الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الرواية الرابعة:- الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن ابي ربيع الشامي عن ابي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا تشتر من أرض السواد شيئاً إلا من كانت له ذمة فإنما هو فيءٌ للمسلمين )[1] ، والفيء هو الغنية التي تحصل من دون أذى ومشقة، فإذاً أرض السواد هي غنيمة لكل المسلمين يعني هي ملك لكل المسلمين، فالرواية واضحة الدلالة على هذا المعنى فأنت لا تشتري رقبة الأرض هذا ما نريده، أما أنك تستطيع أن تشتري حق الاختصاص مقابل دفع الخراج فالرواية لم تتعرض إليه ولكنها تثبت ما اردناه وهو أنها ملك لجميع المسلمين ولا يحق لأحد أن يشتري نفس الرقبة والعين.

بقي في الرواية عبارة ( إلا من كانت له ذمة ) فما هو معناها؟ إنَّ هذه العبارة ليس من المهم معرفة معناها ولكنها لا تؤثر على ما نريد، نعم قد يكون لها تفاسير متعددة ولكن نحن نريد اثباته هو أنها غنيمة لكل المسلمين وقد ثبت ذلك.

وأما سند الرواية:- فطريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعد معتبر والحسين بن سعيد الأهوازي من أجلة أصحابنا والحسن بن محبوب من أجلة أصحابنا أيضاً، أما خالد بن جرير فلا يوجد في حقه توثيق في كتب الرجاليين سوى أنَّ الكشي نقل ما نصه:- ( محمد بن مسعود قال:- سألت علي بن الحن عن خالد بن جرير الذي يروي عنه الحسن بن محبوب، فقال:- كان من بجيلة وكان صالحاً) [2] ، والتعبير بكلمة ( صالح ) يكفي في اثبات الوثاقة، أما محمد بن مسعود فهو العياشي السمرقندي وهو من ثقات أصحابنا، أما علي بن الحسن فهو ابن فضال، أما أبي الربيع الشامي فهو عنده روايات ليست بالقليلة ولا يوجد توثيق في حقه ولكنه ورد في أسانيد تفسير القمي فمن يبني على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد تفسير القمي فسوف تثبت وثاقته وإلا فلا، إذاً الرواية فيها تأمل من حيث السند إلا من يرى وثاقة من ورد في أسانيد تفسير القمي، ولكن الرواية وإن كانت فيها مناقشة سندية ولكن نقول إن هذا لا يعني طرحها وإنما تضاف إلى الروايات السابقة وبالتالي قد يحصل من ذلك الاطمئنان بالحكم.

الرواية الخامسة: - علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن ابي الحسن عليه السلام: - ( ..... والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركابٍ فهي موقوفة متوركة في يد من يعمرها يحييها ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق [ الخراج ][3] النصف أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صلاحاً ولا يضرهم .... )[4] ، ودلالتها واضحة فإن الامام عليه السلام يقل إن الأرض التي أخذت عنوة موقوفة أي متروكة في يد من يعمرها أي تبقى عند من يعمرها ولكن في المقابل يدفع الخراج على قدر طاقته، فإذاً هذه الرواية دلالتها واضحة على أنَّ الأرض المفتوحة عنوة هي أرض خراجية فهي للمسلمين.

وأما سندها فهي مرسلة.

والنتيجة: - هي أننا ذكرنا خمسة روايات دلالة الجميع جيدة الرواية الأولى منها تامة سنداً ودلالة ولكن بقية الروايات تامة دلالة ولكن يمكن مناقشة سندها ولكن نقول إنه حتى لو فرض وجود تأمل من حيث سندها ولكنها جيدة من حيث الدلالة وسوف تنضم إلى الراية الأولى التامة وعليه فسوف يطمأن إن لم يجزم بأن الأرض الخراجية - يعني المفتوحة عنوة - هي لجميع المسلمين بمعنى أنَّ كل واحدٍ منهم له الحق، فالوالي يتمكن أن يدفع مقداراً منها إلى شخصٍ ليستفيد منها مقابل دفع الأجرة التي يُعبّر عنها بالخراج.

وذكر الشيخ الأنصاري(قده) رواية أخرى:- وهي رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي حيث ورد فيها:- ( وعنه[5] عن غير واحد[6] عن أبان بن عثمان عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أرضاً من أهل الذمة من الخراج ... وسألته عن رجل اشترى أرضاً من أرض الخراج فبنى بها أو لم يبنِ غير أن أناساً من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال:- يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال )[7] ، وسندها لا بأس به، ولكن الرواية لا ربط لها بموردنا فذكرها هنا ليس في محله، لأننا نريد اثبات أنَّ أرض الخراج هي لجميع المسلمين والشراء يكون لحق الاختصاص مقابل الخراج ولكن هذه الرواية لا تدل عليه، فذكرها هنا من قبل الشيخ الأعظم(قده) ليس في محله، ونحن سوف لا نعدّها في جملة الروايات.

