الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما دليله الثاني فيرد عليه:- إنه لو سلّمنا أنَّ الملكية رغم كونها اعتباراً هي لا تقبل الثبوت للمعدوم - وإن كان هذا أول الكلام فقد يقال إنه لا محذور في ذلك - نقول إنه يمكن الوصول إلى الهدف من طريقٍ آخر، وذلك من خلال فكرة التفكيك بين الانشاء والمنشأ، فاعتبار الملكية يكون من الآن إلا أن المعتبر يكون متأخراً فكل شخص في زمانه حينئذٍ سوف تثبت له الملكية، فالملكية صارت ثابتة حين وجود الشخص لا حالة عدمه حتى يقول السيد الخمين إن الملكية لا تقبل الثبوت للمعدوم بل إنشاؤها من الآن والمنشأ يكون متأخراً، فإذاً لا مشكلة في البين، وهذا له نظائر من قبيل قوله تعالى ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ فالإنشاء من حين نزول القرآن الكريم ولكن الوجوب الفعيل يكون حينما تتحقق الاستطاعة بالفعل، إذا فكرة التفكيك بين الانشاء والمنشأ فكرة معقولة، ومن هذا القبيل الوقف على البطون فإن الواقف قد يقول أوقفت هذه الدار على ذريتي الموجودة ومن تأتي فيما بعد إلى الأبد فإن هذا شيء معقول ووجيه فالإنشاء من الآن والملكية بالوقف تثبت بعد أن يوجد هذا الفرد من الذرية.

وأما دليله الثالث فيرد عليه: - صحيح أنَّ بعص الروايات عبر عن الأرض الخراجية بأنها فيء للمسلمين ولكن فكرة الفيء لا تتنافى مع فكرة الملكية فإنَّ الفيء هو بمعنى العودة والرجوع ولكن هذا لا ينافي أنه فيء عد للمسلين وفي نفس الوقت يكون مملكاً ومملوكاً، وربما يمكن استفادة ذلك من بعض الروايات من قبيل ما رواه ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( سمعته يقول في الغنيمة يخرج منها الخمس ويقسّم ما بقي بين من قاتل عليه ولي ذلك. وأما الفيء والأنفال فهو خالص لرسول الله صلى الله عليه وآله )[1] ، والشاهد فهو في فقرة ( وأما الفيء والأنفال فهو خالص للرسول ) يعني بمعنى أنه ملك خالص له ولا يوجد احتمال الاباحة وإنما ملك خالص له، فإذاً اثبت الملكية لعنوان الفيء، فيظهر من هذا أنه لا يوجد بين الفيء والملك مانعة جمع.

وهل نعدّ ما ذهب إليه السيد الخميني نحو من المخالفة عملاً أو انه على مستوى الألفاظ فقط؟

لا أظن أنه توجد مخالفة مع المشهور، لأنه بالتالي يسلّم أنها راجعة إلى المسلمين لأجل أن تستعين به الحكومة ولأجل الجيش ولغير ذلك فهذا كله بالتالي يصب في مصلحة الناس لأنهم يحتاجون إلى حكومة وإلى جيش وإلى غير ذلك فهذا كله في صالح المسلمين، فبالتالي نحن جميعاً اتفقنا على أنه يكون لصالح المسلمين أما أننا نعبّر بالملك للمسلمين أو أنه يدرّ عليهم من دون التعبير بالملك فهذه قضية ليست مهمة، فإذاً لا نرى أن خلافه هو خلاف في الجذور بل على الهامش كما أوضحنا.

عودة إلى صلب الموضوع: - حيث ذكرنا فيما سبق أنه يوجد عندنا ستة أسئلة بالنسبة إلى الأرض الخراجية وقد ذكرنا أربعة أسئلة منها والآن نذكر السؤال الخامس.

