الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 101 ) شرطية القدرة على تسليم العوضين - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الدليل السادس:- إنَّ من لوازم صحة البيع وجوب تسليم العوضين، فإذا فرض أنه لا يمكن التسليم فقد انفكَّ الشيء عن لازمه وهو غير ممكن، فإنَّ صحة البيع لا تنفك عن وجوب التسليم فإذا انفك في يوم من الأيام فلابد أن نفهم أنَّ صحة البيع ليست موجودة، فإذا لم يمكن التسليم فهذا يعني أنَّ الصحة ليست موجودة لأنه يوجد تلازم بينهما، فإنَّ لازم صحة البيع وجوب التسليم فإذا لم يجب ولو لعدم إمكان التسليم ينكشف بذلك أنَّ صحة البيع غير ثابتة ككل أمرين بينهما تلازم ذاتي، مثل الزوجية والأربعة، فإذا زالت الزوجية فنقول هذه ليست أربعة وإنما هي إما ثلاثة أو خمسة، وهنا الأمر كذلك.

ويمكن الجواب عن هذا الدليل بأن نقول: - إنَّ وجوب التسليم ليس لازماً ذاتياً لصحة البيع وإنما هو حكم شرعي يترتب على العقد الصحيح، فإذا كان العقد صحيحاً فيوجد حكم شرعي يترتب على العقد الصحيح وهو وجوب التسليم، فإذا كان حكماً شرعياً فحينئذٍ نقول حيث إنه لا يمكن التسليم لسبب وآخر فلا يكون واجباً ولكن عدم وجوبه ليس معناه أنَّ العقد ليس بصحيح لأنه ليس لازماً ذاتياً لصحة العقد وإنما هو حكم شرعي مترتب على صحة البيع والحكم اشرعي بالوجوب إنما يثبت عند القدرة فإن لم توجد القدرة فلا يجب حينئذٍ ولكن لا يلزم من ذلك بطلان البيع لأنَّ وجوب التسليم ليس لازماً ذاتياً وإنما هو حكم شرعي مترتب على العقد الصحيح، فإذاً حصل خلط في المورد بين كون المورد من التلازم الذاتي وبين كونه حكماً شرعياً مترتباً على صحة البيع.

الدليل السابع: - وهو أحسن الأدلة، وهو ما ورد من الروايات في مسألة بيع العبد الآبق أو الأمة الآبقة، فإنه لو كان آبقاً فلا يمكن تسليمه وقد سئل الامام عليه السلام عن ذلك فأقال لا يصح بيعه إلا أن تجعل معه شيئاً فإن لم تقدر على العبد الآبق فالثمن يصير في مقابل الضميمة، فالضميمة لابد منها، وهذا يدل على أنَّ الشيء الذي لا يقدر على تسليمه لا يصح بيعه، إذ لو كان يصح بيعه لما احتاج إلى الضميمة ولماذا يقول الامام عليه السلام إذا لم يقدر على العبد الآبق أو الأمة الآبقة يكون الثمن في مقابل الضميمة فهذا شاهد صدقٍ على أنَّ بيع غير مقدور التسليم ليس بصحيح إلا مع الضميمة حتى يكون الثمن مقابل الضميمة إذا لم يمكن تسليم ذلك الشيء الآخر، والمورد وإن كان هو العبد الآبق أو الأمة الآبقة إلا أنَّ احتمال الخصوصية للمورد ليست موجودة ولو بقرينة التعليل يفهم منه عرفاً التعميم وعدم الخصوصية للمورد، فنفهم أنَّ كل شيء لا يقدر على تسليمه لا يصح بيعه إلا بضم ضميمة أما بيعه وحده فهو باطل، فلو كان عندي عبد آبق واردت بيعه وأراد شخص أن يشتريه لأجل أن يعتقه في كفارةٍ فهذا البيع باطل للتعبّد فإنه دلت الروايات على ذلك، والروايات هي:-

