الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

النقطة الثانية: - إنَّ عدم جواز بيع الأرض الخراجية لا يختص بحالة عدم وجود الآثار من بناء وشجر ونخل وما شاكل ذلك بل يعم كلتا الحالتين، فحتى لو كان فيها بناء وشجر لا يجوز بيعها، نعم يجوز بيع نفس البناء والشجر أما رقبة الأرض فلا يجوز بيعها، لأنَّ الأرض الخراجية لا يجوز بيعها، والنكتة في عدم جواز بيعها حتى لو كان ذلك تبعاً للبناء والأشجار وغير ذلك هو إطلاق دليل المنع، فإنَّ دليل المنع مثل صحيحة الحلبي مطلق من هذه الناحية ولم يقيد بما إذا لم يكن فيها بناء أو شجر أو ما شاكل ذلك، فالصحيحة قالت:- ( لا يصلح إلا أن تشتري منهم على أن يصيرها [ تصيرها ] للمسلمين )، فهذا مطلق، يعني سواء لم يكن فيها آثار أو كان فيها آثار فعلى كلا التقديرين لا يجوز بيعها تبعاً للآثار أيضاً بمقتضى اطلاق هذه الصحيحة، وهذا مطلب واضح.

ولكن يرد تعليقنا السابق: - وهو أنَّ هذا الحكم للأرض الخراجية هو بالعنوان الأوّلى، أما إذا استكشفنا الإذن من السيرة فحينئذٍ يجوز بيع الأرض الخراجية من دون حاجة إلى التبعية للآثار. فإذاً هذا الكلام كلّه مبنيّ على غضّ النظر عن استكشاف السيرة.

النقطة الثالثة: - لا يجوز التصرف في الأرض الخراجية في زمان الغيبة إلا بإذن الحاكم الشرعي، لأنه هو نائب الامام عليه السلام، اللهم إلا إذا فرض أنَّ الأرض الخراجية كانت تحت سيطرة السلطان الجائر فحينئذٍ يكفي إذن السلطان الجائر، بل في كفاية إذن الحاكم الشرعي إشكال، وإذا أراد مكلف ألا يرتكب الاشكال فلابد من كسب الإذن من الجائر، يعني أنه لا يجوز التصرف في الأرض الخراجة في زمن الغيبة إلا بإذن الوالي الجائر، وللمحقق الكركي رسالة في هذا المجال باسم ( قاطعة اللجاج في حل ارض الخراج ) ، ولعل ذلك لدلالة بعض الروايات لأجل انتظام الأمور، وسوف نلاحظ تلك الروايات، وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب إلى القضية وذكر خمسة احتمالات.

إذا رجعنا إلى الروايات فقد نجد فيها ما يدل على أنَّ المدار على السلطان الجائر وليس على الحاكم الشرعي، من قبيل صحيحة الحلبي المتقدمة: - ( ... فقلت:- الشراء من الدهاقين؟ قال:- لا يصلح إلا أن تشتري منهم على أن تصيرها للمسلمين فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها )[1] ، فإنَّ المقصود من ( فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها ) ليس هو الامام عليه السلام، لأنَّ الأئمة عليهم السلام - غير أمير المؤمنين عليه السلام - لم يكونوا مبسوطي اليد، فصحيح أنَّ الامام عليه السلام هو ولي الأمر ولكن بقرينة ( أخذها ) يتبيّن أنَّ هذا الشخص له قدرة الأخذ والعطاء، والأئمة عليهم السلام لم يكونوا يزاولوا هذه القضية، فإذاً لابد أن يكون المقصود هو الجائر، فمن قال بأنَّ المدار على السلطان تمسك بمثل هذه الرواية بعد تفسير ولي الأمر بالجائر، ومن قبيل معتبرة الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثا عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أرضاً من أرض الذمة من الخراج وأهلها كارهون وإنما يقبلها من السلطان لعجز أهلهل عنها أو غير عجز، فقال:- إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها[2] إلا أن يضاروا وإن أعطتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم فخذوها )[3] ، فقد يتمسك بهاتين الروايتين على كون المدار على إذن السلطان الجائر.