السؤال الخامس: - هل الأرض الخراجية محددة ومعلومة أو لا؟

في الجواب نقول: - إنَّ الذي هو ثابت بنحو الجزم واليقين هو أنَّ المصداق لأرض الخراج هو أرض العراق - أرض السواد - ولكن أرض العراق في الجملة وليس بالجملة لأن العراق قد توسع عما كان عليه مسبقاً، فبلا إشكال أنَّ أرض العراق هي من الأرض الخراجية، لأنَّ الأرض الخراجية هي الأرض المفتوحة عنوة وعامرة حين الفتح، والقدر المتيقن هو أرض العراق لأنها عامرة حين الفتح وأنها فتحت عنوة بلا إشكال، نعم كان هناك إشكال وهو أن فتحها هل كان بإذن الامام عليه السلام أو لا وقد تكلمنا عن ذلك وهذا قيد ثالث للأرض الخراجية وقد أثبتنا أنها فتحت بإذن الامام ولو من خلال تعبير الروايات بأنها أرض المسلمين وإلا كيف يعبر عنها الإمام عليه السلام بأنها أرض المسلمين؟!! فهذا معناه أنها فتحت بإذنه، ولكن هل توجد أرضٍ خراجية أخرى؟ هناك شك في وجود أراضٍ خراجية أخرى وفي حالة الشك ما هو المرجع؟ إنه الأصل والأصل يقتضي أنها ليست مفتوحة عنوة ن الفتح عنوة هو عنوان وجودي وكذلك إذن الامام هو عنوان وجود وكذلك كونها عامرة حين الفتح أيضاً هو عنوان وجودي فنحن نشك في تحقق هذا العنوان الوجودي ولو من جهة الشك في بعض مفرداته فالمرجع حينئذٍ هو الاستصحاب فإنه سابقاً قبل الإسلام لم تفتح عنوة بإذن الامام عليه السلام فنشك هل تحقق مجمع القيود الثلاثة أو لم يتحقق فسابقاُ كان منتفياً ونشك في تحققه بعد ذلك فيجري استصحاب عدم تحققه، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.

ورب قائل يقول: - إنَّ هذا البحث لا ثمرة له، لأنَّ الأرض إذا لم تكن قد فتحت بإذن الامام عليه السلام فبالتالي هي ليست من الأرض الخراجية ولا يلحقها حكم الأرض الخراجية وحينئذٍ لا يجوز التصرف فيها لأنها ملك خالص للإمام عليه السلام، فحينما نجري الأصل لا تعود عندنا ثمرة مهمة لأنه إذا لم تكن مفتوحة بإذن الامام فسوف تكون راجعة إلى الامام عليه السلام فلا يجوز التصرف فيها؟

والجواب: - إنها إذا كانت راجعة إلى الامام عليه السلام فالأمر يهون، لأنهم عليه السلام قد أذنوا في التصرف في الأراضي الراجعة إليهم، فصحيح هي للأئمة عليهم السلام لكنهم قد أذنوا لشيعتهم في التصرف بها، فإذاً سوف تظهر الثمرة، فإن لم تكن خراجية من خلال الأصل فيجوز لي أن أحوز جزءاً منها وأنبي به بيتاً قبل أن تأتي الدولة وتنظّم الأمور فإنَّ هذا لا محذور فيه شرعاً لأننا مأذونون من قبل الامام عليه السلام في ذلك، بينما إذا كانت أرضاً خراجية فهي ليست ملكاً بمعنى أنك تتخذ منها بيتاً للسكن وإنما بمعنى أنك تأخذها من السلطان لفترة عينة وتدفع مقابل ذلك الخراج، فهي ليست لك فلا تورث، ففرق بين كونها خراجية وبين كونها ملك للإمام عليه السلام فإنها إذا كانت للإمام عليه السلام فيحث إنه أذن فيجوز حينئذ التصرف فيها كتصرف المالك في أملاكه، والمدرك في كونهم عليهم السلام قد أذنوا لنا ما رواه الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( وجدنا في كتاب علي عليه السلام أنه الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها فإن تركها وأخربها فأخذ رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها يمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم )[2] وسندها معتبر، بمضمونها روايات أخرى من قبيل صحيحة عمر بن يزيد[3] .


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر الشیخ الحر العاملی، ج9، ص489، أبواب مما يجب فيه الخمس، ب2، ح10، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج25، ص414، أبواب حياء الموات، ب3، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج9، ص549، أبواب الانفال، ب4، ح13، ط آل البيت.