الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وقبل أن ننتقل عن هذا الموضوع نذكر عبارة لصاحب الجواهر(قده) ليست مهمة ولكن لا بأس بنقلها، فإنه ذكر في هذا المجال ما نصه: - ( ولكن الكلام في المفتوح عنوة. والمعروف بين الأصحاب أن مكة منه ... وفي بعض أخبار الجمهور أنه صلى الله عليه وآله قال لأهل مكة: - " ما تروني صانعاً بكم؟ قالوا: - أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، فقال صلى الله عليه وآله: - أقول كما قال أخي يوسف لا تريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا أنتم الطلقاء "....، ومنه الشام على ما ذكره الكركي نسباً له إلى الأصحاب وإن كنت لم أتحققه ... ومنه خراسان .... ومنه العراق )[1] ، وقد ذكرنا هذه العبارة لجل الاطلاع على ما يدعى أنه من الأرض المفتوحة عنوة.

وأما السؤال السادس: - وهو كيف يمكن شراء أرض العراق وبيعها فإنَّ السيرة جارية على ذلك والحال أنها إذا كانت من أرضي الخراج والمفتوحة عنوة والعامرة حين الفتح فكيف تباع وتشترى وكيف يصنع منها التربة الحسينية ونحن نأخذها نسجد عليها والحال أنها للمسلمين ولا يجوز فيها هذا التصرف، وهكذا كيف يؤخذ منها الآجر والجص والأواني الفخارية، فكيف يمكن توجيه ذلك؟

والجواب: - قد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الاشكال ومر عليه مرور الكرام من دون أن يذكر شيئاً مهماً وحلاً منسباً في هذا المجال، كما تعرض إليه الشيخ النائيني(قده).

أما الشيخ الأعظم(قده):- فقد تعرض إلى ذلك، وغاية ما ذكره أنَّ هناك طريقان للحل، فإما أن يؤخذ من الجائر وما يؤخذ من الجائر يحكم عليه بالجواز حسب ما دلت عليه بعض النصوص أو السيرة، فإنَّ الكل كانوا يأخذون من الجائر حتى الأئمة وأصحابهم، وإما أن نطبق قانون ( من سبق إلى ما لم يسبقه إليه غيره فهو أحق به )، ولم يذكر الشيخ الأنصاري(قده) أكثر من هذا، يعني أنه لم يجب عن الاشكال وإنما أبقاه على حاله، قال:- ( التمسك بمقتضى القاعدة من عدم صحة أخذها إلا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع ) ، [2] ثم تراجع قائلاً:- ( يمكن أن يقال بعدم مدخلية سلطان الجور لأنَّ القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض لا أجاءها إلا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع دون التملك فيجوز، ويحتمل كون ذلك من المباحات لعموم من " من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به"، ويؤيده بل يدل عليه استقرار السيرة خلفاً عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر والكوز والأواني وما عمل من التربة الحسينية )، فهو ذكر الاشكال ولكنه لم يذكر جواباً علمياً سوى أنه ذكر احتمالات.

وأما الشيخ النائيني(قده) فإنه ذكر حلا علمياً وحاصل ما ذكره: - إنَّ الأرض الخراجية يعتبر فيها قيدان الفتح عنوة وأن تكون عامرة فإذا شككنا أنها مفتوحة عنوة أو لا فنستصب عدم كونها مفتوحة عنوة أو عدم كونها عامرة حين الفتح.

ثم أشكل على نفسه وقال: - إنه بناءً على هذا تلزم المخالفة القطعية ومعه لا تجري الأصول، وتلزم المخالفة القطعية لأجل أنَّ كل قطعةٍ من الأرض سوف نطبق فيها هذا الأصل وسوف تصير كل أراضي العراق مثلاً قابلة لجريان هذا الأصل، وبالتالي تلزم من ذلك المخالفة القطعية، لأنَّ بعض هذه الأراضي قطعاً كان عامراً حين الفتح أو كان مفتوحاً عنوةً فإجراء هذا الأصل في جميع أجزاء العراق يلم منه المخالفة القطعية ومعه لا تجري الأصول.

لكنه أجاب وقال: - حيث إنه ليس الجميع ليس محلاً للابتلاء فلا يلزم المخالفة القطعية من تطبق الأصل في ربع أرض العراق أو أقل أو أكثر، فإذاً لا مشكلة في البين، قال: - ( إلا أنَّ من المجموع يستفاد عدم جواز بيعها على نحو سائر الأراضي ولكن الذي يهون الخطب أنه لا فائدة في البحث عن حكمها بعد تقييد موضوعها بما إذا كانت عامرة حال الفتح وأما إذا كانت مواتاً فهي للإمام عليه السلام فيملكها كل من أحياها، وعلى هذا فلا مانع من شراء كل ما احتمل كونه مواتاً حال الفتح إنَّ يد من عليها أمارة على كونها ملكاً له. ولا يبعد أن يكون منشأ سيرة الخلف عن السلف على بيع ما يصنع من تراب أرض العراق من الآجر والكوز والأواني والتربة الحسينية ... عدم إحراز كون هذه الأراضي معمورة حال الفتح، ومجرد العلم الإجمالي بعمارة أغلب أراضي العراق لا أثر له بعد عدم كون جميعها محلاً للابتلاء )، وقد استثنى من ذلك أرض الغري لكونها ميتة حين الفتح، لعله استنتج أنها ميتة حين الفتح لأجل قضية دفن أمير المؤمنين عليه السلام، فإنَّ الذي يقرأ التاريخ يفهم أنَّ أرض الغري كانت صحراء وربوات ولم تكن أرضاً زراعية، فهي كانت ميتة، وعليه فالمشكلة منتفية في أرض النجف.