وذكر الملا أحمد الراقي(قده) في مستنده ثمانية وعشرين رواية لإثبات أنَّ أرض الخراج هي لجميع المسلمين والشراء يكون للحق مقابل دفع الخراج ومن جملة الروايات التي ذكرها هو ما ذكرناه من الروايات الخمس المتقدمة، وعند مراجعة الروايات التي ذكرها لم نجد فيها ما ينفع في مقامنا.

والنتيجة:- هي أنه يمكن أن يقال إنَّ هذا الحكم ثابت بضميمة بعض الأمور إلى بعض بحيث يحصل القطع به أولاً الروايات الخمس المتقدمة التي أوّلها معتبرة السند، وثانياً معروفية الحكم بين الأصحاب، فإنَّ المعروف بينهم أنَّ أرض الخراج هي للمسلمين ولا يتمكن أن يأخذ شخص شيئاً منها بنحو حق الاختصاص إلا مقابل دفع الخراج، ولا نقول إنه يوجد إجماع على هذا الحكم فإنَّ الاجماع ليس بثابتٍ لوجود الروايات، ولكن نفس المعروفية مؤثرة، وثالثاً الضرورة التاريخية تثبت ذلك، فإنه معلوم بالتاريخ أنه توجد أرض الخراج وكان البعض يأخذها مقابل دفع الخراج، فمن حيث التاريخ القضية كانت واضحة، فإذاً بضمّ بعضٍ إلى بعضٍ يورث الاطمئنان بل أكثر من الاطمئنان للفقيه بهذا الحكم، فإذاً لا شك في الحكم المذكور وهو أن أرض الخراج لا يمكن شراء رقبتها وإنما يمكن شراء الحق مقابل دفع الأجرة التي يعبر عنها بالخراج، وقد قلنا إن الروايات تكفينا للإثبات الشرعي ولكن بضميمة الأمرين الآخرين للذين أشرنا إليهما يمكن أن يحصل القطع للفقيه بالحكم المذكور.

هذا ولكن توجد بعض الروايات قد توحي بجواز بيع رقبة الأرض الخراجية: -

الرواية الأولى: - ما رواه الشيخ بإسناده عن حمّاد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم اشترى أرضاً من أراضي الخراج فقال أمير المؤمنين عليه السلام:- له ما لنا وعليه ما علينا مسلماً كان أو كافراً له ا لأهل الله وعليه ما عليهم )[8] ، وهي تامة السند، والامام عليه السلام يقول فيها ( له ما لنا وعليه ما علينا مسلماً كان أو كافراً ) وأكدها بعد ذلك أكثر فقال ( له ما لأهل الله وعليه ما عليهم ) والرواية قالت ( رجل مسلم اشترى أرضاً من أراضي الخراج )، فهي تدل على جواز بيع رقبة الأرض الخراجية وليس بيع حق الاختصاص.

ولكن الجواب واضح: - فإنَّ المقصود من ( اشترى ) يعني أنه اشترى الحق وليس رقبة الأرض بقرينة الروايات المتقدّمة، فإنَّ شراء الحق هو نحوٌ من الشراء أيضاً، يعني أنه اشترى حقَّ الاختصاص، فهي ليست ضريحة في جواز شراء رقبة الأرض فبقرينة الروايات السابقة تحمل على شراء حق الاختصاص، وبذلك لا تكون معارضة للروايات السابقة، كما أنَّ هذه الرواية تقول لا يشترط أن يكون المشتري للحق مسلماً بل حتى لو كان كافراً ولكن هذه قضية ثانية، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص369، أبواب21، بابباب اشتراط اختصاص البائع بملك المبيع، ح5، ط آل البيت.
[2] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج2، ص637.
[3] وفي نسخة أخرى الموجود بدل كلمة ( الحق ) كلمة( الخراج ).
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص111، أبواب41، بابجهاد العدو، ح2، ط آل البيت.
[5] أي وعن الحسن بن محمد بن سماعة، وهذا نعرفه بقرينه سابقتها من الروايات.
[6] وتعبير غير واحد لا يمكن أن نعتبر الرواية مرسلة من احيته بل لا يوجب الارسال لأن الرواة هم لا أقل ثلاثة فيوجب الاطمئنان من هذه الناحية.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص370، أبواب21، بابعقد البیع، ح10، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص157، أبواب71، بابجهاد العدو، ح6، ط آل البيت.