الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ويمكن التمسك بوجهين لإثبات كون الأرض الخراجية هي ملك للمسلمين بمعنى أنَّ واردها يصرف في مصالح المسلمين:-

الوجه الأول:- إنَّ المعنى الظاهر لا يمكن الأخذ به، لأنَّ المعنى الظاهر هو أنَّ نقسّم الأرض الخراجية إلى أجزاء فجزء لك وجزء لذاك بحيث إذا مات هذا فجزؤه يرثه ورثته أو أنه إذا لم يرثه ورثته سوف ينظم إلى بقية الأجزاء وحينئذٍ تزداد حصة كل مسلم من المسلمين فإذا ماتوا عشرة فهذه العشرة أجزاء من الأرض الخراجية تنضم إلى بقية المسلمين وسوف تزداد حصصهم فلو كان لكل واحد منهم أولاً عشرة امتار فسوف تصير اثنا عشر متراً ، وهذا لا يمكن الالتزام به ولا يحتمله أحد فإنه باطل بالوجدان بالبداهة ومع بطلانه ينحصر تفسير ( هي للمسلمين ) بمعنى أن واردها يكون لصالح جميع المسلمين ولا يوجد معنى آخر مناسب غير هذا.

الوجه الثاني: - إنه لو كان لجميع المسلمين بمعنى أنها تقسم عليهم بالأجزاء لكان ذلك ينعكس على التاريخ ولابد أن ينقل تاريخياً أنَّ هذا الشخص كان له كذا مقدار من الأرض الخراجية وذاك له كذا مقدار فهذه قضية ملفتة للنظر والحال أنه لم ينعكس على التاريخ ذلك ولم ينقل ولم يحتمله محتمل، فالواقع الخارجي هو بنفسه يكذب احتمال أنَّ الأرض الخراجية تصير مقسّمة بالأجزاء ويقوى الاحتمال الاخر وهي أنها تكون لجميع المسلمين بمعنى أنَّ رئيس البلد الإسلامي يحتاج إلى أموال لتدبير شؤون البلاد فمن الخراج تدير الحكومة أمورها وتنظّم أمور البلاد.

وذهب السيد الخميني(قده) إلى أنَّ الأرض الخراجية ليست ملكاً للمسلمين:- فقال لم يثبت أنَّ اللام في عبارة ( لجميع المسلمين ) الواردة في صحيحة الحلبي هي للملكية وإنما الأرض الخراجية هي فكّ ملكٍ وتحرير كما يقال في الوقف ( أوقفت هذا مسجداً ) يعني فككته وجعلته محرراً لوجه الله عزَّ وجل وليستفد منه المسلمون ولكني لم أملّكه إلى شخصٍ منهم وإنما هو تحرير، وهذا مثل الرقبة فقد كانت ملكي ثم أقول للعبد أنت حرٌّ وهذا فكّ ملكٍ وتحرير وليس تمليكاً، وهنا الأمر كذلك، فالأرض الخراجية هي تحرير وفكّ ملكٍ، فليس لها مالك، فلا تقل مالكها هو جميع المسلمين، كما أنَّ مصارفها هي للدولة للعسكر وتعبيد الطرق وغير ذلك، قال:- ( الأقوى هو أنَّ الأرض المفتوحة عنوة ليست ملكاً لأحد بل هي محررة موقفة[1] لمصالح المسلمين وهم غير مالكين لرقبتها ولا لمنافعها بل ليسوا مصرفاً لها كما هو مقتضى رواية حمّاد إنما هي لمصالحهم العامة كالجيش والجهاد وما يحتاج إليه في تشكيل الحكومة والحوائج التي لها من قبيل تعمير الطرق والشوارع إيجاد القناطر إلى غير ذلك ) [2]

وأما الأدلة التي استدل بها لذلك: - فيمكن أن نقسّمها إلى ثلاثة: -

الدليل الأول: - إنَّ اللام قد استدل بها الفقهاء على أن هذه اللام هي لام الملكية فـ( لجميع المسلمين ) يعني هي ملك لجميع المسلمين والحال أنه لم يثبت أن اللام هي للملك وإنما هي أعم من ذلك، نعم اللام في ﴿ لله ما في السموات وما في الأرض﴾ فلله يعني ملكاً له فكل ما في هذا الكون هو ملك له، ولكن توجد استعمالات أخرى لللام مثل ﴿ ولله الأسماء الحسنى﴾ فهنا لا معنى للملكية، فإذاً اللام أعم من الملكية، فهي صالحة لكللا المطلبين فتصير مجملة، قال:- ( بل في دلالة اللام وضعاً على الملكية نظر بل اكثر استعمالاتها في الكتاب العزيز في غير الملكية بالمعنى المعهود نحو قوله تعالى " له الملك وله الحمد " و" له الأسماء الحسنى " ... وكيف كان استعمال اللام في غير الملكية شائع كتاباً وسنةً وعرفاً )[3] .

