الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

والمناسب ما أفاده السيد الخوئي(قده):- والوجه في ذلك هو أنَّ الأرض الخراجية بعد موتها لا تعود ملكا للمسلمين بل تكون كسائر الأراضي، إنما تكون ملكاً للمسلمين مادامت محياة، وهي الآن ليست محياة، فيشملها عموم صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة وأنَّ كل أرض ميتة هي لمن أحياها، حيث ورد في الصحيحة:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:- من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه إلى الامام في حالة الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه ) [1] فهذه الرواية تدل على أن كل أرض ميتة يجوز أحيائها وتكون للمحيي غاية الأمر قد تكون عليها ضريبة يأخذها من والي المسلمين أو يبقى إلى ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه، فهذه الرواية فيها عموم فتشمل الأرض الخراجية إذا صارت ميتة، نعم إذا كانت محياة فهي للمسلمين أما إذا ماتت فيشملها هذا العموم، وعلى هذا الأساس لا بأس بإحيائها ويكون المحيي أحق بها من غيره.

ولو تنزلنا وسلَّمنا بأنَّ هذه الأرض رغم موتها تبقى للمسلمين ولكن نقول إنَّ الخارج من هذا العموم هو الملك الشخصي للشخص المعين أما الملك الذي يكون جماعياً لعنوان المسلمين فهذا يشك في خروجه من عموم صحيحة عمر بن يزيد فتشمله قاعدة كلما كان لدينا عموم وشك في خروج فردٍ من أفراده يتمسك حينئذٍ بالعموم.

إن قلت: - لماذا القدر المتيقن الخارج من هذا العموم هي الأرض المملوكة بالملك الشخصي؟

قلت: - المدرك في ذلك الضرورة والبداهة فإنه لو كانت لك مملوكة بالملك الشخصي كما لو وصلتك بالإرث فهل يحتمل أحد أنه يجوز التمسك بعموم من أحيا أرضاً فهي له رغم كونها مملوكة لك فيجوز للأجنبي إحياؤها ويصير أحق بها؟!! إنَّ هذا نجزم ببطلانه بالضرورة، والضرورة ثابتة بمقدار الملك الشخصي أما الملك الكلي أو الملك الجمعي أو الملك النوعي كملك الأرض المفتوحة عنوة فيشك في خروجه من هذا العموم فنتمسك بالظهور في العموم.

وفي المقابل قد يتمسك السيد الحكيم(قده) بفكرة الاستصحاب: - يعني سابقاً قبل أن تموت هذه الأرض المفتوحة عنوة كانت مملوكة لجميع المسلمين والآن نشك هل هي مملوكة أو لا فنستصحب بقاء ملكيتها لجميع المسلمين، وبذلك يثبت كونها ملكاً لجميع المسلمين فلا يجوز لشخص أن يحييها، ولكن هذا يتم بناءً على جريان الاستصحاب في الموضوعات الكلية وفي الاحكام الكلية، لأننا نعرف أن الاستصحاب يجري في الأحكام الكلية أو لا، مثلاً صلاة الجمعة كانت واجبة في زمن الحضور والآن نشك هل هي واجبة في زمن الغيبة أو فهذا استصحاب لحكم شرعي كلي فهل يجري أو لا يجري؟ ذهب السيد الخوئي والنراقي إلى عدم جريانه في الأحكام الكلية بدليل هو أنَّ استصحاب بقاء الحكم إلى زمان الغيبة معارض بأصالة عدم الجعل الزائد، يعني نشك أنّ المولى هل شرع وجوب الجمعة بلحاظ زمن الحضور فقط أو أنه جعل الوجوب لكل الأزمنة، وهذا شك في الجعل الزائد فيبنى على عدمه، لأنَّ مقدار الجعل الثابت جزماً هو مقدار زمان الحضور أما بالمقدار الزائد فيشك في ذلك والأصل عدم الجعل الزائد، فيتعارض أصل عدم الجعل الزائد مع استصحاب بقاء المجعول - أي الوجوب - لأنَّ الوجوب هو المجعول ولكن جعل هذا الوجوب بلحاظ زمن الغيبة يشك في ثبوته فالأصل عدم الجعل الزائد، فدائماً المعارضة موجودة بين استصحاب بقاء المجعول وأصالة عدم الجعل الزائد، وحينئذٍ دليل حجية الأصل لا يمكن أن يشملهما معاً للمعارضة ولا يمكن أن يشمل أحدهما دون الآخر لأنَّ من دون مرجح.

فالذي يمكن التمسك به لنصرة السيد الحكيم(قده) هو استصحاب بقاء ملكية المسلمين لهذه الأرض بعد صيرورتها ميتة، وإذا كانت ملكاً للمسلمين فحينئذٍ لا تملك بالإحياء، ولكن هذا مبنيٌّ على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.ونحن نجيب بجوابين: -

الأول: - سلَّمنا أنَّ الاستصحاب يجري ويثبت أنها ملك المسلمين، ولكن نقول إن الخارج بنحو الجزم من عموم ( من أحيا أرضاً ) هو الأرض الميتة الملوكة بالملك الشخصي لأنَّ هذه الأرض هي ملكه فلا يجوز التجاوز عليه، أما المملوكة لجميع المسلمين والمفروض أنها ميتة فهذه يشك في خروجها من عموم ( من أحيا أرضاً فهو أحق بها من غيره )، فحينئذٍ نطبق القاعدة الأصولية التي تقول كلما كان لدينا عموم وشك في خروج فرد بالتخصيص فيتمسك بالعموم، وهنا الأمر كذلك نتمسك بالعموم.

الثاني: - إذا لم يجز إحياؤها فماذا نصنع بهذه الأرض فهل نبقيها ميتة لا يحييها أحد من المسلمين فيصير أحق بها أنها تبقى ميتة، وهل تحتمل في حق الإسلام ذلك؟!! إنه لا يحتمل ذلك، وهذا دليل جداني.

والنتيجة: - إنه يجوز إحياؤها ويصير المحيي أحق بها من غيره.

هذا بالنسبة إلى ما أفيد في هذه النقطة واتضح أنَّ الحق مع السيد الخوئي ولكن نقول مرة أخرى إنَّ هذا الكلام كله مجرد بحث علمي فلإنَّ السيرة جارية جزماً منذ زمن المعصومين عليهم السلام على أنَّ الأراضي المفتوحة عنوة كالعراق وقد ماتت فإنه يتقدم إليها أي مسلم ويحييها ولا يستطيع أحد أن يزاحمه وهذه السيرة ليست حادثة وإنما هي موجودة حتى في زمن الأئمة عليهم السلام في كربلاء وبغداد وسامراء وغيرها.فإذا هذا البحث كلّه بحث بالعنوان الأوّلي، أما بعد الالتفات إلى السيرة التي أشرنا إليها فلابد وأن نجزم بالحكم وأنها تملك بالإحياء جزماً.

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص549، أبواب الأنفال وما يختص بالامام، باب4، ح13، ط آل البيت.