وعلَّق السيد الخمني(قده) على ما ذكره الشيخ النائيني(قده) بما حاصله: -إنَّ الروايات دلت على الجنبة الاثباتية دون جنبة النفي، والجنبة الاثباتية هي أنه إذا كانت مفتوحة عنوة وكانت عامرة فآنذاك تكون لجميع المسلمين، ولكنها لم تتحدث عن جنة النفي، يعني هي لم تقل إذا لم تكن عامرة فليست لكل المسلمين أو إذا لم تكن مفتوحة عنوة فهي بيست لجميع للمسلمين، وإنما الروايات تحدثت عن جنبة الاثبات، ومعه فلا يجري الأصل لنفي كونها عامرة أو لنفي كونها مفتوحة عنوة، إذ على جنبة النفي لم يرتب حكم شرعي إلا بالملازمة العقلية وذلك مورد للأصل المثبت.

وبكلمة أخرى:- إذا أردت اجراء الأصول لإثبات تحقق الجزأين – من كونها مفتوحة عنوة وكونها عامرة حين الفتح - واستمرارهما فلا بأس، إذ على وجود الجزأين رُتِّب الحكم شرعاً وأنها تصير للمسلمين، هذا إذا ثبت الجزءان الوجوديان فهنا لا يلزم محذور الأصل المثبت لأنَّ الدليل رتّب كونها لجميع المسلمين على تحقق الجزأين، فإذا أمكننا أن نثبت الجزأين بالأصل فيثبت أنها أرض خراجية ولا يلزم محذور الأصل المثبت، وأما إذا ذهبنا إلى جانب النفي الذي لم يرتب عليه الشارع حكماً وتريد أن تجري الأصل لنفي كونها مفتوحة عنوة أو لنفي كونها عامرة فهذا يلزم منه محذور أصل المثبت لأنك حينما تريد ان تجري أصل النفي فإنك تريد أن تقول إذاً هي ليست لجمع المسلمين فيجوز أخذها، وهذا غير صحيح، قال:- ( لا إشكال في إمكان احراز أحد العناوين الوجودية بالأصل وأما احراز استصحاب عدمه لنفي الحكم الشرعي عن الموضوع فهو مثبت لأن نفي الحكم مع عدم الموضوع عقلي لا شرعي إلا أن يدل دليل شرعي على نفيه أو على عدم ثبوت حكمٍ آخر متعلق بنفيه فأصالة عدم الفتح عنوة لنفي كون الأرض للمسلمين إنما تجري إذا دل دليل شرعي منطوقاً أو مفهوماً على ان ما لا تفتح عنوة ليست للمسلمين فيقال إن هذه الأرض كانت مما لم تفتح عنوة في زمان فيستصحب ويترتب عليها انها ليست للمسلمين وأما إذا تعلق الحكم بالفتح عنوة وأريد استصحاب عدمه لنفي ملك المسلمين فهو مثبت )[3] .

ثم قال: - إن قلت إنه في قضية ( إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء ) كيف نجري الاستصحاب لنفي الكرية والحال أنَّ الروايات أثبتت الحكم على ثبوت الكرية لا على نفي الكرية فكيف هناك تقبل اجراء الأصل لنفي الكرية دون المقام؟

أجاب وقال: - إنه في الجملة الشرطية يوجد مفهوم، وعليه فيوجد حكمان صادران من قبل الشارع حكمٌ في جانب الاثبات إذا تحقق الشرطان، فإذا بلغ كراً ولاقته نجاسة فالحكم أنه لم يتنجس وهذا هو جانب الاثبات وهو المنطوق، وأما في المفهوم وهو أنه إذا لم يكن الماء كراً أو إذا لم تلاقه النجاسة فالحكم أنه لا يتنجس، فهناك يوجد جعلان شرعيان، جعلٌ في جانب الاثبات وجعلٌ في جانب النفي، فلا يلزم محذور الأصل المثبت.

إن قلت[4] :- لنطبق فكرة المفهوم والجملة الشرطية في مقامنا فنقول إذا كانت الأرض مفتوحة وكانت عامرة فآنذاك تكون خراجية لجميع المسلمين، وحينئذٍ صارت جملة شرطية وينعقد لها مفهوم حينئذٍ فنجري الصل في جانب النفي؟

قلت:- إنَّ الروايات في المقام لم تذكر جملة شرطية وإنما ذكرت اموراً مبعثرة والفقيه يجمعها، يعني أن الروايات ذكرت ان أرض السواد هي لجميع المسلمين، وهذا ما ورد في صحيحة الحلبي، كما ودت ثانية وأشارت إلى قيد مفتوحة عنوة ، ورواية ثالثة أشارت إلى أنَّ كل أرض ميتة فهي للإمام عليه السلام، يعني يشترط في الأرض الخراجية أن لا تكون ميتة وإلا كانت للإمام عليه السلام، فإذاً هذه الأمور قد ذكرت لا بنحو الجملة الشرطية حتى ينعقد لها مفهومٌ وحكمٌ في جانب النفي أيضاً وإنما ذكرت في جانب الإثبات فقط، وعليه سوف يلزم من ذلك محذور الأصل المثبت.


[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج21، ص166.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص27.
[3] كتاب البيع، السيد الخميني، ج3، ص68.
[4] وهذا التساؤل من عندنا.