الرواية الأولى:- موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، لا يصلح ألا أن يشتري معه شيئاً آخر ويقول أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه )[1] ، ودلالتها جيدة بعد إلغاء خصوصية المورد للقرينة اليت أشرنا إليها وهي التعليل فإنه يفهم منه عدم الخصوصية والتعميم لسائر الموارد، فإن اطمأن الفقيه إلى هذه الرواية فسوف يفتي بذلك، أما إذا لم يطمئن واحتمل الخصوصية احتمالاً معتداً به ففي مثل هذه الحالة يصير إلى الاحتياط الوجوبي، ونحن نرى أنه لا خصوصية للمورد خصوصاً بعد ضم شيء آخر وهو فتوى الأصحاب لأن المعروف ينهم اشترا القدرة على التسليم بشكل مطلق، ولا تقل إن فتواهم ليست بحجة لأنها محتملة المدرك؟ ولكن نقول: - صحيح أنها محتملة المدرك ولكن بالتالي هي تساعد على حصول الاطمئنان، فإذاً يحصل الاطمئنان لأجل التعليل مدعوماً بفتوى الأصحاب فيمكن الفتوى بذلك.

وأما سند الرواية: - فهو ( وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام )، فالرواية يرويها الشيخ الطوسي عن الحسين بن سعيد وسنده إلى الحسن بن سعيد الأهوازي الثقة معتبر، أما الحسن فهو الحسن بن سعيد الأهوازي وهو ثقة وهو أخو الحسين بن سعيد الأهوازي، أما زرعة فهو من ثقات أصحابنا، أما سماعة فهو ثقة أيضاً، فإذاً هي موثقة.

الرواية الثانية: - ما رواه الكليني: - ( عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن رفاعة النخاس قال:- سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له أيصلح لي أن اشتري من القوم الجارية ألابقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال:- لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً فإنَّ ذلك جائز )[2] ، وأحمد بن محمد هو بن عيسى، وابن محبوب هو الحسن بن محبوب الثقة، ورفاعة النخاس ثقة أيضاً، ومضمون هذه الرواية نفس مضمون الرواية السابقة ولكن الفرق أنَّ الرواية الأولى ذكرت التعليل وقالت إذا لم يتمكن من الآبق كان الثمن في مقابل الضميمة أما هذه لرواية فلا يوجد فيها هذا التعليل، فتكون دلالة الرواية الأولى أقوى.

الرواية الثالثة: - ما رواه الكليني عن ( محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن إبراهيم الكرخي قال:- قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهماً؟ قال:- لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف )[3] ، وهي واضحة الدلالة على ذلك.

والمشكلة في سند الرواية هي في إبراهيم الكرخي، وهو أبن زياد الكرخي وهو لم يذكر بتوثيق في الكتب الرجالية والحال أنه توجد عنده روايات ليست بقليلة، ولكن يمكن اثبات وثاقته من طريقٍ آخر ولكنه مبنائي، حيث روى عنه ابن أبي عمير وهو أحد الثلاثة الذي لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، حيث قال الشيخ الصدوق في المشيخة:- ( وما كان فيه عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي فقد رويته عن أبي رحمه الله عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن محمد بن ابي عمير عن إبراهيم بن ابي زياد الكرخي )[4] ، وسند الصدوق إلى ابن أبي عمير معتبر، فمن بنى على أنَّ من روى عنه اد الثلاثة - لعبارة الشيخ الطوسي في العدَّة حيث يقول قد عملت الطائفة بروايات جماعة ممن عرف عنهم أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة كمحمد بن عمير وأحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي... - فسوف تثبت وثاقته لأجل هذه الشهادة من قبل الشيخ الطوسي، وحينئذٍ لا مشكلة في هذه الرواية.

والنتيجة من كل هذا: - إنَّ هذه روايات ثلاث يمكن الاستناد إليها بعد إلغاء خصوصية المورد ولو بقرينة التعليل نفهم أنَّ الشيء غير المقدور على تسليمه يصح بيعه بشرط الضميمة أما من دون الضميمة فيكون بيعه باطلاً.

وبهذا انتهت النقطة الأولى من هذه المسألة وقد اتضح أنَّ القدرة على التسليم شرط في صحة البي

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص353، أبواب عقد البيع وشروطه، باب11، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص353، أبواب عقد البيع وشروطه، باب11، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص352، أبواب عقد البيع وشروطه، باب10، ح1، ط آل البيت.
[4] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص463.