الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 101 ) شرطية القدرة على تسليم العوضين - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ثانياً:- أن يقال قد يكون الشيء لا يقدر على تسليمه أحياناً ولكن رغم ذلك لا يصدق الغرر، كما لو فرض أني اشتريت العبد الآبق فهذا غرر من ناحية فإنه ليس من المعلوم أن أجده ولكني أشتريه لأعتقه في كفارة مثلاً، فهنا هدفي لا يتوقف على أن أقدر على الآبق فإنَّ هدفي ليس هو الخدمة وإنما هو عتقه في كفارة وهذا الهدف يتحقق رغم عدم إمكان الحصول عليه، أو كانت هناد داراً بيد أشخاص وأردت أن اشتريها ولكن لا يمكن استلامها منهم لأنهم أشرار فهنا يمكن أن يقال إنه رغم عدم إمكان التسلّم يمكن أن يدعى أنه لا يصدق الغرر كما لو كان الهدف هو أن أوقف هذه الدار عليهم وعلى ذريتهم ففي مثل هذه الحالة لا يصدق الغرر مادام الهدف هو الوقف فإنه يتأتى رغم عدم القدرة على التسليم، فالغرر لا يصدق إذاً في مثل هذه الحالة.

ثالثاً: - إنه يمكن أن يشتري الانسان شيئاً وهو لا يقدر على استلامه ولكن يشترط لنفسه الخيار فيقول للبائع إن قدرت عليه فبها وإلا فلي الخيار، ففي مثل هذه الحالة لا يكون البيع غررياً، لأنَّ المشتري سوف لا يخسر شيئاً، لأنه إذا عاد العبد الآبق فهذا هو المطلوب وإذا لم يعد فله الخيار فيفسخ المعاملة.

إن قلت: - إنه بالتالي البيع في نفسه غرري فلا ينفعه اشتراط الخيار؟

قلت: - صحيح هو في نفسه غرري، ولكن معنى أنه في نفسه غرري أي بقطع النظر عن الخيار، أما إذا لاحظنا الخيار فلا يضر أن يكون البيع غررياً في نفسه بعدما ارتفع الغرر بسببٍ عارضٍ وهو الخيار، فإذا ارتفع الغرر فآنذاك لا مشكلة في البيع.

إذاً هذا الدليل الثاني لاشتراط القدرة على التسليم محل إشكال من جهات متعددة.

الدليل الثالث:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وحاصله:- إنَّ ما لا يقدر على تسليمه لا يصدق عليه عنوان المال، ومع عدم كون الشيء مالاً لا يمكن تعلّق البيع به، فإنَّ الشيخ الأعظم(قده) قال إنَّ البيع هو ( إنشاء نقل بمال ) فاشترط المالية، ومادام ليس بمال فلا يصدق عنوان البيع لأنَّ البيع يشترط في صدقه أن يكون متعلقه مالاً، قال:- ( مناط مالية المال هو كونه بحيث يتسلط مالكه على قلبه وانقلابه بأيّ نحوٍ من الأنحاء ... فلو لم يكن قابلاً لتصرف مالكه ... لا يكون مالاً اعتباراً )[1] .

وجوابه: -

أولاً: - من أين لك أنَّ البيع يشترط في متعلقه المالية وأنه لا يصدق إلا إذا كان العوضان مالين، ومجرد أنَّ الشيخ الأعظم(قده) قال البيع إنشاء نقل بمال لا يصير دليلاً؟!! وإنما نحن نشكك في هذا، ولنا شاهد على ذلك وهو أني لو وجدت عند شخص صورة قديمة لوالدي أو لجدي فهذه الصورة أنا الراغب فيها فقط دون سائر الناس، ففي مثل هذه الحالة هي ليست مالاً لعدم رغبة الناس فيها، أو كان عنده طابع بريدي قديم وكانت عندي هواية جمع الأمور القديمة كالطوابع وما شاكل ذلك، ففي مثل هذه الحالة من كان عنده هذا الطابع البريدي القديم الذي لا يرغب فهيه راغب إلا أنا فأنا سوف شتريها منه بثمنٍ معين، فهنا يصدق البيع رغم أنَّ هذا الطابع القديم ليس مالاً.

إذاً يمكن أن نشكك في كبرى شرط المالية في متعلق البيع إذ يمكن أن يقال هي ليست شرطاً، ولكن الشيخ النائيني(قده) كأنه أخذ شرط المالية في متعلَّق البيع من المسلمات.

