الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 105 ) يلزم كون الضميمة في بيع ما لا يقدر على تسليمه معتد بها - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

مسألة ( 105 ):- يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة إذا كانت ذات قيمة معتد بها...........................................................................................................الأجدر حذف هذه المسألة من الرسالة العملية لأنها ليست ابتلائية، وإذا أردنا أن نذكرها فالمناسب صياغتها بصياغة جديدة فنقول:- ( يجوز بيع غير المقدور على تسليمه كالطير في الهواء مع الضميمة إذا كانت ذات قيمة معتد بها )، ولكن نحن نبحثها لاشتمالها على بعض النكات العلمية.

وهناك قضية قد أشرنا إليها سابقاً:- وهي أنَّ العبد الآبق يجوز بيعه بمقتضى القاعدة من دون ضميمة لخصوصية فيه، وذلك فيما إذا كان الهدف من البيع والشراء للعبد هو اعتقاه فهنا لا يلزم القدرة على تسليمه وتسلّمه وإنما بمجرد أن يملكه المشتري يمنه أن يعتقه، وفي مثل هذه الحالة لا يحتاج إلى الضميمة، والنصوص التي قالت لا يصح البيع إلا مع الضميمة ليست ناظرة إلى قضية العتق وإنما ناظرة إلى شراء العبد لأجل الخدمة فهنا قالت لا يصح بيعه إلا مع الضميمة، أما إذا أن الهدف من بيع العبد هو العتق فيمكنك أن نقول هو خارج عن الرواية فيكون صحيحاً على مقتضى القاعدة، فإذاً هذا الكلام يأتي في العبد الآبق فقط أما بقية الأشياء غير المقدور على تسلّمها فلا يأتي هذا الكلام.

وهناك قضية أخرى: - وهي أنه ما هو الدليل على عدم جواز بيع العبد الآبق إلا مع الضميمة؟

والجواب: - الدليل على ذلك روايتان هما موثقة سماعة ومعتبرة رفاعة النخّاس المتقدمتان في المسألة السابقة.

وهنا قضية أخرى: - وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنَّ مورد الروايتين هو حالة رجاء وجدان العبد الآبق والعثور عليه، وعلى هذا الأساس يجوز البيع مع الضميمة في هذه الحالة، وإلا إذا كان هناك جزم بعدم إمكان العثور عليه فبيعه لا يجوز حتى مع الضميمة[1] .

وما ذكره وجيه: - لأنَّ مورد الروايتين هو احتمال العثور، فإنه ورد في الرواية الأولى اشتري الجارية ثم أطلبها، وقريبٌ من ذلك في الرواية الثانية، فإذاً توجد ألفاظ في الرواية تدل على أنَّ مورد الروايتين هو خصوص حالة احتمال العثور على العبد بالفحص عنه، فلا تعمّان حالة اليأس والقطع بعدم العثور عليه، قال: - ( وظاهر السؤال في الأولى والجواب في الثانية الاختصاص بصورة رجاء الوجدان )، فإنَّ الوارد في صحيحة رفاعة ( أشتري الجارية الآبقة وأنا أطلبها ) فتعبير السائل بلفظ ( وأنا أطلبها ) فهذا التعبير واضح في أنه يمكن العثور عليها وإلا كيف هو يطلبها؟!!، وورد في موثقة سماعة:- ( فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه )، فتعبير ( فإن لم يقدر على العبد ) يعني كان يفحص عنه ولم يقدر عليه وهذا معناه أنَّ إمكان العثور عليه كان موجوداً ولا يأس منه، فإذاً موثقة سماعة بقرينة ذيلها تدل على أنها ناظرة إلى حالة إمكان العثور عليه، ومعتبرة رفاعة بقرينة صدرها ظاهرة في هذا المعنى أيضاً، فإذاً الروايتان خاصتان بحالة احتمال العثور ولا تعمّان حالة اليأس.