ولكن نقول: - سواءً قبلنا دلالتها أو لم نقبلها فنحن نجيب بما ذكرناه سابقاً، وهو أنَّ هذا مجرد بحث علمي، إذ المفروض أننا إذا سلّمنا بجريان السيرة فهي قد جرت على التصرف في الأرض الخراجة من دون قضية إذن السلطان، فكما أننا نتصرف الآن هكذا كذلك كان الأمر في الزمان السابق، فبناءً على السيرة الجزمية يكون هذا البحث بحثاً علمياً لا داعي للولوج فيه.

ولصاحب الجواهر(قده) كلاماً في هذا المجال لعله يفهم منه ما أشرنا إليه:- قال:- ( وهل تجب مراعاة ذلك[4] لمن يحصل منها في يده في زمن الغيبة ولو بإذن نائبها وجهما أحوطهما ذلك وأقواهما العدم لظاهر نصوص الاباحة وللسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار بين العلماء والأعوام بل قد تمكن جملة من علمائنا كالمرتضى والرضي العلامة وغيرهم من جملة منها ولم يحك عن أحد منهم التزم الصرف في نحو ذلك بل لعل المعلوم خلافه من المعاملة معاملة غيرها من الأملاك )[5] ، فهو يعترف بأنَّ السيرة مستمرة على أنَّ الناس يتعاملون مع أرض العراق والأرض الخراجية معاملة سائر الأملاك المحضة ولا توجد قضية كسب الإذن ولا الصرف في المصالح العامة وما شاكل ذلك.

النقطة الرابعة: - إذا فرض أنَّ الأرض الخراجية كانت عامرة فهي لجميع المسلمين كما قلنا ولكن إذا خربت فهل يشملها قانون التملّك بالاحياء أو الحق بالإحياء فنقول من أحياها فهي له فهو يتملكها كسائر الأراضي الموات أو لا؟ قال السيد الماتن(قده) يلحقها حكم الأرض الموات، يعني يصير أحق بها أو يتملّكها، وقال السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم تبقى على حكم الأرض الخراجية.

ومن الواضح أنه على ما ذهبنا إليه يكون كل هذا الكلام بحث علمي لا فائدة فيه، لأن الأرض الخراجية يجوز التصرف فيها كسائر الأملاك بالبيع والشراء غير ذلك.

أما توجيه ما ذهب إليه السيد الماتن(قده) فيقال:- إنها إذا صارت ميتة فسوف يشملها قانون ( من أحيا أرضاً فهي له )، فلاحظ صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة حيث ورد فيها:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:- من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طِسْقُها يؤديه إلى الامام في حالة الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه )[6] ، ومقتضى اطلاقها أو عمومها تشمل الأرض الخراجية إذا ماتت، فإذاً يجوز إحياؤها وتملك بالإحياء أو يثبت الحق بالإحياء.

وقد يقال: - إنَّ هذه الرواية ناظرة إلى الأرض التي لم تكن مملوكة لأحد، والمفروض أنَّ الأرض الخراجية مملوكة للمسلمين فكيف يشملها قانون ( من أحيا أرضاً فهي له )، فإنَّ هذا القانون يختصّ بما إذا لم تكن الأرض مملوكة، وهذه الأرض مملوكة، فلا يشملها هذا القانون؟


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج17، ص369، أبواب عقد البيع وشروطه، ب21، ح4، ط آل البيت.
[2] أي تأخذها من السلطان.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج17، ص370، أبواب عقد البيع وشروطه، ب21، ح10، ط آل البيت.
[4] أي الصرف في المصالح العامة.
[5] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج21، ص166.
[6] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج9، ص549، أبواب الانفال، ب4، ح13، ط آل البيت.