الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 101 ) - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

مسألة ( 101 ):- يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا يجوز بيع الجمل الشارد أو الطير الطائر أو السمك المرسل في الماء. ولا فرق بين العلم بالحال والجهل بها. ولو باع العين المغصوبة وكان المشتري قادراً على أخذها صحَّ. كما أنه يصح بيعها على الغاصب أيضاً وإن كان البائع لا يقدر على أخذها منه ثم دفعها إليه. وإذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه كما لو باع من ينعتق على المشتري صح وإن لم يقدر على تسليمه...........................................................................................................تشتمل المسألة على خمسة أحكام نذكرها في خمسة نفاط: -

النقطة الأولى: - وهي المهمة وهي أنه يشترط في العوضين القدرة على تسليمهما، وسنذكر الوجه في ذلك.

ولكن قبل أن نذكر الوجه في ذلك نشير إلى قضيتين جانبيتين: -

القضية الأولى:- إنَّ القدرة على التسليم ذكرت في المتن كما صنع بقية الفقهاء حيث جعلوا القدرة على التسليم من شرائط العوضين، والحال أنَّ بالإمكان أن تذكر في شروط المتعاقدين فتجعل القدرة على تسليم العوضين شرطاً في المتعاقدين فيصير الأمر هكذا ( يشترط في المتعاقدين أن لا يكونا عاجزين عن تسليم العوضين )، وكلا الأمرين صحيح ووجيه، ولعل الأوجه ما صنعه السيد الماتن حيث جعلها من شرائط العوضين، إذ لو جعلت من شرائط المتعاقدين فهذا معناه أنه يلزم أن لا يكون المتعاقدان عاجزين عن تسليم العوضين والحال أنه يمكن أن يقال إنه مع العجز فهذا الشيء لا مالية له، يعني إذا لم يتمكن البائع عن تسليم المبيع وكان عاجزاً عن ذلك فيمكن أن يقال إنَّ عجزه عن تسليمه يسلب المالية عن المبيع وبذلك يصير المورد من عدم مالية العوضين فيخرج باشتراط اعتبار مالية العوضين.

القضية الثانية: - إنَّ الشيخ الأعظم(قده) تمسك بالاجماع على خلاف ما بنى عليه في الرسائل حيث بنى على أنَّ الاجماع لا يكون حجة إلا إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم ومجرد دعوى الاجماع لا يكفي ولكنه لم يلتزم بذلك في المكاسب حيث التزم بالاجماع الذي نقله الأعلام، فهو جعل الاجماع من أحد أدلة شرطية القدرة على التسليم، ونحن نقول:- إنه مع وجود مدارك أخرى - كما ذكر(قده) وكما سوف نذكر - مثل النهي عن بيع الغرر أو غيره يحتمل استناد الفقهاء إليها، ومعه فلا يجزم عن كاشفية هذا الاجماع عن رأي المعصوم عليه السلام، وهذه قضية واضحة، نعم إذا استعين بالاجماع كقضية داعمة فذلك أمرٌ آخر، فإن الفقيه أحياناً قد يتخوف، فلو كان هناك اجماع في المسألة فإنه وإن كان ليس بحجة ولكنه سوف يكون داعماً للأدلة التامة في المسألة فيفتي على طبقها من دون تردد بعد أن فرض أنَّ الفقهاء هم أيضاً على هذا الرأي، وهذه قضية لا بأس بها، أما أن يجعله دليلاً ومدركاً مع وجود مدارك أخرى فهذا ليس بصحيح، ولذلك نحن نترك الاجماع ولا نتمسك به خلافاً للشيخ الأعظم(قده)، نعم من المناسب في بداية كل مسألة أن يذكر أنها محل خلاف أو ممحل وفاق فيبين الرأي الفقهي السائد فيها فإن الاطلاع على هذا أمر جيد أما أن نذكره كمدرك فلا.

