الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 101 ) شرطية القدرة على تسليم العوضين - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الدليل الخامس: - ما وري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث نقل صاحب الوسائل(قده) ما نصه:- ( وبإسناده عن أحمد بن محمد عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن سليمان بن صالح، عن أبي عبدالله عليه ‌السلام قال:- نهى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن )[1] ، فتعبيره بـ( ما ليس عندك ) كناية عن كون الشيء إذا لم يكن مقدوراً لك فقد نهى عن بيعه، وحيث لا يحتمل أنَّ هذا النهي تكليفي فإذاً هو ارشادي إلى الفساد، وليس من البعيد أنَّ قرينة السياق تدل على كونه نهياً ارشادياً إلى الفساد، لأنه ورد في الرواية ( ونهى عن سلف وبيع، ونهى عن بيعني في بيع).

وهذا المضمون لم يرد في رواياتنا فقط وإنما ورد في روايات العامة أيضاً، حيث جاء عن حكيم بن حزام أنه:- ( نهى النبي صلى الله عليه وآله حيكم بن حزام عن بيع ما ليس عنده ). [2]

وتقريب الدلالة على مطلوبنا أن نقول: - إنَّ النهي عن بيع ما ليس عندك يعني ما ليس مقدور لك فقد نهى النبي عنه، وحيث إنَّ هذا النهي لا يحتمل أن يكون تكليفياً فلابد وأن يكون ارشاداً إلى الفساد وأنَّ القدرة على التسليم شرطٌ في صحة البيع.

وفيه: - إنه كما أنَّ هذا احتمال وجيه يوجد احتمال وجيه آخر، وهو أن يكون المقصود من نهي النبي عن بيع ما ليس عندك الكناية عن الملكية، يعني لا تبع شيئاً لا تملكه، فهو نهي عن بيع ما ليس بمملوكٍ وليس نهياً عن بيع ما ليس بمقدورٍ، وحيث إنَّ هذا احتمال وجيه فتعود الرواية مجملة، فلا يمكن التمسك بها لإثبات شرطية القدرة على التسليم، فإذاً يحتمل أن تكون الرواية ناظرة إلى شرطية الملكية في صحة البيع.

وأشكل الشيخ الأعظم(قده) على هذا الاحتمال وقال:- إنَّ هذا الاحتمال ضعيف، لأنه إذا كان المقصود هو شرطية القدرة على التسليم فلابد أن يعبّر باللام فيقول ( لا تبع ما ليس لك )، لا أنه يعبر بلفظ ( عندك )، فعدم العبير باللام والعدول إلى كلمة ( عندك ) شاهد صدق على كون المقصود هو الإشارة إلى شرطية القدرة على التسليم، قال ما مضمونه:- ( يتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوق فعلى الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده وإن كان غائباً )، فإذاً المقصود هي السلطنة التامة التي تتوقف على الملك، فإذاً الرواية تريد أن تبين أنه زيادةً على الملك أنَّ هذا لملك يلزم تحت سيطرتك وسلطنتك التامة، فالمقصود هو الإشارة إلى هذا وليس إلى الملكية وإلا لعبَّر باللام.

ولكن نقول:- إنَّ ما ذكره من أنَّ الأنسب التعبير باللام شيء مناسب ولكن لا يصل إلى درجة اللزوم، والذي ينفعنا هو وصول المناسبة إلى درجة اللزوم بحيث يلزم التعبير باللام ولا يصح التعبير بكلمة ( عندك ) إذا المقصود هو الإشارة إلى شرطية الملك، فإن كان الأمر كذلك فهذا سوف ينفعنا، ولكن نقول إنَّ القضية ليست بنحو اللزوم وإنما الأرجح هو التعبير باللام لو كان المقصود هو ذلك ولكنَّ هذا ليس متعيّناً، وإنما يمكن الاثنين وإن كان التعبير باللام أنسب، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بهذه الرواية لإثبات شرطية القدرة على التسليم بعد احتمال كونها ناظرة إلى اعتبار شرط الملكية.

إن قلت: - إنَّ هذا شيء وجيه لكن لا يضر بالاستدلال بالرواية، إذ سوف ينعقد علم اجمالي لدينا بأنَّ المقصود هو إما اشتراط الملكية في البيع أو اشتراط القدرة على تسليم العوضين في صحة البيع، فإنه يوجد عندنا علم إجمالي بكون واحداً منهما يصير معتبراً، وحيث إنَّ العلم الإجمالي منجّز فبذلك تثبت شرطية الاثنين معاً والذي أحدهما هو القدرة التسليم، وعلى هذا الأساس سوف تصير الرواية دالة على اشتراط القدرة على التسليم ولكن من خلال العلم الإجمالي لا من خلال العلم التفصيلي.

والجواب: -

أولاً: - إنَّ العلم الإجمالي هنا ليس علماً اجمالياً بالتكليف الإلزامي وإنما يمكن أن يقال إنَّ الحجة في باب العلم الإجمالي هو خصوص العلم الإجمالي بالأحكام التكليفية كما لو علمت بحرمة إما الاناء الأول أو حرمة الاناء الثاني فهنا يوجد علم بإحدى الحرمتين وهنا العلم الإجمالي يصير منجّزاً، دون العلم الإجمالي في الأمور الوضعية، والذي في مقامنا - وهو شرطية القدرة على التسليم في صحة البيع - هو حكم وضعي وليس تكليفياً، وربما يقال إنَّ العلم الإجمالي هو حجة في خصوص باب الأحكام التكليفية دون الأحكام الوضعية، فإذاً الرواية لا تنفعنا حتى إذا أردنا أن نقبل ما أفاه الشيخ الأعظم(قده) وشكلّنا علماً اجمالياً، لأنَّ كلا الاحتمالين موجود ومعه تصير الرواية مجملة فلا يمكن التسمك بها لإثبات المطلوب، نعم من بنى على أنَّ العلم الإجمالي منجّز حتى في باب الأحكام الوضعية فسوف ينفعه ذلك ولكن هذا مطلب آخر.

