الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 99 ) بيع الأرض الخراجية وملكها بالاحياء إذا ماتت، مسألة ( 100 ) تعيين أرض الخراج - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

كل ما تقدم كان بمقتضى القاعدة - يعني قاعد احياء الأرض الميتة وأنها تبقى على ملك المحيي وما شاكل هذه القواعد - ولكن إذا خرجنا عن مقتضى القاعدة وقيودها ونظرنا إلى السيرة، ولننظر إليها في مدينة النجف الأشرف لأنها كانت مواتاً حين الفتح كما ينقل التاريخ، فلو فرض أنَّ شخصاً أحيا أرضاً في النجف الأشرف ثم تركها بعد ذلك لسنوات فهل ترى أحداً آخر يحييها وتصير ملكه؟!! إنَّ هذا الشيء غير موجود عندنا، وهذه السيرة ليست مستحدثة وإنما هي سيرة قديمة، إذ لو كانت مستحدثة لنقل هذا، لأنَّ هذا التغير التاريخي ظاهرة ملفتة للنظر ولنقل ذلك إلينا، فعدم نقله يدل على أنه بزوال الإحياء وترك الأرض لا يزول حق المحيي الأول، ولذلك لو كان شخص يملك داراً وقد تهدَّمت فأغلق بابها لعشر سنين مثلاً فلا لا يقبل من أحدٍ آخر إذا أراد أخذها بحجة أنها صارت ميتة. فإذاً السيرة تختلف عن مقتضى القواعد، فصحيح أنَّ القاعدة تقتضي أنه إذا تركت الأرض فترةً طويلة فيحق للآخر أن يحييها إذ لا نحتمل في حق الإسلام أن تبقى أراضي المسلمين ميتة من دون انتفاع، ولكن هذا كلام وفق الصناعة والقواعد، أما السيرة فهي ليست على ذلك، وفي مثل هذه الحالة ينبغي للفقيه أن يصير إلى الاحتياط الوجوبي في مثل هذه الحالة، فالأحوط وجوباً ألا يتقدم أحد ويحيي ذلك المكان.

ثم إنه جاء في عبارة منهاج السيد الخوئي(قده) الجديد ما نصه: - ( وإذا تركها حتى ماتت فهي على ملكه ولكنه إذا ترك زرعها وأهملها ولم ينتفع بها بوجه جاز لغيره زرعها وهو أحق بها منه وإن كان الأحوط استحباباً عدم زرعها بلا إذن منه إذا عرف مالكها )، وهذه العبارة لا مشكلة فيها، أما عبارته في المنهاج القديم فإنه قال:- ( وإذا تركها حتى ماتت فهي على ملكه فإذا ترك زرعها جاز )، وهذه العبارة فيها خلل ولذلك أصلحها في المنهاج الجديد.

النقطة السابعة: - قال(قده): - ( وإذا أحياها السلطان المدعي للخلافة على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجية )، هكذا ورد في المنهاج القديم للسيد الحكيم(قده) والجديد للسيد الخوئي(قده).

وهو غريب، فإنَّ من يدّعي السلطنة إذا أعمر أرضاً بعنوان أنها للمسلمين كيف يلحقها حكم الأرض الخراجية فإنَّ هذا يحتاج إلى دليل والدليل قد دل على أنَّ الأرض المفتوحة عنوة إذا كانت عامرة تصير للمسلمين أما لو ادّعى شخص الخلافة وأعمر الأرض وأحياها بعنوان أنها للمسلمين تصير أرضاً خراجية فهذا شيء يحتاج إلى دليل.

 

مسألة ( 100 ):- في تعيين أرض الخراج إشكال وقد ذكر العلماء والمؤرخون مواضع كثيرة منها. وإذا شك في أرض أنها كانت ميتة أو عامرة حين الفتح تحمل على أنها كانت ميتة فيجوز احياؤها وتملكها إن كانت حية، كما يجوز بيعها وغيره من التصرفات الموقفة على الملك...........................................................................................................تشتمل هذه المسألة عدة نقاط: -

النقطة الأولى: - في تعيين الأرض الخراجية إشكال.

