الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 97 ) جواز بيع الوقف - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

النقطة الثانية: - وهي تشتمل على أحكام ثلاثة، قال السيد الماتن(قده) ما نصه: - ( كما أنَّ الأحوط أن شتري بثمنه ملكاً ويوقف على لنهج الذي كان عليه الوقف الأول ).

وكان من المناسب تغيير العبارة فيقال: - ( كما أنَّ الأحوط أن يُشترَى بثمنه ملكٌ ... ).

الحكم الأول: - بعد أن بيع الوقف الذي خرب[1] فالأحوط أن يشترى بثمنه ملكاً آخر[2] ، كما لو كان الوقف الأول داراً فيشترى بثمنها داراً أيضاً.

الحكم الثاني: - الأحوط أن يوقف الملك الثاني الذي اشتري بثمن الوقف الأول[3] .

الحكم الثالث: - الأحوط أن يوقف الملك الثاني على نهج الوقف الأول.

أما الحكم الأول: - فهو من باب الاحتياط، ولكن ربما يقال: - لماذا يشترى بثمن الوقف الأول مكاً آخر بل لنقل لنقسّم ثمنه بين الموقوف عليهم؟ ولكن نقول:- إنه من الوجيه أن يكون مقصود الواقف هو أنَّ الوقف إذا كان موجوداً ولم يتلف فبها ونعمت وأما إذا بيع قبل تلفه فهو يريد أن يشترى بثمنه ملكاً يوقف كما كان الأصل، وهذا الاحتمال وجيه جداً، ولكن نحن لا نحكم بذلك بنحو الفتوى، وإنما نحكم به بنحو الاحتياط لأنه يوجد احتمال آخر هو أنَّه يحتمل أنَّ الواقف يريد أن العين الموقوفة متى ما كانت موجودة فهو يريدها وقفاً أما إذا خربت فلا نجزم بأنه يريد البدل، كالدار فإنه متى ما كانت الدار محافظة على نفسها فهو يريدها وقفاً أما إذا خربت فلا نجزم أنه يريد البدل ولكنه احتمال قوي ووجيه، ولأجل التحفظ على الفتوى من الانحراف نحتاط في ذلك لأننا لا نجزم بذلك ، نعم لو جزمنا بكونه يريد البدل كما لو صرَّح الواقف بذلك فهنا سوف نفتي به لأننا نجزم بأن غرضه هو هذا، ولكن بما أنَّ الجزم قد يكون أمراً مشكلاً فذللك قال السيد الماتن(قده) الأحوط هو ذلك، ولذلك قال:- ( كما أنَّ الأحوط أن يشتري بثمنه ملكاً ) يعني بدل الأول.

وأما الحكم الثاني: - فهو أيضاً من باب الاحتياط، ولماذا لم يجرم بأنَّ يوقف فالبدل؟، ولماذا هو أحوط؟

أما أنه لم يجزم بأنَّ البدل يوقف فذلك لوجاهة أن يقال إنَّ هذا البدل يصير وقفاً بشكلٍ قهري بسبب الوقف الأول، فحينما أوقف الواقف الوقف الأول فهذا الايقاف بلسانه الظاهري هو إيقافٌ للعين وبلسانه الباطني هو ناظر إلى البدل أيضاً، فوقف البدل يكون حاصلاً بالوقف الأول من قبل الواقف الأصلي، وهذا الاحتمال موجود ووجيه، وتوجد قرينة على ذلك، وهي أنه إذا لم يكن البدل وقفاً الآن وإنما سوف يصير وقفاً فيما بعد فهذا يعني أنه سوف يتخلل ما بين الوقفين صيرورته ملكاً طلقاً - يعني أنَّ البدل قبل أن نوقفه هو ملك طلق - وهذا الاحتمال ليس بوجيه، لأنه إذا كان ملكاً طلقاً جاز للموقوف عليهم أن يأكلوه لأنه ليس وقفاً الآن، فإذا أكله شخص منهم فحينئذٍ لا يكون ضامناً لأنه ملك مطلق للموقوف عليهم ، فإذاً هذا الاحتمال فيه لوازم باطلة، أولها إنه من البعيد أنَّ يكون الشيء الواحد تتخلله الملكية الطلقة في البين، وثانياً إنَّ من لوازم الملكية الطلقة هي أنه لو استولى عليه بعض الموقوف عليهم وأكله لا يكون ضامناً وهذا لا يمكن الالتزام به، فإذاً هذه مقربات للقول بأنَّ وقف البدل يحصل بشكلٍ قهري، ولكن مع ذلك لا نجزم بعدم الحاجة إلى الايقاف بل الأحوط وجوباً ذلك، لاحتمال أنَّ المالك ناظر إلى إيقاف العين لا أكثر فيحتاج البدل إلى اجراء الصيغة، فلأجل وجود هذا الاحتمال يكون الاحتياط وجيهاً.