ثانياً: - إنَّ دعوى مالية المال تتوقف على القدرة هي اول الكلام، بل مالية المال لا تتوقف على أن أقدر على التصرف فيه، فلو وقعت ساعتي في البحر أو وقعت قطعة ذهب لامرأة في البحر فهل هذا الأمور ليس بمال؟!! كلا وإنما هي مال، ولذلك نسعى إلى تحصيلها، فلو لم يكن مالاً لما كان هناك معنى لتحصيلها، فإذاً دعوى أنَّ مالية المال تتوقف على القدرة على التصرف فيه مرفوض وهو مجرد دعوى، بل يمكن أن يقال غير المقدور على تسليمه هو مال رغم عدم القدرة على التصرف فيه أو على تسليمه أو تسلّمه.

ثالثاً: - يمكن أن يقال إنّه يمكن الاستفادة منه رغم عدم إمكان تسليمه وتسلمه فيقع البيع بلحاظه صحيحاً، كما في مثلنا بالعبد الآبق، فإنه يمكن الاستفادة منه في العتق، فحينئذٍ يمكن أن يقال إنَّ بيعه صحيح لأنه مالٌ باعتبار أنه يمكن الاستفادة منه في العتق، وإذا قال قائل: - إنَّ العتق لا يكفي في تصير الشيء مالاً، فنجيبه ونقول: - إنَّ العتق هو منفعة مقصودة فكيف لا تكفي في صيرورة الشيء مالاً، فما تدعيه هو دعوى مرفوضة لأنها من دون مستند.

الدليل الرابع: - إنَّ المعاملة على ما لا يقدر عليه سفهية، والمعاملة السفهية باطلة.

وفي الجواب نفول: -

أولاً: - إنَّ الباطل هو معاملة السفهية لا المعاملة السفهية، فالآية الكريمة قالت: - ﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ﴾، وكذلك الروايات فإنها أخذت السفيه لا كون المعاملة سفهية، وعلى هذا الأساس هنا حتى لو سلّمنا أنَّ هذه المعاملة سفهية ولكن شرط صحة المعامل أنَّ لا يكون الطرف سفيها، لا أن لا تكون المعاملة سفهية.

وإذا قال قائل: - صحيح أنَّ الأدلة اشترط أن لا يكون الطرف سفيهاً ولكن قد أخذ ذلك بنحو المرآتية على أن لا تكون المعاملة سفهية، فاشترط أن لا يكون العاقد سفيهاً من ناحية بطلان المعاملة السفهية، فهذا الشرط هو طريق ومرآة لعدم سفهية المعاملة فالمدار إذا على عدم سفهية المعاملة وإن كان الدليل قد أخذ عنوان السفيه وقال معاملة السفيه باطلة ولكن هذا محمول على المرآتية؟

قلنا: - إنَّ لازم هذا أن تلتزم بأنه لو فرض أنَّ شخصاً عاقلاً رشيداً أعجبه أن يجري معاملةً سفهية لسببٍ وآخر فاشترى شيئاً حقيراً بمبلغ كبير من المال إما لأجل أن ينفع البائع أو أراد أن يُضحك الناس مثلاً ففي مثل هذه الحالة هل نحكم ببطلان هذه المعاملة باعتبار أنها سفهية؟؟ كلا بل نحكم بصحتها مادامت قد صدرت من شخصٍ عاقل وليس بسفيه، لأنه يوجد عنده هدف من الأهداف في هذه المعاملة.

فإذاً ليس المدار في اعتبار عدم سفهية العاقد هو ألا تكون المعاملة سفهية.

ثانياً: - إذا كان الهدف هو العتق كالعبد الآبق أشتريه كي أعتقه في ككفارة أو ما شاكل ذلك ففي مثل هذه الحالة السفه منتفٍ لأنَّ المشتري سوف يحصل على تفريغ ذمته.

ثالثاً: - نقول إنَّ بذل المال القليل مقابل الشيء الكثير الذي لا يقدر على تسليمه، كما لو كان العبد الآبق يساوي مليون دينار ولكني اشتريه بربع دينار لأنه قد يرجع في يوم من الأيام، فمن قال إنَّ هذه المعاملة تكون سفهية في مثل هذه الحالة؟!!

إذاً هذا الدليل مرفوض لهذه المناقشات الثلاث.

[1] منية الطالب، النائيني، ج2، ص339.