فإذا دليله الأول هو أنَّ اللام أعم من الملك، فقد تدل على الملك وقد تدل على غيره، فإذا استعملت فحينئذٍ تكون مجملة وبالتالي ما ورد في صحيحة الحلبي من أنَّ الأرض الخراجية هي لجميع المسلمين لا نسطع أن نقول هي للملك.

الدليل الثاني: - إنَّ الملكية للمسلمين لا معنى لها، إذ كيف تكون الأرض الخراجية لجميع المسلمين لمن مضى ولمن هو موجود الآن ولمن يأتي، وخصوصاً من لم يأتِ بعدُ فإنه كيف تكون ملكاً له، فهي الآن ليست ملكاً له ولكن بعد مائة سنة مثلاً حينما يأتي ذلك الشخص تصير ملكاً له وهذا معناه أنَّ حصَّة الموجودين كانت كثيرة وسوف تقل حينما يوجد ذاك الشخص، قال:- ( وعدم إمكان ملكية المعدوم حال عدمه، وما يتوهم من أن الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للمعدوم في غاية السقوط لأن الإضافة ولو كانت اعتبارية لا تعقل بين المعدوم بما هو كذلك وغيره )[4] ، فهو يريد أن يقول إنَّ الملكية هي نحو من الإضافة فيقال إنَّ هذا الشيء ملك لذاك، فالملكية تتقوم بطرفين، وهنا يوجد طرف واحد وهو الأرض الخراجية ولكن الطرف الآخر ليس بموجود فكيف تصدق الإضافة؟!!

الوجه الثالث:- إنه ورد في بعض الروايات أنَّ الأرض المفتوحة عنوة هي فيءٌ للمسلمين ولم تعبّر بالملك، وهذا العدول في التعبير من الملك إلى الفيء يدل على أنها ليست ملكاً للمسلمين، قال:- ( وفي التعبير بالفيء والعدول عن الملك تأييد أو دلالة على أن تلك الأرض راجعة إليهم بنحوٍ ما فإن منافع الأرض إذا كانت لمصلحة المسلمين العامة يصح أن يقال انها فيء المسلمين أو انها أرض المسلمين أو للمسلمين )[5] .

وقبل التعليق على ما ذكره نقول: - هل يوجد اختلاف بينه وبين مدرسة المشهور أو لا؟ إن ما أفاده يتم إذا كان ( ملك للمسلمين ) بمعنى ملكية العين والحال أنَّ المشهور يقولون ليس ملكية العين وإنما تصرف وارداتها لمصالحهم، فالملكية هي بهذا المعنى، وعليه فيوجد تقارب بين رأيه وبين مدرسة المشهور.

أما التعليق على ما ذكره فنقول: -

أما دليله الأول ففي جوابه نقول: - نحن نسلّم كون اللام هي للأعم من الملك ولكن الشيء الأعم الموضوع للجامع المناسب فيه أن تلاحظ الاستعمالات وأنها تتناسب مع أيّ معنىً فيؤخذ به مادامت موضوعة للأعم، ففي مثل قوله تعالى ﴿ ولله الأسماء الحسنى﴾ تفسيرها بمعنى الملك لا يتناسب فلابد أن نفسّر اللام بمعنىً آخر، وما في مثل قوله تعالى ﴿ لله ما في السموات وما في الأرض﴾ فهنا هي للملك ولا تحتاج إلى دليل، وكذلك الحال في تعبير الرواية ( هي لجميع المسلمين ) فهذه لام الملكية ولا يوجد غير ذلك فإن ظاهرها هو ذلك، غايته أنه ثبت من الخارج أنَّ هذه الملكية ليست ملكية للأجزاء لأنَّ هذا المعنى باطل لما تقدم، فلابد أن نقول إنَّ هذه اللام هي للملك ولكن لا بمعنى ملك العين بنحو الاشاعة بأن يكون لكل مسلم مقدار معين منها وإنما بمعنى أنها تكون لصالحهم، وصالحهم هو مثل بناء الجسور والمدارس وما شاكل ذلك، فعلى هذا الأساس يمكن أن نلتزم في موردنا بأنَّ اللام للملك وإن كنّا نسلّم أنها للأعم ولكن المعنى الموضوع للأعم يلاحظ فيه المورد فما يتناسب مع المورد يفسّر ذلك الكلام على طبق ما يتناسب معه، واللام في ( هي لجميع المسلمين ) تتناسب أن تكون للملك فلماذا نبقيها على إجمالها؟!! فإذا صارت ملكاً فنقول إنَّ هذه الملكية هي ليست ملكية للأجزاء وإنما هي ملكية بالمعنى الذي قاله الفقهاء وهي كونها لمصالح المسلمين.


[1] أي متروكة لمصالح المسلمين.
[2] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج3، ص45.
[3] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج3، ص43.
[4] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج3، ص40.
[5] كتاب البيع، الخميني، السيد روح الله، ج3، ص44.