ثانياً:- إنَّ هذا العلم الإجمالي منحل بالعلم الخارجي، فإنه علمنا من الخارج أنَّ الملكية ليست شرطاً في صحة البيع فإنَّ بيع الفضولي صحيح بإجازة المالك لا أنه باطل وقد دلت الروايات على ذلك، فهذا العلم الإجمالي ليس بمنّجز، فحتى لو قلنا بأن العلم الإجمالي منجّز في باب الأحكام الوضعية لا خصوص التكليفية ولكن في خصوص موردنا لا يكون منجّزاً، لأنَّ أحد الطرفين وهو شرطية الملكية ليست معتبرة في صحة البيع، فإنَّ البائع حتى لو لم يكن مالكاً وكان فضولياً فإذا باع فسوف يقع بيعه صحيحاً بإجازة المالك على ما دلت عليه الروايات، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن يقال نحن عندنا علم اجمالي إما بشرطية الملكية في صحة البيع أو بشرطية القدرة على التسليم في صحة البيع، ولكن نحن نقول إنَّ هذا باطل فإنَّ شرطية الملكية في صحة البيع لا نسلّم بها لصحة عقد الفضولي بالاجازة، فإذاً هذا العلم الإجمالي منحل إلى علم تفصيلي إلى عدم شرطية الملكية في صحة البيع وشكٌّ بدوي في اعتبار شرطية القدرة في صحة البيع، فلا يكون منجّزاً.

والخلاصة: - إنَّ هذا الحديث من حيث الدلالة يصعب تتميم هذا الوجه الخامس لإثبات شرطية القدرة على التسليم وإن كان الشيخ الأنصاري(قده) قد بنى على تمامية الاستدلال بالحديث الشريف.

وأما سند الحديث: - فقد ورد في الوسائل هكذا:- ( وبإسناده عن أحمد بن محمد عن محمد بن الحسين عن علي بن اسباط عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام )، والمقصود من ( وبإسناده ) يعني الشيخ الطوسي(قده)، أما أحمد بن محمد فنقول الآن هو ابن عيسى الثقة ولكن سوف نتراجع عن ذلك فيما بعد، وأما محمد بن الحسين فهو ابن أبي الخطاب وهو من أجلّة أصحابنا، وأما علي بن اسباط فقد وثقه النجاشي، وأما سليمان بن صالح فهو متعدد وأحدهم الجصاص وهو له كتاب وهو ثقة أما البقية فلا يوجد في حقهم توثيق ولا توجد لهم كتب، وقد يقال إنه لم يقل الجصّاص فسوف يصير مشترك بين هؤلاء فتسقط الرواية عن الاعتبار، ولكن نقول إنَّ المنصرف من سليمان بن صالح هو الجصاص صاحب الكتاب لأنَّ البقية لا يوجد لهم كتب فالذي له كتاب هو الذي سوف يصير معروفاً، وحينئذٍ يصير الانصراف إليه لشهرته، وهذه قضية وجدانية وليست برهانية، وهي قضية سيّالة يمكن تسريتها إلى سائر الموارد التي هي من هذا القبيل، فإذاً لا مشكلة في السند.

ولكن توجد قضية جانبية: - وهي أنَّ صاحب الوسائل قال هنا ( وبإسناده عن أحمد بن محمد ) وقد قلنا إنَّ المناسب أنَّ أحمد بن محمد هو ابن عيسى، ولكن لو راجعنا سند الرواية في المصدر وجدنا الشيخ الطوسي ينقلها عن محمد بن أحمد بن يحيى وهو صاحب نوادر الحكمة وهو ثقة، فالشيخ الطوسي نقل الرواية عن محمد بن أحمد بن يحيى ولم ينقها عن أحمد بن محمد، بل نقول أكثر من ذلك وهو أنَّ نفس صاحب الوسائل نقلها في موردين آخرين عن محمد بن أحمد بن يحيى وليس عن احمد بن محمد حيث قال:- ( وبإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن الحسين .... ) [3] ، ونقل في موردٍ آخر فقال: - ( محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط .... )[4] ، فإذاً جزماً حصل اشتباه من قبل صاحب الوسائل في هذا المورد، ولكن هذا لا يؤثر على السند لأنَّ كليهما ثقة.

هذا كلّه في الدليل الخامس لاشتراط القدرة على التسليم وقد اتضح إنه وإن كان تاماً من حيث السند بيد أنه محل إشكال من حيث الدلالة، لاحتمال كون المقصود من النهي عن بيع ما ليس عندك يعني ما ليس مملوكاً لك، فهذا الاحتمال موجود، وذاك الاحتمال موجود أيضاً، وحينئذٍ تصير الرواية مجملة، وفكرة العلم الإجمالي لا يمكن تطبيقها للوجيهن اللذين أشرنا إليهما.

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص47، أبواب احكام العقود، باب7، ح2، ط آل البيت.
[2] سنن الترمذي - ت شاكر، الترمذي، محمد بن عيسى، ج3، ص534.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص58، أبواب احكام العقود، باب10، ح5.، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص37، أبواب احكام العقود، باب2، ح4، ط آل البيت.