الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 103 )، مسألة ( 104 ) اعتبار قدرة المالك أو وكيله في صحة البيع- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ويمكن بيان مضمون المسألة ببيانٍ آخر غير ما سبق وذلك بأن نقول:- نحن نفترض أنًّ القدرة على التسليم والتسلُّم حين العقد لكن بعد ان تم العقد تعذر التسليم، فتعذر التسليم صار بعد العقد - يعني في زمان استحقاق التسليم - كما لو سرقت العين بعد إتمام العقد ولكن البائع يعلم بأنَّ العين سوف تعود بعد ذلك فهنا القدرة موجودة حين العقد والتعذر صار بعد ذلك فالعقد لا يبطل حينئذٍ وتأتي نفس الشقوق التي ذكرت، وهذا البيان الثاني للمسألة أولى من الأول، وعبارة المسألة التي ذكرها السيد الماتن غير واضحة، ولو أردنا أنَّ نصوغ العبارة بشكل جديد فالمناسب أن نقول ( لو كانت القدرة ثابتة حين العقد ولكنها انتفت بعده - أي في زمان استحقاق التسليم - مع فرض العلم بعودها بعد ذلك فههنا ثلاث صور .... )، أو نقوم بتعديل عبارة المسألة فنقول ( لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه - بعد ثبوتها حين العقد - ... ).

 

مسألة ( 104 ):- إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته، وإن كان وكيلاً في اجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك، وإن كان وكلاً في المعاملة كعامل المضاربة فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فتكفي قدرة أحدهما على التسليم في صحة المعاملة فإذا لم يقدرا بطل البي..........................................................................................................مضمون المسألة واضح، وحاصلها أننا اعتبرنا القدرة على التسليم كشرطٍ في صحة العقد ولكن القدرة على التسليم معتبرة في حق من فهل هي معتبرة في ق مجري العقد الذي قد يكون وكيلاً أو في حق المالك؟ فصل السيد الماتن بين ثلاث صور: -

الصورة الأولى: - لو فرض أنَّ المتصدي لإجراء صيغة البيع هو المالك فالمعتبر هو قدرة المالك.

الصورة الثانية: - أن يكون العاقد وكيلاً في اجراء الصيغة فقط، كما لو اتفق المالكان على البيع ولكن الذي يجري صيغة البيع شخص آخر، فإذا كان مجري الصيغة العقد هو الوكيل في اجراء الصيغة فالاعتبار بقدرة المالك، وقد أشار السيد الماتن إلى ذلك بقوله: - ( وإن كان وكيلا في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك ).

الصورة الثالثة: - أما إذا كان وكيلاً في المعاملة ككل وليس في إجراء الصيغة فقط كعامل المضاربة - فإنَّ عامل المضاربة هو الذي يعيّن المثمن والثمن والشروط وما شاكل ذلك - فهنا الاعتبار بقدرة أحدهما إما المالك أو قدرة الوكيل، وقد أشار إلى ذلك بقوله: - ( وإن كان وكيلاً في المعاملة كعامل المضاربة فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فتكيفي قدرة احهما على التسليم في صحة المعامل فإذا لم يقدرا بطل البيع ).

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة حيث قال:- ( ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكاً لا ما إذا كان وكيلاً في مجرد اجراء العقد فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه، وأما إذا كان وكيلاً في البيع ولوازمه بحيث يعد الموكّل اجنبياً عن هذه المعاملة فلا إشكال في كفاية قدرته )[1] .

وفي مقام التعليق على هذه المسألة نقول: - إنَّ عبارة السيد الماتن تعطي أنَّ القدرة معتبرة في القسم الأول الذي يكون المالك هو العاقد فالقدرة تعتبر فيه، وإذا كان العاقد مجرّد وكيلاً في اجراء الصيغة فقط فالقدرة معتبرة في المالك ايضاً لا الوكيل في اجراء الصيغة، وأما إذا كان من القسم الثالث كعامل المضاربة فتلزم قدرته، ونحن نقول: - هناك شيء آخر يمكن أن يقال بكفايته، وهو أنَّ القدرة غير معتبرة لا من المالك ولا من الوكيل وإنما المهم هو القدرة على تلّم المشتري للمبيع وليس الملاك قدرة البائع أو وكيله على التسليم، فالفقهاء يؤكدون على أنه تلزم قدرة العاقد أو المالك على التسليم وهكذا قال السيد الماتن، ولكن نقول:- المناسب أنَّ نقول يلزم قدرة المشتري على التسلّم وإن لم يكن هناك قدرة للبائع أو للمالك على التسليم، كما لو غصب المبيع غاصب ولكن كان هناك شخص أجنبي عن المعاملة صاحب جاه ومكانة فأمر الغاصب أن يسلّم المبيع إلى المشتري فسلّمه إليه من دون قدرة المالك أو قدرة الوكيل، فحينئذٍ مادامت القدرة على التسلّم من قبل المشتري موجودة كفى ذلك، لأنه لا يوجد دليل يعبدنا بلزوم قدرة المالك أو وكيله، فإذاً لا داعي إلى هذه التشققات الثلاثة التي ذكرت في المسألة.

وقد تقول: - إنَّ ما ذكرته - من أنَّ المعتبر هو القدرة على التسلم لا قدرة المالك على التسليم فإنَّ قدرة المالك مأخوذة بنحو الطريقية - مجرد دعوى لابد من اثباتها، فما هو التقريب والتكييف الفقهي لإثبات ذلك ؟

قلت: - إنَّ الدليل عل شرطية القدرة على التسليم هي الروايات مثل موثقة سماعة حيث ورد فيها: - ( الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال:- لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئاً آخر ويقول اشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقدة فميا اشترى منه )، وهذه الرواية لم تدل على انه يلزم قدرة المالك او قدرة العاقد وإنما المهم أنه يجعل ضميمة وإلا فلا يصح البيع ونحن نقول إذا كان يمكن بواسطة شخصٍ غير المالك وصول المبيع بيد المشتري فهذه الرواة هل تشمل المورد وتقول لابد أن تضع ضميمة ؟ كلا فإنه ليس فيها دلالة على ذلك وإنما هي ساكتة، وحينئذٍ نتمسك بإطلاقات ﴿ وأحلَّ الله البيع ﴾ و﴿ أوفوا بالعقود ﴾ وما شاكل ذلك لإثبات صحة هذا العقد كسائر ما نشك في صحته فإنه كيف نتمسك لصحته بالعمومات فهنا الأمر كذلك.

والنتيجة: - هي أنه في مثل هذه المسألة لا يشترط قدرة المالك أو وكيله وإنما يشترط قدرة المشتري على تسلّم المبيع بأيّ واسطة كانت، فمادام يقدر على استلام المبيع حتماً كفى ذلك في صحة البيع، والروايات التي اشترط الضميمة لا تشمل هذه الحالة لأنه يقدر حتماً على تسلّمه، فلو شككنا في صحة هذا البيع فحينئذٍ نتمسك بإطلاقات صحة البيع ككل موردٍ شككنا في صحة المعاملة فيه - بنحو الشبهة الحكمية لا بنحو الشبهة الموضوعية - فنتمسك بالإطلاقات لإثبات صحته.

[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص193..