الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الرابع:- الخيارات - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

دخلنا في الفصل الرابع وهو الخيارات وقد فسّر السيد الماتن الخيار بملك فسخ العقد، وقلنا نبين قضايا جانبية لا بأس بذكرها قبل الدخل في صلب الموضوع: -

القضية الأولى: - إنَّ الخيار هل هو مصدر أو اسم مصدر؟

وفي البداية لابد وأن نعرف الفارق بين المصر واسم المصدر حتى بعد ذلك نقول هل الخيار مصدر أو اسم مصدر، وفي هذا المجال نقول:- هناك تفرقتان بين المصدر واسم المصدر تفرقة أصولية وتفرقة لغوية، والتفرقة الأصولية بين المصدر واسم المصدر هو أنَّ الحدث مرة يلحظ منتسباً إلى الفاعل أو إلى المفعول ولأخرى يلحظ بنفه من دون انتساب إلى الفاعل أو المفعول، فإذا لوحظ منتسباً إلى الفاعل أو المفعول فهو مصدر وإذا لوحظ في حدّ نفسه فهو اسم مصدر، مثلاً كلمة البيع في قوله تعالى ﴿ إنما البيع مثل الربا ﴾ فهنا كلمة ( بيع ) لم تلحظ منتسبة لشخص كفاعل أو كمفعول وإنما لوحظ الحدث في حد نفسه فهو اسم مصدر، أما إذا قلنا بيع زيد أحسن من بيع عمرو فالبيع هنا منسوباً إلى فاعله، وقد ينسب إلى المفعول مثل ضرب زيد فمرة زيد نلاحظه كفاعل ومرة نلاحظه بأنه وقع عليه الضرب، فمرة نقول ضرب زيد يعني أنَّ الضربة التي ضرب بها زيد قوية ومرة نلاحظ زيد فاعلاً صدر منه الضرب فنقول ضرب زيد خير من كذا، فهنا إذا لوحظ الحدث منتسباً إلى الفاعل أو المفعول فهو مصدر أما إذا لم يلحظ منتسباً فهو اسم مصدر، هذه هي التفرقة الأصولية بين المصدر واسم المصدر، وأما التفرقة اللغوية فالمصدر يكون جارياً على منوال ووزان فعله وأخرى لا يكون جارياً على وزان فعله، مثلاً ( ضَرْب ) هو مصدر من ( ضَرَبَ ) فهذا جار على وزان فعله، أو ( أكرام ) من ( أكرم ) فهذا أيضاً جار على وزان فعله، وأما ( وضوء ) من ( توضأ ) على غير وزان فعله فيصير اسم مصدر، أو ( عطاء ) من ( أعطى ) فهذا جار على غير وزان فعله فهو اسم مصدر، وعلى هذا الأساس فهمنا التفرقة النحوية أو في اللغة العربية بني المصدر وبين اسم المصدر وبين التفرقة الأصولية، ونتمكن من خلال المقارنة بين هذين التفسيرين للمصدر واسم المصدر نتمكن أن نقول إن التفرقة النحوية هي تفرقة لفظية ناظرة إلى اللفظ بينما التفرقة الأصولية تفرقة معنوية فهي ناظرة إلى جنبة المعنى لأنَّ الأصولي يقول مرة الحدث يلحظ بنفسه بما هو هو ومرة نلاحظه منتسباً إلى فعله أو مفعوله وهذه تفرقة من جبنة المعنى وليس من جنبة اللفظ، فإذاً عرفنا التفرقة بين المصدر واسم المصدر وأنَّ المصدر عبارة عن الحدث إذا لوحظ منتسباً إلى فاعله أو مفعلوه واسم المصدر هو الحدث بنفسه من دون ملاحظة كونه منتسباً والفرق حينئذٍ سوف يصير معنوياً وأما التفرقة النحوية - أو في اللغة العربية - فهي تفرقة لفظية، فإن فرض أنَّ المصدر كان جارياً على وزان فعله فحينئذٍ يكون مصدراً وإذا كان جارياً على غير وزان فعله فهذا يكون اسم مصدر.