وما ذكره وجيه

بيد أنَّ السيد الخوئي(قده)[2] ذكر أنه يمكن أن تسفيد التعميم من الروايتين حتى لحالة عدم احتمال العثور:- لأنَّ ذلك ليس محطاً لنظر الامام عليه السلام، يعني صحيح أنه ذكر ولكن الامام لم يذكره من باب كونه قيداً معتبر وأخذه قيداً وكان محطاً لنظره ويريد أن يؤكد عليه وإنما اتفاقاً كان هكذا مورد الرواية لا أنه أخذ محطاً لنظر الامام عليه السلام ومعه نتمسّك بإطلاق الجواب، يعني مادام إذا لم يحصل على العبد يكون الثمن مقابل الضميمة سواء فرض أنَّ العبد الآبق كان يحتمل العثور عليه أو كان هناك يأس من العثور عليه فإنَّ هذا لا يؤثر، فإنه وإن كانت الرواية ناظرة إلى حالة عدم اليأس إلا أنَّ ذلك لم يؤخذ محطَّ نظر الامام عليه السلام وكقيدٍ معتبر، فنتمكن أن نقول حينئذٍ يصير الثمن مقابل الضميمة من دون فرقٍ بين ما إذا فرض أنَّ العبد كان يحتمل العثور عليه وبين ما إذا لم يحتمل العثور عليه فإن ذلك لم يؤخذ في محطّ نظر الامام عليه السلام كقيدٍ معتبر وإنما اتفاقاً هو مورد الرواية، فإن قلت:- إنَّ هذه المعاملة سفهية، قلت:- إنَّ الباطل هو معاملة السفيه دون المعاملة السفهية، وإن قلت:- إنَّ هذا أكل للمال بالباطل الآية الكريمة تقول ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾، قلت:- إنَّ من الوجيه أن يكون المقصود من ( بالباطل ) يعني بالأسباب الباطلة والسبب هنا ليس باطلاً لأنه بيع.

ويرد عليه: -

أولاً: - نقول إنَّ هذه المعاملة إذا صدرت من شخصٍ فحتماً هو ليس بعاقل، فمعاملته تصير باطلة من باب كونه ليس بعاقل لا أنها معاملة سفهية، أما أنه ليس بعاقل فالوجه في ذلك هو أنك إذا كنت تجزم بكون العبد لا يمكن العثور عليه أبداً فكيف تدفع الثمن في مقابله؟!! فإنَّ هذا تصرف من غير العاقل، فالمعاملة تكون باطلة من جهة أنَّ هذا الشخص ليس بعاقل، فإذاً رجعنا إلى بطلان المعاملة ولكن من ناحية أنَّ هذا الشخص ليس بعاقل.

وقد تقول: - إنه يشتريه لأجل عتقه.

ولكن نقول: - إنَّ الفرض ليس هكذا، إذ لو كان يشتريه لأجل عتقه فهنا يصح البيع حتى من دون ضميمة وإنما هو صحيح بمقتضى القاعدة، ولكن الفرض أنه يشتريه لا لأجل العتق وإنما لأجل الخدمة مثلاً فهنا لو كان يقطع بعدم العثور عليه فمثل هذه المعاملة لا تصدر من عاقل.

ثانياً: - أنت قلت إنَّ حالة إمكان العثور على العبد ليست محطاً لنظر الامام عليه السلام فماذا تقصد من كونها ليس محطاً لنظره، فهل تقصد أنَّ الأمام عليه السلام يريد أن يقول يجوز البيع مع الضميمة وإن لم يكن مقدوراً على تسليمه ولا يضر الجزم بعدم إمكان العثور عليه؟ نعم الوارد الرواية هو حالة احتمال العثور ولكن الامام عليه السلام يريد أن يقول إنَّ هذا ليس مهماً لي بل المهم عندي هو الضميمة، فحتى لو لم يمكن العثور عليه يجوز بيعه مع الضميمة؟، أو أنك تريد أن تقول إنَّ الامام عليه السلام ليس ناظراً إلى حالة عدم إمكان العثور عليه وليس في مقام البيان من ناحيتها؟ فإن كنت تقصد الثاني فهذا لا ينفعك، لأنه إذا لم يكن ناظرا إلى حالة عدم إمكان العثور عليه فحينئذٍ لا يمكن أن تثبت صحة البيع في حالة عدم إمكان عدم العثور على العبد، لأنَّ الامام عليه السلام ليس ناظراً إلى هذه الحالة، فإذاً لابد أن يكون مقصودك هو الحالة الأولى[3] ولكن هذا يصعب اثباته.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص202.
[2] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج2، ص354.
[3] وهي أنَّ محظ نظر الامام عليه السلام هو أنه سواء احتمل العثور أو لم يعثر عليه وليس محطّ نظره حال إمكان العثور فقط بل محطّ نظره هو الأعم.