاط، مثل إجازة عقد الفضولي، فللمالك أن يجيز عقد الفضولي، فالاجازة حكم وليست بحق فلا تكون قابلة للإسقاط، فحتى لو أسقط المالك الاجازة لكن رغم ذلك هي ثابتة له ولم تسقط ويمكنه أن يجيز العقد بعد ذلك، وهكذا فسخ العقود الجائزة، فإنَّ لك الحق في أن تفسخ العقد الجائز، فمثلاً الوكالة هي عقد جائز فتستطيع أن تفسخها متى ما أردت، وهذا ليس بحق وإنما هو حكم والأحكام الشرعية لا تسقط بالإسقاط، أو مثلاً لي الحق في الجلوس في هذا المكان في المسجد، فلو قلت قبل أن أجلس فيه أسقطت حقي في الجلوس في هذا المكان فهو لا يسقط وإنما هو باقٍ وتستطيع أن أجلس فيه، أما لو جلست في المكان فهنا صار لي حق السبق وهذا الحق يسقط بالإسقاط أما من دون إسقاط فلا يسقط ولا يمكن لأحدٍ أن يأخذه مني، نعم أستطيع أن أسقط حقي، فهو يسقط فبالإسقاط.

والخلاصة:- هناك حكم شرعي وهناك حق شرعي، والحق يقبل السقوط بالإسقاط، بخلاف الحكم فإنه لا يقبل السقوط بالإسقاط، والتعريفان يريدان أن يشيرا إلى قضيةٍ واحدة وهو أنَّ هذا حقٌّ أما الألفاظ الباقية فهي زائدة، فمثلاً الشيخ الأعظم قال ( الخيار هو ملك فسخ العقد ) فأشار بذلك إلى أنك تستطيع أن تسقطه وليس حكماً شرعياً، والتعريف الثاني قال ( الخيار حق يقتضي السلطنة ) فهو أيضاً يريد أن يشير إلى نفس القضية، فإذاً ليس هناك فارق بين التعريفين، ولهذا قال الشيخ الأعظم(قده):- ( والعل التعبير بالملك للتنبيه على أن الخيار من الحقوق لا من الأحكام )[2] .

القضية الرابعة: - عرفنا أنَّ الخيار في اللغة غيره عند الفقهاء فإن الخيار في اللغة كما عرفنا لا يختص بالعقد وفسخه وإنما له معنى أوسع، فهو مطلق ملكية أمر الشيء، فهو مطلق السلطنة على شيء فمثلاً لي السلطنة على النبت في زواجها فيقال خيار أمرها بيدي أو داري أو سيارتي فيقال خيارها بيدي - أي بيد المالك - ... وهكذا فإذاً الخيار في اللغة هو مطلق ملكية امر الشيء لا ملكية خصوص الفسخ في العقد، وأما عند الفقهاء فهو ضيق في خصوص باب العقود فالخيار هو حق فسخ العقد فهو ضيق وليس وسيعاً كما هو في اللغة.

والسؤال: - هل يوجد اختلاف بين الفقهاء في تحديد حقيقة الخيار؟

إذا رجعنا إلى فخر الدين وجدنا يقول إنَّ:- ( الخيار ملك فسخ العقد )[3] ، ولكن أضاف صاحب الجواهر أضافة وقال:- ( هو ملك فسخ العقد وإقراره ) [4] ، وذكر ذلك قبله صاحب الرياض [5] والفاضل المقداد[6] ، والفارق بين التحديدين هو أنَّ التحديد الأول لم يذكر الإقرار والالزام وإنما قال فقط ( ملك فسخ العقد )، فهو ذكر الطرف الأول ولم يذكر الطرف الثاني، أما التحديد الثاني فقد ذكر الطرف الثاني، فهو قال ( ملك الفسخ والإقرار ) ، فالإقرار مقابل الفسخ يعني ملك الفسخ وغير الفسخ.

