الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الرواية الثانية: - وقد رواها ثلاثة من أجلة أصحابنا محمد بن مسلم وعمار الساباطي وزرارة، وقد رواها عمّار الساباطي وزرارة رووها عن أبي عبد الله عليه السلام وقد رواها محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام، فهي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وصحيح زرارة وموثق عمّار نقلوا هذه الرواية عن الامامين الهمامين عليهما السلام: - ( أنهم سألوا سألوهما عن شراء أهل الدهاقين من أرض الجزية، فقال:- إنه إذا كان ذلك انتزعت منك أو تؤدي عنها ما عليها من الخراج، قال عمّار:- ثم اقبل عليَّ فقال اشترها فإنَّ لك من الحق ما هو أكثر من ذلك )[1] ، وهل المقصود من ( اشترها ) يعني مع دفع الخراج فلو كان كذلك فلم يفعل الامام عليه السلام شيئاً حينما وجّه عمار لأنه من البداية قال إذا أردت أن تشتري الأرض فعليك الخراج، فيتبين أنه حينما قال هنا ( اشترها ) يعني عين الأرض، وهذا ليس ببعيد، فماذا نصنع بهذه الرواية؟

والجواب: - إنه لو قال شخص إنَّ مقصوده عليه السلام من ( من اشترها ) يعني اشترها مع الخراج ولا ينافي أنه التفت إلى عمّار وقال له ذلك، فإن قبلنا بهذا الجواب فبها ونعمت، وإن أصرَّ شخص على أنه حينما التفت الامام عليه السلام إليه وقاله له ( اشترها فإنَّ لك أكثر من الحق ) بقرينة هذا يقصد عين الأرض وليس حق الاختصاص وإلا فلا يحتاج إلى كلّ هذا فإنَّ كل شخصٍ يجوز له أن يأخذها بالخراج، ولكن نقول إنَّ هذا حكم من الامام عليه السلام فإنَّ الأرض الخراجية أمرها بيده، فهو عليه السلام أعطى عمّار إجازةً خاصةً في أن يشتري العين وليست إجازة عامة فإنَّ الاجازة العامة هي أنه لكل مسلم أن يأخذها مقابل الخراج، فكل ما في الدنيا أمر التصرف فيه يرجع إلى الامام عليه السلام ويوجد في ذلك روايات وهذا لا توقف فيه.

فإذاً يمكن الجمع بين هذه الرواية وبين الروايات المتقدّمة بحمل اجازة الشراء الموجودة في هذه الرواية على الاجازة الخاصَّة بتملّك رقبة الأرض، أما لماذا خصص الامام عليه السلام عمّار فهذا شيء آخر، ولكن بالتالي سوف ترتفع المنافاة ويبقى ما ذكرناه من الروايات الخمس زائداً الضرورة التاريخية والوضوح بين الأصحاب سالماً، وتصير النتيجة هي أنَّ الأرض الخراجية لا يجوز بيع رقبتها وإنما يجوز بيع الحق مقابل الخراج.

ويوجد سؤال: - وهو أنَّ الأرض الخراجية المهمة في ذلك الزمان هي أرض السواد - أي أرض العراق - ولكنها فتحت في زمان الخليفة الثاني، يعني ليس بإذن الامام عليه السلام، فإذا لم تكن بإذن الامام لا تصير هذه الأرض ليست أرضاً خراجية لجميع المسلمين وإنما تصير خاصّة بالإمام عليه السلام، وعليه سوف تتغير النتيجة، وهذا إشكال مهم سوف يثار على الأرض الخراجية أي أرض العراق؟

قال البعض: - إنَّ الرجل كان يستشير حين الفتوحات وخصوصاً كان يستشير أمير المؤمنين عليه السلام، افترض أنَّ الخلاف كان موجوداً ولكن الاستشارة كانت موجودة من هذا الجانب والامام عليه السلام كان لا يبخل بالإشارة، وحينما لم يبخل الامام بالإشارة فهذا إذنٌ من قبله.

فإذاً يمكن أن يجاب عن هذا السؤال بهذا الجواب.

ولكن قد تقول: - إنَّ هذا الجواب ضعيف، لأنك بهذا سوف تثبت أنَّ الامام عليه السلام قد أذن، وهذا قد لا يقبل به أيّ شخص بسهولة فإن كون الشخص كان يستشير الامام هي مجرّد دعوى تحتاج إلى اثبات، ومجرّد الدعوى لا يكفي، ولكن نقول: - فإن قبلت بهذا الجواب فبها وإلا فسوف نحاج إلى جوابٍ آخر.

ونحن ننقل صيغة الاشكال التي نقلها صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( ربما أشكل الاستدلال بخبري السواد بأنه لم يفتح بإذن الامام عليه السلام فهو من الأنفال لا للمسلمين فيكون ما فيهما من الحكم بأنها لهم للتقية قال الشيخ بعد أن ذكر حكم هذه الأراضي المفتوحة عنوة:- وعلى الرواية التي رواها أصحابنا - إنَّ كل عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الامام عليه السلام فغنمت تكون الغنية للإمام خاصة - تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت عنوة بعد الرسول إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين عليه السلام إن صحَّ شيء من ذلك يكون للإمام عليه السلام خاصة ويكون من جملة الأنفال التي له عليه السلام خاصة لا يشركه فيها غيره، وربما يؤيد ذلك تحليلهم عليهم السلام لشيعتهم خاصة التصرف في نحو ذلك لتطيب مواليدهم، ... نعم قد يقال بصدور الإذن منهم عليهم السلام في ذلك ففي قاطعة اللجاج قد سمعنا أن عمر استشار أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك ومما يدل عليه فعل عمّار فإنه من خلفاء أمير المؤمنين عليه السلام ولولا أمره لما ساغ له الدخول في أمره، وفي الكفاية الظاهر أن الفتوح التي وقعت في زمن عمر كانت بإذن أمير المؤمنين عليه السلام لأنَّ عمر كان يشاور الصحابة خصوصاً أمير المؤمنين عليه السلام في تدبير الحروب وغيرها وكان لا يصدر إلا عن رأي علي عليه السلام ... )[2] ، فإن اطمأننت إلى هذا الجواب فبها ونعمت.

وإن لم تطمئن إليه فيوجد جواب وآخر: - وهو أنَّ النصوص الخمسة السابقة التي أولها معتبر سنداً ودلالةً والتي قالت هي للمسلمين وعليك الخراج تدل بالالتزام على أنها مفتوحة بإذن الامام عليه السلام وإلا كيف صارت للمسلمين؟!! بل لو لم تكن كذلك للزم أن تكون للإمام عليه السلام، وهذا جوابٌ متينٌ ومختصر.

وبعد أن عرفنا جواب السؤال الأول وهو عدم جواز نقل الأرض الخراجية، وعرفنا جواب السؤال الثاني وهو مدرك عدم جواز نقلها وهو الروايات مع ما ذكرناه معها من الأدلة، يقع الكلام الآن في جواب السؤال الثالث.

السؤال الثالث: - وهو أنه ما معنى ملكية جميع المسلمين للأرض الخراجية؟

والجواب: - إنَّ معناه أن خراجها يصرف في صالح المسلمين من تعبيد الطرق وبناء المستشفيات وغير ذلك من القضايا العامة، ولكن هذه مجرّد دعوى تحتاج إلى اثبات، والروايات لا يوجد فيها ما يثبت ذلك، فما هو المثبت لذلك؟


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص368، أبواب21، بابعقد البیع و شروطه، ح1، ط آل البيت.
[2] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج21، ص160.