الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 99 ) بيع الأرض الخراجية وملكها بالاحياء إذا ماتت - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

النقطة الخامسة: - قال السيد الماتن(قده): - ( ولو ماتت الأرض العامرة - حين الفتح - فلا يبعد أنها تملك بالإحياء. أمّا الأرض الميتة في زمان الفتح فهي ملك للإمام عليه السلام، وإذا أحياها أحد ملكها بالإحياء، مسلما كان المحيي أو كافرا، وليس عليه دفع العوض ).

يشتمل هذا القسم من المسألة على أربعة أحكام: -

الحكم الأول: - لو ماتت الأرض الخراجية فلا يبعد أنها تملك بالإحياء.

ويدل على ذلك الروايات، منها: -

الرواية الأولى: - ما وراه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:- ( وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام " إِنَّ الْأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها، وليؤدّ خراجها إلى الإِمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم عليه السلام من أهل بيتي بالسّيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلّى الله عليه وآله ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم )[1] .

ودلالتها واضحة، ولكنها ليست واردة في خصوص الأرض المفتوحة عنوة وإنما هي واردة في الأرض الميتة، ولكن بالإطلاق تكون الأرض المفتوحة مشمولة.

الرواية الثانية: - صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة: - ( فقال أبو عبد الله عليه السلام: - .... كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: - من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه إلى الامام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه )[2] .

وعليه سوف نحمل رواية الكابلي المتقدمة التي قالت ( يؤدى إلى الامام من أهل بيتي ) على حالة ظهور المولى عليه السلام بقرينة هذه الرواية أما قبل ظهوره فلا توجد مطالبة.

وقد دلت هذه الرواية الثانية بالدلالة الإلتزامية أنَّ الأرض الميتة هي للإمام، لأنَّ الرواية قالت ( فهي له وعليه طسقها يؤديه إلى الامام ) فهي بالدلالة الالتزامية تدل على أنها للإمام عليه السلام، بخلاف الرواية السابقة فإنها دلت على ذلك بالمطابقة.

الرواية الثالثة: - ما وراه الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عمر بن يزيد قال:- ( رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام تلك السنة مالاً ...... يا أبا سيّار:- إنَّ الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا )[3] .

الرواية الرابعة:- علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام:- ( ...... والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها ... كل أرض ميتة لا رب لها )[4] ، فهذه الرواية بالإطلاق تشمل محل كلامنا وهو الأرض المفتوحة عنوة إذا كانت ميتة حال الفتح فإنها للإمام عليه السلام ، وهي مرسلة ولكن مضمونها مقبول وقد يورث الاطمئنان للفقيه بأنها صادرة من معدن العصمة والطهارة، وإذا لم يطمئن الفقيه بصدورها فلا أقل تكون داعمة للروايات المتقدمة.

فإذا ينبغي أن يكون واضحاً أنَّ جميع الأرض هي للإمام عليه السلام خرج منها الأرض المحياة حين الفتح فإنها لجميع المسلمين أما ما سوى ذلك فكله للإمام عليه السلام ومنه الأرض الميتة حال الفتح.

الحكم الثاني: - إذا أحيا هذه الأرض شخص ملكها بالاحياء، يعني أنَّ أئمتنا عليهم السلام قالوا إنَّ هذه الأرض هي لنا ولكن لو أخذها واحياها فهي له، وتوجد عمومات بهذا اللسان، ونذكر خمس روايات في هذا المجال: -

الأولى: - صحيحة محمد بن مسلم قال: - ( سألته عن ..... ، قال:- .... وأيما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه فهم أحق بها وهي لهم )[5] ، هي ناظرة إلى الأرض الميتة بقرينة قوله عليه السلام ( أحيوا ... وهي لهم )، فدلالتها واضحة جداً وهي بالإطلاق تشمل الأرض الميتة حال الفتح.

الرواية الثانية:- إن لم تكن نفس الأولى، وهي صحيحة محمد بن مسلم:- ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:- أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم )[6] ، ودلالتها واضحة أيضاً.

الرواية الثالثة: - علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وفصيل وبكير وحمران وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- من أحيا أرضاً مواتاً فهي له )[7] ، ودلالتها واضحة.

الرواية الرابعة:- صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- من أحيا أرضاً مواتاً فيه له )[8] .

الرواية الخامسة: - رواية أو موثقة السكوني - بناءً على اعتبار النوفلي الموجود في سندها وإلا فالتعبير بكونها موثقة محل إشكال - عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- من غرس شجراً أو حفر وادياً [ بدياً ][9] [ بدءاً ][10] لم يسبقه إليه احد أو أحيا أرضاً ميتة فهي له قضاءٌ من الله ورسوله صلى الله عليه وآله )[11] .

الحكم الثالث: - إنَّ الملكية بالإحياء هو حكم شامل للكافر والمسلم.

والوجه في ذلك أمران: -

الأمر الأول: - الروايات المتقدمة في الحكم السابق، لأنها قالت ( من أحيا أرضاً ) وبإطلاقها تشمل الكافر أيضاً، وعليه فلا نحتاج إلى روايات أخرى.

الأمر الثاني: - توجد روايات واردة في أهل الذمَّة وأنهم إذا أحيوا أرضاً تكون لهم، وأهل الذمة ليسوا من المسلمين وإلا لو كانوا مسلمين فلا يقال لهم أهل ذمة: -

من قبيل: - معتبرة أبي بصير قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرضين من أهل الذمة فقال لا بأس أن يشتريها منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها )[12] ، ودلالتها واضحة حيث دلت على ذلك في موضعين الأول قوله عليه السلام ( فقال لا بأس أن يشتريها منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم )، فالمقصود أنهم مادام قد عملوها وأحيوها فتكون لهم ولا شيء في أن تشتريها منهم، والمورد الثاني هو قوله عليه السلام ( وقد كان رسول الله حين ظهر على خيبر خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها ) يعني تكون لهم على أن يعمرونها.

ومن قبيل: - معتبرة محمد بن مسلم: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى فقال ليس به بأس قد ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها فلا أرى بها بأساً لو أنك اشتريت منها شيئاً وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم )[13] .

الحكم الرابع: - من أحيا أرضاً ميتة فهي له مجاناً من دون عوض.

وقد الروايات في ذلك، فبعضها يدل على ثبوت الأجر وبعضها ساكتة عنه، والمناسب حسب قانون الاطلاق والتقييد هو تقييد الروايات الذاكرة للأجرة، ولكن هل يمكن أن نلتزم بذلك وكيف قال السيد الماتن إنه لا أجرة؟، وهل من المناسب ذكر هذه المسألة في الرسالة العملية أو لا؟

[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص414، ابواب احياء الموات، ب3، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج9، ص549، ابواب الأنفال، ب4، ح13، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج9، ص548، أبواب الانفال، ب4، ح12، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج9، ص524، أبواب الأنفال، ب1، ح4، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص411، أبواب إحياء الموات، ب1، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص411، أبواب إحياء الموات، ب1، ح4، آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص411، أبواب إحياء الموات، ب1، ح5، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص411، أبواب إحياء الموات، ب1، ح6، ط آل البيت.
[9] هذا ما هو موجود في الوسائل.
[10] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص280.
[11] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص413، أبواب احياء الموات، ب2، ح1، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج25، ص416، أبواب احياء الموات، ب4، ح1، ط آل البيت.
[13] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج15، ص156، أبواب جهاد العدو، ب71، ح2، ط آل البيت.