الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 101 ) شرطية القدرة على تسليم العوضين، مسألة ( 102 ) لو علم القدرة على التسليم ثم انكسف الخلاف بطل البيع - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

النقطة الثانية: - لا فرق في شرطية القدرة على التسليم بين العلم بالحال والجهل بذلك.

والمقصود واضح وهو أنه اشترطنا في صحة البيع أن يكون البائع مثلاً قادراً على تسليم المبيع والمناط هو على القدرة الواقعية فإذا كان واقعاً قادراً على التسليم فالبيع صحيح وإن كان يتخيل أنه ليس بقادر، وان كان يتخيل أنه قادر ولكن في الواقع هو ليس بقادر فالبيع باطل، والوجه في ذلك هو أنَّ الدليل المهم على شرطية القدرة على التسليم كما اتضح من خلال ما تقدم هو الروايات الثلاث المتقدمة فإنها قالت لا يجوز بيع العبد الآبق إلا بضميمة حتى إذا فرض أنه لم يقدر على تسلميه يصير الثمن في مقابل الضميمة، وهذه الروايات لا تفرّق بين العلم والجهل وإنما المدار على القدرة الواقعية، فإن كانت القدرة الواقعية ثابتة صح البيع وإن لم يحرز البائع ذلك أما إذا كانت مفقودة وقع البيع باطلاً وإن كان البائع يعتقد أنه قادر فإنَّ الروايات مطلقة من هذه الناحية، نعم لو جعلنا الدليل على شرطية القدرة على التسليم هو حديث ( نهى النبي عن بيع الغرر ) فهنا ربما يقال إنَّ الغرر يصدق حتى في حالة ثبوت القدرة الواقعية مادام هو لا يحرز ذلك ولا يعلم بقدرته الواقعية، يعني أنَّ الغرر لا يدور مدار الثبوت الواقعي للقدرة وعدم الثبوت بل يدور مدار الإحراز وعدم الإحراز عرفاً، فيمكن أن يقال إذا كان المستند هو حديث ( نهى النبي عن الغرر ) يكون المدار على إحراز القدرة وعدمه، فمتى ما أحرزت القدرة لا يصدق الغرر وإن كانت القدرة مفقودة واقعاً والعكس بالعكس، ولكن حيث ذكرنا أنَّ هذا الحديث لا يمكن الاستناد إليه سنداً ولا دلالة لوجوهٍ ذكرناها بل المدار على الروايات والمفروض أنَّ الروايات تجعل المدار على الواقع فإذاً المدار على الواقع لا غير، ومن الروايات هي الرواية الأولى:- ( الرجل يشتري العبد وهو آبق عن اهله، قال:- لا يصلح إلا أن يشتري معه شيء آخر ويقول اشري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منهم )[1] فهذه الرواية لم تجعل المدار على الاحراز وعدم الاحراز، وهذه قضية واضحة، وإلى ذلك أشار السيد الماتن في عبارة المتن بقوله:- ( ولا فرق بين العلم بالحال والجهل بها )، يعني أنَّ المدار على الواقع وليس على العلم والجهل.

النقطة الثالثة: - لو فرض أنَّ البائع باع المبيع وهو ليس بقادر على تسليمه للمشتري لكن المشتري قادر على أخذه ممن في يده - كغاصب الدار أو السيارة - فالمناسب الجواز وصحة البيع، لأنَّ قدرة البائع على التسليم إنما هي معتبرة من حيث الطريقية إلى حصول تسلّم المشتري لا أنها معتبرة بنحو الموضوعية، فإذا فرض أنَّ المشتري كان قادراً على استلام المبيع رغم عدم قدرة البائع على تسليمه كفى ذلك، يبقى قد تسأل وتقول ما هو الدليل على ذلك فهل دلت الرواية على أن المناط على قدرة المشتري على التسلّم وإن لم يكن البائع قادراً على التسليم أو ماذا؟ قلنا: - إنه لا ينبغي أن نفهم النص بقطع النظر عن المرتكزات العقلائية وإلا سوف نخرج بفقه جديد، فإذا قرأنا النص فهو يقول إذا كان المبيع عبداً آبقاً فلا يجوز إلا مع الضميمة، ولكن مناسبات الحكم والموضع تقول إنه لا يجوز ذلك إلا مع الضميمة باعتبار أن القدرة على تسلم المبيع شرط في صحة البيع ولكن لا يشترط أن يتم تسلّمه من البائع وإنما المهم أن يصل إلى يد المشتري ولو من غير البائع كما لو أعطى الغاصب المبيع إلى للمشتري، فبضم هذه المرتكزات العقلائية نفهم هذا، وهذه قضية ينبغي أن تكون وضاحة وقد أشار السيد الماتن إلى ذلك بقوله:- ( ولو باع العين المغصوبة وكان المشتري قادراً على أخذها من الغاصب صح ).