وأشكل الشيخ الأعظم بإشكال وقال: - إنَّ كلمة ( والاقرار ) حينما ذكرت فما هو المقصود منها، فهل المقصود من إقراره يعني إبقاء العقد وترك الفسخ فيصير المعنى ( ملك فسخ العقد وعدم فسخه وذلك بإقراره وإبقاءه )، أو أنَّ المقصود من الإقرار الالزام فيصير المعنى ( الخيار ملك فسخ العقد وجعله لازماً؟ فإن كان المقصود هو الأول فهذا القيد والاضافة مستدركة - يعني زائدة - لا حاجة إليها، لأنَّ القدرة تستبطن هذا المعنى، لأنه حينما أقول أنا أستطيع أن أسافر فهذا معناه أني وأستطيع أن لا أسافر أيضاً، أو أسطيع أن آكل فهذا معناه أني استطيع أن لا آكل أيضاً، فدائماً القدرة على شيء تستبطن القدرة على الطرفين الوجود والعدم، وإلا إذا لم تكن هناك قدرة على الطرف الثاني فاستعمال كلمة القدرة يكون خطأً، فإذا لم تكن عندك قدرة على عدم الفسخ فلا يعبّر بالقدرة حينئذٍ لأنك لا توجد عندك قدرة على الفسخ وإنما يصير إجبارٌ على فسخ العقد والتعبير بالقدرة ليس بصحيح.

وقد يقال: - إنَّ التعريف لم يذكر كلمة ( قدرة ) وإنما قال ( ملك فسخ العقد وإقراره )، فما كذكرته من القدرة على شيء تستبطن القدرة على كلا الطرفين - جانب الوجود وجانب العدم – لا يأتي هنا فأنَّ هذا مطب كلّي لا ربط له بالتعريف، لأنَّ التعريف عُبّر فيه بالملك ولم يعبر بالقدرة؟

قلت: - صحيح أنَّ التعريف لم يعبر بالقدرة ولكن حينما عبّر بالملك فالملك هنا بمعنى القدرة وليس له معنى آخر، فأنا أملك أن أبني داراً أو أسافر يعني أني قادر على ذلك، فـ( يملك الفسخ ) يعني هو قادر على الفسخ، فجزماً هذا هو المقصود من دون تأمل، فلا يرد ما ذكرته.

فالملك هنا يعنى القدرة وإذا كان بمعنى القدرة فيأتي ما ذكره الشيخ من أنَّ ذكر الشق الثاني - العدل والإقرار - يكون مستدركاً زائداً، فإنَّ القدرة على طرف تستبطن القدرة على الطرف الثاني فالتصريح بالطرف الثاني يكون لغواً مستدركاً.وإن كان المقصود من الإقرار الإلزام فهذا سوف لا يصير قيداً مستدركاً وإنما يصير شيئاً جديداً، يعني سوف يصير الخيار هو ملك الفسخ إي إبطال العقد وملك جعله لازماً لا يمكن فسخه، ومتى يصير العقد لازماً؟ ذلك بإسقاط الخيار، ويترتب على هذا أننا أخذنا في حقيقة الخيار إسقاط الخيار، فتكون حقيقية الخيار هي القدرة على إسقاط الخيار، يعني القدرة على الفسخ والقدرة على إسقاط الخيار، وعلى هذا فقد أخذت الخيار في حقيقة الخيار، فأخذت الشيء في حقيقة نفسه وهذا لا معنى له، هكذا نقول.أو نقول: - إنه يلزم الدور، لأن تعريف الخيار وحقيقته صار موقوفاً على الخيار، فإنَّ الخيار حقيقته موقوفة على إسقاط الخيار، وهذا دور.

ولم يبين الشيخ الأنصاري(قده) المسألة بهذا الشكل واضح، فهو لم يبرز احتمالين وإنما عبارته كانت مجملة فإنه قال: - ( وإن أريد منه إلزام العقد وجعله غير قابل لأنَّ يفسخ ففيه إن مرجعه إلى إسقاط حق الخيار فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار )[7] ، فعبارته مجملة وهي تحتمل الاحتمال الأول كما تحتمل الاحتمال الثاني، ولا نتكمن أن نجزم بكون مقصوده هو الاحتمال الأول أو الاحتمال الثاني.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص11.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص11.
[3] الايضاح، فخر الدين، ج1، ص482.
[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج23، ص3.
[5] رياض المسائل، الطباطبائي، السيد علي، ج8، ص177.
[6] التنقيح الرائع لمختصر الشرائع‌، الفاضل مقداد‌، ج2، ص43.
[7] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص12.