الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ولنعد إلى جواب الشيخ النائيني(قده) ونقول:- إنَّ ما أفاده شيء وجيه بيد أنه يبتني على أنَّ شرط جريان الأصل العملي أن يكون مورده محلاً للابتلاء، فالأصل جري فيما يكون محلاً لابتلاء المكلف وإلا فلا مجال لجريانه، وهذه الفكرة قد ناقشناها في علم الأصول في مبحث العلم الإجمالي وقلنا إنَّ الدخول في محل الابتلاء شيء معتبر في التكاليف والخطابات الجزئية دون الخطابات الكلية، فإذا كان الخطاب جزئياً وشخصياً فيقال لهذا المكلف لا يجوز لك الصلاة في القم مثلاًن فهنا يستهجن مثل هذا الخطاب بعد عدم كون القمر محلاً لابتلاء هذا المكلف، وأما إذا كان الخطاب كلياً وليس لهذا المكلف فلا استهجان في ذلك فيقال لا تجوز الصلاة في القمر وهذا خطاب كلي بنحو القضية الكلية ولا يستهجن مثل هذا الخطاب وسبب عدم استهجانه أنَّ بعض الأفراد يذهبون إلى القمر فمادام الخطاب يكون كلياً فحينئذٍ لا يتحقق فيه الاستهجان ويكون شاملاً للجميع ولا نخصصه بمن هو مبتلٍ بالفعل بالسفر إلى القمر وإنما يبقى الخطاب كلياً لا استهجان فيه، وبناءً على هذا نقول صحيح أنَّ أرض العراق ليست هي بأجمعها محلاً لابتلائي فإني مبتلٍ بمساحة منها ولكن الخطاب لا يوجه لي بخصوصي ولشخصي وإنما يوجه إلى عامة الناس بنحو القضية الكلية بلسان أيها المكلف لا يجوز لك شراء الأرض الخراجية الواجدة لهذين الشرطين، فبما أنَّ الخطاب يكون خطاباً كلّياً فلا استهجان فيه، وبالتالي تظهر الثمرة في المعارضة بين الأصول، فإنه بناءً على ما ذكرناه تكون المعارضة بين الأصول باقية وفعالة، لأنه بالتالي اجراء أصل عدم كون النجف مثلاً مفتوحة عنوة أو كانت عامرة حين الفتح يصير معارضاً بأصل عدم العمران أو بعدم الفتح عنوة في بقية أراضي العراق لأن الخطاب شامل لي ولا استهجان مادمت مشمولاً للخطاب الكلي، إنما يكون الاستهجان في الخطاب الشخصي لي ولكن الخطاب كلّي فلا استهجان فيه فالأصول حينئذٍ تكون متعارضة.

وبالجملة:- إنَّ فكرة الشيخ النائيني(قده) من أنَّ الأصول لا تتعارض وإنما تجري فقط بلحاظ المنطقة التي هي محل ابتلاء المكلف مبني على كون الخطابات الشرعية هي خطابات شخصية وجزئية، أما إذا قلنا هي خطابات للعنوان الكلّي كما يعترف بذلك الكل فحينئذٍ لا محذور في شمولها لي وأنت ولا استهجان في ذلك بعدما لم يكن الخطاب شخصياً لي ولخصوصي، فالأصول تبقى متعارضة وجواب الشيخ النائيني (قده) يكون محلاً للإشكال من هذه الناحية، يعني أنه يبتني على أنَّ الخطابات إما أن تكون شخصية أو أنه يبني على أنها كلية ولكن رغم ذلك لا تشمل المكلف الذي يكون الشيء خارجاً عن محل ابتلائه، ولكن لا نظن أحداً يمكن أن يلتزم بأحد هذين، بل من الأمور المسلمة أنَّ الخطابات الشرعية والتكاليف هي كلّية ولا استهجان في شمولها حتى للمكلف الذي يكون الشيء خارجاً عن محل ابتلائه مادام الخطاب كلياً.وعليه سوف لا ينفعنا جواب الشيخ النائيني(قده) ولابد من جواب آخر عن هذه المسألة الابتلائية، يعني كيف نتصرف في أرض العراق بالبيع الشراء والتربة الحسينية وما شاكل ذلك والحال أنها لجميع المسلمين، فكيف الجواب عن هذا الاشكال العلمي؟

وفي مقام الجواب نقول: - هناك سيرة بين المسلمين بل بين المؤمنين على أنَّ أرض العراق يتعامل معها معاملة الأملاك الشخصية حتى في زمن الأئمة عليهم السلام، فالمؤمنون أفهل كانوا لا يشترون ولا يبيعون الأراضي في الكوفة وبغداد والبصرة وسامراء؟!! وكذلك المساجد الموجودة فهم كانوا يشترون الأرض ويوقفونها مسجداً أو يوقفونها على ذريتهم وهذه قضية متداولة ولا يمكن إنكارها، فجزماً كانت السيرة جارية على البيع والشراء والتعامل مع تلك الأراضي التي بعضها خراجية جزماً معاملة الملك الشخصي، وهذه السيرة لا يمكن التشكيك فيها، ومادامت هذه السيرة جارية جزماً فحينئذِ تكيفنا كدليل على جواز بيع وشراء الأرض الخراجية، أما ما هي النكتة وما هو السبب وما هو التخريج الفني لذلك فنقول عليك الأخذ بالنتائج دون الأسباب والتفسيرات، فمادامت هذه السيرة موجودة ولم يرد في رواية أنَّ الأئمة عليهم السلام ردعوا عنها فتكون ممضاة، أما ما هو تفسيرها الفني فهذا ليس بالشيء المهم وتكيفنا هذه النتيجة وإن لم نعرف توجيهها الفني.

وللعل التوجيه الفني لذلك: - هو أنَّ هذه الأراضي الخراجية أمرها يعود إلى الامام عليه السلام، فهو صاحب الولاية على جميع هذه الأمور، فبالإمكان أن نقول إنَّ الأئمة عليهم السلام سكتوا من باب أنهم قد أذنوا في الشراء والبيع حتى ظهور الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وحينئذٍ تكون جميع الأمور تحت يده أما ماذا يفعل هو فذاك له، أما في زمن الأئمة عليهم السلام الذين لم يكونوا مبسوطي اليد فليس من البعيد لأجل أن تسير الأمور قد صدر منهم إذنٌ في تصرف المسلمين العادي الذي نجده.وبهذا ينبغي أن تحذف هذه المسألة من الرسالة العملية لعدم وجود مصداق لها، والأليق أن تذكر في الكتب العلمية.

ونلفت النظر إلى قضية: - وهي أنه لو سلّمنا أنَّ الأرض الخراجية لا يجوز بيعها ولكن البناء الشجر وما شاكل ذلك الموجود فيها يجوز بيعه، فحينما يقول لا يجوز بيع الأرض الخراجية لو بنينا على ذلك فلابد من إضافة مهمة وهي أنَّ كون المقصود من ذلك رقبة الأرض الخراجية وعينها دون البناء والأشجار فإنَّ هذه الأشياء يجوز بيعها، ولعل المشكلة تُحَل عند من يبني على الجواز من هذه الناحية فيقول أنا لا أبيع الأرض وإنما أبيع البناء والأشجار وما شاكل ذلك.