أو نعلل تعليلياً ثانياً للقول بالاحتياط، وهو أنَّ هذا حكم مبنيّ على حكمٍ احتياطي، لأنَّ شراء البدل هو حكمٌ احتياطي، فما يتفرّع عليه من إيقافه أيضاً يكون احتياطياً، وهذا تعليل وجيه أيضاً.

وأما الحكم الثالث: - وهو أن يكون وقف البدل على النهج الذي كان عليه النهج الأول، فهنا يأتي السؤالان السابقان: -

الأول: - لماذا يكون وقف البدل على نهج الوقف الأول؟

والجواب: - إنه ليس من البعيد أن غرض الواقف أن يكون نهج الوقف في الأصل وفي البدل بشكل واحد، فلو كان الأصل موقوفاً على ذريته فعادةً الواقف يريد نهج الوقف في الأصل وفي البدل واحد، فغرض الواقف هو أنه يريد وقف الأصل ووقف البدل على نهجٍ واحدٍ، كما لو كان وقفاً على ذريته الذكور من أهل العلم أو غير ذلك، فهو على نهج الوقف الأول.

الثاني: - لماذا يكون هذا الحكم على نحو الاحتياط وليس بنحو الفتوى؟ والجواب: - إنه لما أشرنا إليه فيما تقدم من أنَّ هذا الحكم مبني على حكمٍ سابق هو احتياطي، لأنَّ أصل شراء البدل وإيقافه احتياطي، وما يبنى على الاحتياط أولى أن يكون حكماً احتياطياً.

النقطة الثالثة: - قال السيد الماتن(قده):- ( نعم لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر أو في وقف آخر إذا كان موقوفاً على نهج وقف الخراب ).

وتشتمل هذه النقطة على حكمٍ واحد، وهذه النقطة ناظرة إلى حالة ما إذا فرض أنَّ الوقف خرب بعضه، كما لو خرب نصف الدار فحينئذٍ يباع القسم الخراب ويصرف على القسم العامر منها، أو إذا فرض أنه يوجد وقف على نهج هذا الوقف فيصرف ثمن الخراب الذي بيع على ذلك الوقف الآخر الذي هو نظير هذا الوقف، كما لو فرض وجود دارٍ ثانية أوقفها الواقف أيضاً على نفس الموقف عليهم، فحينئذٍ إذا بيع القسم الخراب من الدار الأولى فإما أن يصرف على نصف نفس الدار العامر أو أنه يصرف على الوقف الثاني الموقوف على نهج الوقف الأول، والنكتة في ذلك واضحة فإنَّ كلاهما يتساويان بالنسبة إلى غرض الواقف، لأنَّ الاثنين مرتبطان بموقوف عليه واحد، فسواء صرف ثمن الخراب في القسم العامر من الوقف الأول أو صرفه في الوقف الثاني فكلاهما يتلاءمان مع غرض الواقف. وهو شيء جيد.


[1] على ما ذكرنا في النقطة الأولى سواء كان الذي باعه هو المتولي أو الحاكم الشرعي.
[2] ولابد من ملاحظة المواصفات الأقرب فالقرب للوقف الأول وهذا من الواضحات، لأنَّ الأقرب إلى مقصود الواقف وإلى الوقف الأول لابد من ملاحظته مهما أمكن.
[3] وهذا في مقابل احتمال أنه يكون وقفاً بشكلٍ قهري من دون حاجة إلى أن يوقف.