النقطة الرابعة: - أن يفترض أنَّ البائع ليس بقادر على تسليم المبيع ولكن التسلّم يحصل من دون قدرة البائع بشكلٍ آخر - غير ما تقدم - كما لو فرض أنَّ المالك يبيع الدار المغصوبة على نفس الغاصب، فهنا وإن كان البائع ليس بقدر على السليم ولكن حيث إنَّ المشتري هو الغاصب والغاصب يكون التسلم في حثه متحققاً فالبيع يقع صحيحاً وما ذاك إلا للنكتة التي ذكرناها وهي أننا نفهم من شرطية قدرة الباع على التسليم الطريقية إلى القدرة على التسلم وهنا حيث إنَّ المشتري هو الغاصب فقد حصل التسليم، والقضية عقلائية قبل أن تكون شرعية ولا يحتمل أحد بطلان هذا البيع، وقد أشار السيد الماتن إلى ذلك بقوله:- ( كما أنه يصح بيعها على الغاصب أيضاً إن كان البائع لا يقد على أخذها منه ثم دفعها إليه ولكن التسلم حاصل ولو من دون تسليم ).

النقطة الخامسة: - ما إذا فرض أنَّ المشتري كان لا يستحق قبض المبيع فهنا لا تشترط القدرة على التسليم في حق البائع، يعني أنَّ البائع لا يقدر على التسليم والمشتري لا يشترط في حقه التسلّم كما لو باع العبد الآبق على ولده، فهنا لا يستطيع البائع تسليمه ولا المشتري لا يستطيع أن يستلمه ولكن مع ذلك يقع البيع صحيحاً، لأنَّ المشتري - الولد - بمجرد أنَّ يملك والده العبد فسوف ينعتق عليه رأساً، فلا يلزم على البائع القدرة على تسليمه ولا يلزم ثبوت القدرة للمشتري على تسلّم المبيع فيكون البيع صحيحاً، وقد أشار السيد الماتن إل ذلك بقوله:- ( وإذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه كما لو باع من ينعتق على المشتري صح وإن لم يقدر على تسليمه ).

 

مسألة ( 102 ):- لو علم بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل، ولو علم العجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة........................................................................................................... مضمون المسألة واضح، وهو أنَّ المدار على الواقع، فإن كان البائع قادراً على تسليم المبيع واقعاً فالبيع صحيح وإن كان يتصور أنه ليس بقادر على تسليمه، كما لو باع العبد الآبق ويتصور أنه لا يقدر على تسليمه ولكن بمجرد أن فهم العبد أنه قد باعه على فلان جاء وسلَّم نفسه، فبحسب الواقع البائع هنا قادر على تسليم المبيع ولكن بحسب الظاهر هو ليس بقادرٍ عليه فالبيع هنا يقع صحيحاً مادامت هناك قدرة واقعية، وإذا انعكس الأمر انعكس الحكم، فلو كان البائع يتصور أنه قادر على تسليمه ولكن اتضح أنَّ المبيع آبق قبل حصول البيع فهنا يقع البيع باطلاً، فإذاً المدار في صحة البيع وفساده على القدرة وعدم القدرة واقعاً وليس المدار على إحراز القدرة أو عدم إحرازها فإنَّ هذا ليس بمهم، وقد بينا النكتة في ذلك فيما سبق وهي الرايات حيث قالت لابد من ضم ضميمة كي يصح البيع، فحتى إذا لم تتمكن من تسليم المبيع يصير الثمن مقابل الضميمة، فنحن فهمنا من تلك الروايات اشتراط القدرة الواقعية لا القدرة المحرزة، فالمدار حينئذٍ يكون على القدرة الواقعية وعدمها مادام المستند هو الروايات.

وقد تعرض الشيخ الأنصاري(قده) إلى الفرع الأول دون الفرع الثاني وحكم كما ذكرنا يعني جعل المدار على الواقع، قال:- ( ولو باع ما يعتقد التمكن منه فتبين عجزه في زمان البيع وتجددها بعد ذلك صح ولو لم يتجدد بطل ).

بيد أنَّ الشيخ النائيني(قده) جعل المدار على الإحراز وليس على الواقع، فهو لم يجعل المدار على القدرة، وحكم بالبطلان في كلا الشقين.

[1] وسائل الشيعة ط-آل البیت، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج17، ص353، ابواب عقد البيع وشروطه، ب11، ح2، ط آل البیت.