الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (99 ) حكم بيع الأرض الخراجية - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ذكرنا أنَّ الفقهاء ذكروا عدَّة شرائط للبيع منها ملكية العوضين وإلا يقع البيع باطلاً، واحترزا بقيد الملكية عن شيئين الأول عن الشيء القابل للملكية ولكنه ليس بمملوك بالفعل كالطير في الهواء والسمك في الماء، والثاني عن مثل الأرض الخراجية التي قد يقال بأنها لا تقبل الملك، واتضح لنا بهذا أنه لماذا بحث الفقهاء الأرض الخراجية في كتاب البيع لأنه من أحد شرائط صحة البيع الملكية، وحيث إنَّ هذا الشرط مفقود في الأرض الخراجية فإنَّ البائع لا يملكها ملكاً شخصياً فلا يقع البيع صحيحاً، ولأجل أن تتضح الأبحاث في هذه النقطة نطرح ستة أسئلة:-

السؤال الأول: - هل عدم جواز نقل الأرض الخراجية أمر متفق عليه أو لا؟

السؤال الثاني: - هل ملكية جميع المسلمين - لمن كان ولمن يكون منهم - للأرض الخراجية[1] شيء متفق عليه أيضاً أو لا؟

السؤال الثالث: - ما معنى ملكية جميع المسلمين للأرض الخراجية؟

السؤال الرابع: - ما هو مدرك جواز الأرض الخراجية؟

السؤال الخامس: - هل الرض الخراجية محددة بحدود معينة كأرض العراق وما شاكل أو أنَّ التحديد ليس بموجود؟

السؤال السادس: - إذا لم تكن الأرض الخراجية مملوكة بالملك الشخصي فكيف تباع وتشترى كما عليه السيرة لأنَّ من مصاديق الأرض الخراجية المتفق عليها تقريباً هي أرض العراق فجزماً يوجد مقدار هو من الأرض الخراجية ولكن السيرة جرت على أن أيّ جزء من أجزاء العراق يباع ويشترى فما هو التوجيه الفني لذلك، فإذا كانت الأرض الخراجية ليست ملكاً شخصياً كسائر أموره للمسلم فكيف تباع وتشترى كما جرت عليه السيرة كأرض العراق ومنها التربة الحسينية المقدسة؟

أما جواب السؤال الأول: - ففي هذا المجال توجد عدة آراء نذكر منها أربعة: -

الرأي الأول: - وهو الرأي السائد والمعروف ولا يبعد أن يكون هو الصحيح، وهو أنها مملوكة تبعاً للآثار ونقلها يصير تبعاً للآثار فإذا زالت الآثار زالت الملكية.

وهذا الرأي عبارة عن أنَّ أقصى ما ثبت هو حق التصرف فوليّ المسلمين يدفع الأرض الخراجية لزيد مثلاً وزيد يستفيد منها فيزرعها أو غير ذلك مقابل دفع الخراج، فهذا الرأي يقول بأنا لا تملك وإنما تباع تبعاً للآثار يعني حقق الاختصاص مادامت الآثار موجودة في مقابل دفع الخراج.

الرأي الثاني: - عدم جواز التعامل عليها بأيّ نحو من الأنحاء ولو بالإجارة أو غير ذلك، وهذا ربما يظهر من الشيخ الطوسي(قده) حيث قال:- ( لا يجوز التصرف فيها ببيع ولا شراء ولا هبة ولا معاوضة ولا يصح أن يبني دوراً ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك ومتى ما فعل شيئاً من ذلك كان التصرف باطلاً وهو على حكم الأصل[2] ) [3] بعبارته يفهم أنه حتى حق التصرف لا يجوز وإلا لكان يقل نعم يستثنى حق التصرف فلولي المسلمين أن ينقل حق التصرف إلى أشخاص المسلمين مقابل الخراج ولكنه نفى كل ذلك فليس من البعيد أن يفهم من عبارته ذلك كما هو ليس ببعيد.

وهذا الرأي غريب.

الرأي الثالث:- وهو ما عن الشهيد الأول في الدروس والشهيد الثاني في المسالك، قال الشيد الثاني(قده):- ( من انتقال الرقبة تبعاً للآثار وزوال انتقال الرقبة بزوال الآثار )، وفرق هذا الرأي عن الرأي الأول هو أنه في الرأي الأول له حق التصرف فقط أما هذا الرأي فهو يقول إنَّ الأرض تنتقل لك وتصير ملكاً لك ولكنه ملك مادامي فمادام الآثار موجودة فسوف تنتقل لك وتصير ملكا لك أما إذا زالت الاثار فسوف يزول ملكك أيضاً، وقال الشهيد الأول في شرح عبارة المحقق في الشرائع حيث قال المحقق:- ( لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها )، وعلّق الشهيد الثاني(قده) وقال:- ( المراد لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلةً أما فعل ذلك بها تبعاً لآثار التصرف من بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى )[4] ، فإذاً على رأي الشهيد الثاني(قده) الأرض الخراجية قابلة لأن تنتقل وتملك ولكن تبعاً للآثار فإن زالت الآثار زالت الملكية أيضاً، وقال الشهيد الأول(قده):- ( لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الامام سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك )[5] ، وهو قال ينفذ ذلك ولم يقل تبعاً للآثار، وعبارته قد توحي أنه يجوز ذلك من دون آثار لكن هذا غريب جداً فلابد أن نقول إنَّ مقصوده مع الآثار.

الرأي الرابع:- وهو ما توحي به عبارة الشيخ الطوسي(قده) وهو أنه يجوز التعامل على الأرض الخراجية مستقلاً من دون ملاحظة الآثار وتبعاً لها، قال:- ( إنا قد قسمنا الأرضين على ثلاثة أقسام أرض أسلم أهلها عليها ... وأرض تؤخذ عنوةً أو يصالح أهلها عليها فقد أُبِحنا شراءها وبيعها لأنَّ لنا في ذلك قسماً لأنها أراضي المسلمين )[6] ، فإنه يفهم من عبارته أننا لا نحتاج إلى الآثار في البيع والشراء وإنما يجوز بيع نفس رقبة الأرض الخراجية من دون الحاجة إلى ذلك.


[1] ولكنها ملكية خاصة لا تقبل البيع والارث.
[2] فإنَّ الأصل الأولي قبل أن تفعل شيئا لا حق لك فلو تصرفت الآن فأيضاً لا شيء لك الآن.
[3] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص34.
[4] مسالك الافهام، الشهيد الثاني، ج3، ص56.
[5] الدروس، الشهيد الأول، ج2، ص41.
[6] تهذيب الأحكام، الطوسي، ج4، ص145_ 146.