والوجه في ذلك هو أنَّ المقصود من الأرض الخراجية ما فتحت عنوة وكانت محياة حين الفتح وتشخيص ذلك يحتاج إلى مثبت، وقول المؤرخين لا دليل على حجيته، إلا إذا فرض تعدد الإخبار بذلك بحيث حصل الاطمئنان فالحجية تعود حينئذٍ للاطمئنان، وإلا فمجرد قول المؤرخين لا دليل على حجيته، كما لا ينبغي التسرّع في تحصيل الاطمئنان، لأنَّ المؤرخين لا يبعد أن يكون حالهم كحال أهل اللغة، فإنَّ أهل اللغة أحدهما يأخذ من الآخر لا أنَّ كل واحدٍ منهم عنده عطاء مستقل، فإذا كان أحدهم يأخذ من الثاني فتحصيل الاطمئنان سوف يصير بطيئاً ولا يحصل بسرعة.ثم ينبغي أن يعلم أنَّ الذي يمكن أن يتصدى لتشخيص كون هذه الأرض خراجية إما أن يكون هو الفرد وحينئذٍ يرجع إلى المؤرخين، أو يكون المتصدي هو جهة رسمية كالدولة والتي تحت يدها وسائل كثيرة يمكن أن تستعين بها ولو بمراجعة مصادر في الدول وفي المتاحف وفي مكتباتٍ خارج البلاد وما شاكل ذلك فيكون المدار عليها.

النقطة الثانية: - إن حصل اطمئنان بأنَّ الأرض مفتوحة عنوة وكانت عامرة حين الفتح فبها وإلا بالمرجع إلى الأصل وهو يقتضي أنها ميتة.

والوجه في ذلك هو أنَّ العمران هي الحالة الطارئة على الأرض، وإلا فالأرض لا توجد وهي عامرة إلا بإعجاز إلهي أما بمقتضى العوامل الطبيعية فهي ميتة ثم بعد ذلك تحيى، فالإحياء والعمران هو حالة طارئة فيستصحب عدم الحياة وعدم العمران، ويثبت بذلك أنها ليست عامرة، ويتنقح بذلك موضوع الأرض الخراجية، فإنَّ موضوع الأرض الخراجية مركّب من جزأين الأول أنها فتحت عنوة وهذا يمكن تحصيله من خلال الطريق التاريخي وذلك بحصول الاطمئنان من الكتب التاريخية، والثاني أنها ليست عامرة وهذا نثبته بالأصل فنستصحب ذلك ويثبت بذلك أنَّ حكمها حكم الأرض الموات، فإذا ثبت أنها ميته فسوف يترتب على ذلك أمور الأول جواز احياؤها وحينئذٍ يصير المحيي مالكاً أو صاحب حق، والثاني إنه إذا كانت محياة بالفعل ولكن نشك أنَّ هذا الإحياء كان من حين الفتح أو حصل بعد ذلك فنحن استصحبنا كونها ليست محياة حين الفتح ولكنها الآن محياة، وإذا كانت محياة الآن فلا معنى لأن يتولد لي الحق في إحيائها، فالصحيح أن يقال يجوز له حيازتها وآنذاك تتولد له ملكية أو حق - على الكلام في أن الحيازة تولد ملكية أو أنها تولد حقا لا أكثر من ذلك - وآنذاك يجوز له بعد أن حاز وصار هو صاحب الحق أن يبيع هذا الحق لأنه صار تحت تصرفه، فصار متعلَّق الحق له فيجوز له نقله ببيعٍ أو بغيره من سائر التصرفات، قال(قده):- ( في تعيين أرض الخراج إشكال وقد ذكر العلماء والمؤرخون مواضع كثيرة فيها. وإذا شك في أرض أنها كانت ميتة أو عامرة حين الفتح تحمل[1] على أنها كانت ميتة، فيجوز احياؤها وتملكها إن كانت حية[2] ، كما يجوز[3] بيعها وغيره من التصرفات الموقوفة على الملك[4] ).


[1] وهذا استصحاب موضوعي.
[2] وكان المناسب أن يقول ( وحيازتها إن كانت حية ).
[3] الأفضل أن تستبدل عبارة ( كما يجوز ) بعبارة ( فيجوز )، فيؤتى بفاء التفريع لأن هذا الحكم متفرع على الحيازة.
[4] أو على الحق.