أما شرطية القدرة على تسليم العوضين فقد يستدل لذلك بعدة أدلة: -

الدليل الأول:- الحديث النبوي المعروف ( نهى النبي عن بيع الغرر ) ومع عدم القدرة على التسليم يكون البيع غررياً والنهي هنا ارشاد إلى الفساد وإلا لا يحتمل أن يكون المقصود هو الحرمة التكليفية، والكلام عن هذا الحديث قد تقدم في المسألة ( 78 ) المتقدمة الواردة في اشتراط معلومية العوضين، وتحدثنا عنه سنداً ودلالةً، ولكن من باب المرور عليه مرور الكرام نشير إلى أنَّ سند الحديث ضعيف، إلا أن تقول إنَّ شهرته بين الأصحاب تغني عن ملاحظة سنده، وإذا رجعنا إلى السوائل نجد سنده بالشكل التالي:- ( عن العيون:- وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر )[1] ، وإذا رجعنا إلى عيون أخبار الرضا وجدنا أنَّ الشيخ الصدوق ينقل الرواية بسند ينتهي إلى الامام الحسين عليه السلام حيث يقول الامام الحسين عليه السلام:- ( خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام فقال:- سيأتي على الناس زمان عضوض يعض المؤمن على ما في يده ... وسيأتي زمانٌ يقدم فيه على الأشرار وينسى فيه الأخيار ويبايع المضطر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر )[2] ، ولو رجعنا إلى عيون أخبار الرضا وجدنا الشيخ الصدوق يروى هذا الحديث وأحاديث أخرى بثلاثة أسانيد كل رجالها من المجاهيل، ومعه يكون الاستناد إلى هذا الحديث أمراً مشكلاً، إلا على طريقة صاحب الجواهر(قده) أو على طريقة الشيخ الأعظم(قده)، فإنَّ صاحب الجواهر قال:- ( المشهور المعتبر المتلقى بالقبول بل إنه قد اجمع عليه المؤالف والمخالف القائل بحجية خبر الواحد وغيره كالسيد المرتضى وابني زهرة وابن إدريس ... )[3] ، فإن نبيت على هذه الطريقة فسوف يحصل لك الوثوق بصدور هذا الحديث، أو طريقة الشيخ الأعظم(قده) حيث يقول :- ( اشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر إرساله )[4] .

ونحن نقول: - إن الاستناد إليه على مستوى التأييد دون الاعتماد عليه شيء حسن.

وأما من حيث الدلالة فنقول:- إنه مردد بين احتمالات ثلاث، فإنَّ كملة غرر مرددة بين احتمالات ثلاثة فإما أن يقصد من الغرر الخديعة، أو يقصد منه الخطر فبيع الغرر يعني المخاطرة والذي لا نعلم بالقدرة على إمكان تسليمة وتسلّمه الاقدام عليه في شيء من المخاطرة، أو يقصد منه أن يكون هذا النهي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو نهي حكومتي ولائي سلطاني، فنقول إنَّ هذا نهي ولائي من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأجل حفظ النظام، فلا يجوز بيع ما فيه غرر بمعنى المخاطرة تحفظاً من وقوع النزاع بين الناس لأن مثل هذا الشيء الذي لم يحرز القدرة على تسليمه قد تكون عواقبه الخلاف والنزاع بين الطرفين فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حذراً على الأمة أصدر نهياً سلطانياً ولائياً وأنه لا يجوز بيع الغرر، والذي ينفعنا هو أن يكون الغرر بمعنى الخطر دون الخديعة وإلا فالخديعة خارج محل كلامنا لأنَّ الخديعة ليست موجودة في محل كلامنا وإنما مثل بيع الطير في الهواء لا خديعة فيه وإنما القدرة على التسليم غير محرزة، وحيث إنَّ الحديث مردد بين هذه الاحتمالات واحتمال المخاطرة ليس هو الوحيد فيصير الحديث مجملاً، مضافاً إلى أنه بناءً على الاحتمالين الآخرين - أي الخديعة ومن باب حفظ النظام - يصير النهي نهياً تكليفاً وليس شرطاً في الصحة، ونحن كلامنا في اعتبار القدرة على التسليم كشرطٍ في الصحة أما بناءً على هذين الاحتمالين الآخرين فسوف يكون النهي نهياً تكليفاً وليس وضعياً كبيانٍ لشرطٍ من شرائط الصحة.

فإذاً لا يمكن التمسك بالحديث من ناحيتين.

[1] وسائل الشيعة الشیخ الحر العاملی، ج17، ص448، أبواب آداب التجارة، ب40، ح3، ط آل البيت.
[2] عيون أخبار الرضا(ع)‌، الشيخ الصدوق، ج2، ص46.
[3] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج22، ص386.
[4] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج11، ص64.