الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ذكرنا أموراً ونحن الآن نقدم الأمر الرابع ونجعله ثانياً إذ لعل هذا هو الأجدر والأولى من حيث الجنبة المنهجية فالكلام يقع الآن في الأمر الرابع.

الأمر الثاني: - ما هو مدرك جواز بيع الأرض الخراجية؟

إنَّ المدرك المهم هو الروايات: -

الرواية الأولى: - ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صوفان بن يحيى عن ابن مسكان عن محمد الحلبي قال: - ( سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: - هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الاسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد، فقلت: - الشراء من الدهاقين؟ قال:- لا يصلح إلا أن تشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها، قلت:- فإن أخذها منه، قال:- يرد عليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها بما عمل )[1] ، وسند الرواية معتبر فإنَّ طريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد معتبر والحسين بن سعيد الأهوازي من أجلة أصحابنا وصفوان بن يحيى هو أحد الثلاثة وعبد الله بن مسكان من ثقات أصحابنا وأما محمد الحلبي فقد قال النجاشي ( الحلبيون بين في الكوفة كلهم ثقات )، والسواد هو اسم للعراق بالوضع التعيّني وإنما عبر عنه بالسواد لوجود الزرع الكثير وشدة جودة الزرع تميل خضرته إلى السواد فيرى من البعيد كأنه أسود، ويوجد نقل آخر في القاموس فإنه يقول إنَّ السواد من البلدة عبارة عن قراها، ولعل البعض يقول لعله المقصود هو هذا المعنى الثاني دون الأول، ولكن نقول إنَّ الراوي يسأل عن شيء معهود فيقول سألته عن السواد فواضح أن المقصود هو أرض العراق، فنحن نسلم بذاك المعنى ولكن حينما يقول السواد من دون تشخيصٍ فهذا إشارة إلى المعهود.

والرواية دالة بوضوح على أنَّ أرض السواد هي ملك لكل المسلمين من هو موجود ومن يأتي ولكن الملكية لكل المسلمين لا بمعنى أنَّ كل واحد منهم له مقداراً معيناً منها فإنه على هذا لا تكون ملكاً للكل وإنما هي ملكية خاصة وهي ملكية الفائدة بمعنى أنَّ لهم حق الاستفادة منها والأجرة التي يحصلها الوالي عليها - أي الخراج - يصرفه في مصالح المسلمين كبناء الجسور والشوارع وما شاكل ذلك، فإذاً والي المسلمين يعطي حق التصرف للشخص مقابل دفع الخراج حتى يصرف لصالح المسلمين.

والدهاقين هو جمع دهقان ويقال إنه مثلث الدال وقيل هو مسؤول ورئس البلدة وقيل هو كبير الزارعين، ولعل الأول أنسب، فهو يشتريها من المسؤول عن القرى والامام عليه السلام أجاب وقال: - ( فقلت:- الشراء من الدهاقين؟ قال:- لا يصلح إلا أن تشتر ى منهم على أن يصيرها للمسلمين )، يعني يبقيها للمسلمين لا أن تكون إرثاً لك ( فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها، فقلت:- فإن أخذها منه؟ فقال: - يرد عليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها بما عمل )، لأنه حينما أعطاه الأرض يأخذ منه أجرة مسبقة يعبر عنه بالطسق.

فإذاً من هذه الصحيحة نستفيد بوضوح ان الأرض لا تصير ملكا شخصياً لكل مسلم وإنما له حق الاستفادة منها مقابل الأجرة وهي الخراج.

الرواية الثانية: - وهي ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن ابي بردة بن رجاء قال: - ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال:- ومن يبيع ذلك؟!! هي أرض المسلمين؟!!، قال قلت: - يبيعه الذي هي في يده، قال: - ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟، ثم قال: - لا بأس اشترِ حقه منها ويحوَّل حق المسلمين عليه[2] ولعله يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه )[3] .

ودلالتها لا بأس بها حيث قال له الامام عليه السلام إنها أرض المسلمين لا أنَّ الأرض التي تشتريها تصير ملكاً لك وإنما بمعنى شراء الحق.

يبقى سندها:- فكلَّه معتبر إلا أبي بردة بن الرجاء فنه لا يوجد توثيق في حقه إلا من طريق واحد وهو أنَّ صفوان يروي عنه بناءً على وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة فإن أخذنا بهذا المبنى فسوف تثبت وثاقته، فعلى هذا الأساس الرواية لا بأس بها دلالة فهي تدل على أنَّ أرض الخراج هي أرض المسلمين وأنَّ الذي ينتقل هو حق التصرف لا نفس العين وعلى من يأخذ هذا الحق أن يدفع الخراج، كما أنَّ سندها على المبنى فإنَّ بنيت على وثاقة كل من مبنى عنه أحد الثلاثة كما هو ليس ببعيد فتكون معتبرة، وإذا لم نبنِ على وثاقة كل من روى عنه الثلاثة فهذا لا يعني أنَّ هذه الرواية تكون لا فائدة منها وإنما لو اضفناها على الرواية الأولى فسوف ترتفع درجة الظن، فبضمها تصير مؤيداً وداعماً للرواية الأولى، وهذا يختلف باختلاف الموارد، فعدم اعتبار الرواية لا يعني أننا نطرحها رأساً بل يمكن الاستفادة منها أحياناً ولو لدعم الروايات الأخرى.

الرواية الثالثة: - الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن علي بن الحارث عن بكار بن أبي بكر عن محمد بن شريح قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه وقال:- إنما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها، فقال:- لا بأس إلا أن يستحي من عيب ذلك )[4] ، ودلالتها لا بأس بها فإنه في البداية وإن قال الراوي أن الامام عليه السلام كره شراء أرض الخراج ولكن بعد ذلك اتضح أنَّه قال إنّما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له فإنه يشتريها الرجل وعيله خراجها فقال لا بأس، فإذاً هي دلت على أنه يشتريها في مقابل الخراج، والشراء ليس شراءً للرقبة وإنما شراء الحق ونقله، فإذاً دلالتها واضحة على ذلك.

أما سندها: - فطريق الشيخ إلى الحسين بن محمد بن سماعة معتبر والحسن بن محمد بن سماعة ثقة وعبد الله بن جبلة ثقة أيضاً، يبقى الكلام في علي بن الحارث وبكار بن أبي بكر فإنه لم يرد في حقهما توثيق إلا من يبني على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات، وأما محمد بن شريح فهما اثنان محمد بن شرح الكندي ومحمد بن شريح الحضرمي، والحضرمي ثقة والكندي مجهول، وفي هذه الرواية الوارد هو محمد بن شريح ولا يدرى أي واحد منهما فيبقى أمره مردد وسوف يصير بحكم غير الثقة، إلا أن تستظهر على أن الكندي والحضرمي هي ألقاب لشخصٍ واحد فإذا استظهرت الوحدة فسوف يكون ثقة وإلا فالأمر مشكل، فإذاً الرواية من حيث السند أمرها مشكل ولكن هذا لا يعني سلب القيمة عنها بشكل كلي بل تبقى داعمة لبقية الروايات المعتبرة وعليه سوف يتقوى هذا الحكم.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص369، أبواب12، بابباب اشتراط اختصاص البائع بملك المبيع، ح4، ط آل البيت.
[2] أي على المشتري وهو أنت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص155، أبواب71، بابباب حكم الشراء من أرض الخراج والجزية، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص370، أبواب21، بابباب اشتراط اختصاص البائع بملك المبيع، ح9، ط آل البيت.