والشيخ الأعظم(قده) في بداية الخيارات قال:- ( الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار )[1] ، ولا يبعد أنَّ الشيخ هنا ناظر إلى التفرقة اللغوية بقرينة قوله ( لغةً ) ليس بناظر إلى التفرقة الأصولية.

وعليه فلو سئلنا عن الخيار هل هو اسم مصدر أو أنه مصدر؟ فنجيب بأنه إن كنت تقصد الجنبة الأصولية فالخيار هو اسم مصدر، لأنَّ الحدث يلحظ والمعنى في حدّ نفسه بقطع النظر عن جنبة صدوره من شخص أو وقوعه على شخص فإنَّ حيثية الانتساب ليست ملحوظة، فيكون الخيار اسم مصدر لأنه لم يلحظ منتسباً إلى الفاعل أو المفعول، وأما إذا لاحظناه من الجنبة اللغوية فالخيار ليس على وزان اختيار، فعلى هذا الأساس يكون اسم مصدر أيضاً لأنه ليس على وزان الفعل، فإذاً الخيار من الجنبة الأصولية هو اسم مصدر لأن الحدث قد لوحظ في نفسه بما هو هو من دون انتساب إلى الفاعل أو المفعول، وإذا لاحظنا الخيار بالقياس إلى الاختيار - يعني من اختار وليس من ( خار ) لأنه هنا سوف يصير مصدراً - يصير اسم مصدر.

القضية الثانية: - ذكر الشيخ الأعظم(قده) بعد عبارته المتقدّمة هذه العبارة فقال ( غُلِّبَ في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ العقد )، وهذا الكلام قد يفهم منه أنَّ الخيار بحسب اللغة أوسع منه بحسب الاصطلاح، فبسبب الاصطلاح صار الخيار خاصاً بفسخ العقد، أما بحسب اللغة فهو أوسع، فكل من بيده أمره الشيء نقول هو صاحب الخيار أو له الخيار، مثلاً الوالد بالنسبة إلى بنته فإنَّ اختيار الزوج لها هو بيده فنقول الوالد له الخيار، يعني بمعنى أمر بنته من حيث الزواج ونحو ذلك بيده، فالخيار بحسب اللغو معناه وسيع ولا يختص بملك فسخ العقد وإنما يعم، مثلا نقول إن امر الدار بيد فلان يعني بيعها وشرائها وهبتها بيد فلان الذي هو المالك، فإذاً الخيار بحسب اللغة وإن كان يراد منه مطلق من يملك اختيار الشيء - يعني التصرفات فيه - سواء كان الأب بالنسبة إلى بنته أو صاحب الدار بالنسبة إلى داره ... وهكذا فالمعنى وسيع، أما بحسب المصطلح الفقهي للخيار فيختص بملك فسخ العقد لا غير ذلك، فإذاً مناه بحس بالاصطلاح ضيق، ونلفت النظر إلى شيء وهو أن متعلق الخيار دائماً لابد أن يكون فعلاً من الفعال لا ذاتاً من الذوات مثلاً نقول خيار البنت بيد والدها، فهنا أضفنا الخيار إلى النبت وهذا غير صحيح، وإنما يوجد مقدر محذوف يعني ( خيار زواجها أو خيار خروجها من البيت ) أيّ الأفعال، فمتعلّق الخيار دائماً لا يكون ذاتاً من الذوات وإنما يكون فعلاً من الأفعال.

فإذاً الخيار مصطلح فقيه خاص بخصوص ملك فسخ العقد وإن كان لغةً يقصد منه من يملك أمر الشيء ونقصد من امر الشيء ليس الذات وإنما الفعل مثل زواج البنت وبيع الدار وما شاكل ذلك فحينئذٍ يقال له لغةً أن صاحب خيار الزواج أو الطلاق أو بيع الدار هو فلان، فالخيار مصطلح فقهي لخصوص ملك الفسخ لا أكثر أما بحسب اللغة معناه وسيع كما عرفنا.

[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص11.