الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 97 ) جواز بيع الوقف - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

مسألة ( 97 ):- إذا جاز بيع الوقف فإن كان من الأوقاف غير المحتاجة إلى المتولي كالوقف على الأشخاص المعينين لم يحتج إلى إجازة غيرهم، وإلا فإن كان له متولٍ خاص فاللازم مراجعته ويكون البيع بإذنه، وإذا كان للوقف متولٍ خاص فاللازم مراجعته ويكون البيع بإذنه، وإلا فالأحوط مراجعة الحاكم الشرعي والاستئذان منه في البيع...

..........................................................................................................

تشتمل هذه المسألة على أربع نقاط، النقطة الأولى منها تشتمل على ثلاثة أحكام، وكلّها ترتبط بخراب الوقف، يعني إذا صار الوقف خراباً فحكمه البيع ولكن من الذي يتصدى للبيع؟ فالمسألة تدور حول هذا الأمر.

النقطة الأولى: - وهي تشتمل على ثلاثة أحكام: -

الحكم الأول: - إذا كان الوقف على جماعة محدودة مثل الجيل الأول كما ل أراد شخص أن يوقف شيئاً على الجيل الأول فقط من أولاده ففي مثل هذه الحالة إذا خرب الوقف واحتاج إلى بيع وإبداله بوقف آخر بشراء البدل فالذي يتصدى للبيع من هو فهل هو الحاكم الشرعي أو المتولي أو ماذا؟ إنه في هذه الحالة لا نحتاج إلى الحاكم الشرعي لا إلى المتولي لأنَّ العدد محدود وكلهم موجودون فحينئذٍ هم يتصدون للبيع.

ولم يبين السيد الماتن(قده) كيفية تصديهم للبيع وإنما سكت عنه، فلو كان عددهم أربعين شخصاً مثلاً فهنا كيف يتصدون للبيع فهل يذهب جميع الأربعين ويبيعون الوقف أو ماذا؟ إنه رغم أنه لم يبين ذلك ولكن المقصود هو أنهم إذا أوكلوا الأمر إلى واحدٍ منهم ككبيرهم مثلاً فبها، وإن اتفقوا على القرعة فيقرعون بينهم ... أو ما شاكل ذلك، وهذا لا يحتاج إلى أن يبينه السيد الماتن، أما إذا لم يتفقوا فيما بينهم فهنا تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي لحل هذه الخصومة، فهو يتصدى للبيع أو ينصب شخصاً منهم أو ينصب شخصاً خارجاً عنهم، وكان من المناسب أن يبيّن السيد الماتن ذلك، وقد أشار السيد الماتن إلى هذا الحكم بقوله:- ( إذا جاز بيع الوقف فإن كان من الأوقاف غير المحتاجة إلى المتولي كالوقف على الأشخاص المعينين لم يحتج إلى إجازة غيرهم، وإلا فإن كان له متولٍ خاص فاللازم مراجعته ويكون البيع بإذنه ).

الحكم الثاني: - إذا لم يكن عدد الموقوف عليهم محدوداً وإنما كان يشمل الجيل الأول الجيل الثاني ... وهكذا وكان الواقف قد نصب متولياً فإذا خرب الوقف واحتاج إلى البيع فلو تصدى الجيل الأول فيصح بيع الوقف من قبل هذا الجيل بموافقة المتولي، فهذا الجيل يتصدى للبيع مع المتولي بلحاظ الأجيال التالية، فحينئذٍ يبيعون بالاتفاق فيما بينهم، قال:- ( وإذا كان للوقف متولٍ خاص فاللازم مراجعته ويكون البيع بإذنه ).

ولعله إذا أرادوا بيع الوقف فيستطيع شخص أن يقول إنَّ الجيل الأول لا نحتاج إلى ممثل عنه، بل المفروض أنَّ المتولي قد نصبه الواقف على الكل فله في هذا الحق، فحينئذٍ المتولي هو الذي يتصدى للبيع، إلا إذا كان الواقف قد نصب المتولي لخصوص لأجيال اللاحقة، ولكن عادةً الأمر ليس كذلك وإنما الواقف ينصب المتولي للأشياء التي يحتاج إليها الوقف مثل البيع، فقضية البيع تصير بإذنه ومن قبله ولا نحتاج إلى ممثل ٍحتى عن الجيل الأول.

وقد يقال: - إذا كان الجيل الأول موجود كيف إذنهم غير معتبر؟

والجواب: - وهو أن ( الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ) فإن الواقف أراد أن يصير البيع والشراء بأمر المتولي، وعليه فلا نحتاج إلى إذنهم.

الحكم الثالث: - إذا فرض أنَّ العدد غير محدود - أي على كل الأجيال - والمتولي غير موجود فالحوط وجوباً إناطة الأمر بالحاكم الشرعي في التصدي للبيع، والحاكم الشرعي إما أن يعيّن واحداً منهم أو ينصب شخصاً آخر أو هو الذي يتصدى بنفسه للبيع، قال: - ( وإلا فالأحوط مراجعة الحاكم الشرعي والاستئذان منه في البيع ).

ونشير إلى فقضيتين: -

القضية الأولى: - إنَّ في الحالة الأولى والحالة الثانية هل نحتاج إلى مراجعة الحاكم الشرعي أو لا؟ والسيد الخوئي حينما سكت فسكوته يدل على أننا لا نحتاج إلى ذلك، ولكن هل يمكن أن نقول هناك حاجة إلى إذنه حتى في الصورة الأولى والثانية ولا أقل الصورة الثانية نحتاج إلى مراجعة الحاكم الشرعي، فالأحوط مراجعة الحاكم الشرعي في الصورتين الأولى والثانية، لأنه افترض أن الواقف نصب متولياً ولكن المتولي ليس فقيها وليس من المعلوم أنه متفقه بشكل جيد، فمثلاً في الصورة الأولى المفروض أنه طرأ الخراب ولكن هذا الخراب هل واصل إلى درجة يجوّز البيع؟!! إنَّ هذه قضية لا يعرفها كل إنسان، فلو كان الانسان من عوام الناس يقول إنه خرب فلنبعه، ولكن نقول إنَّ تشخيص كون الخراب يستدعي البيع أو لا يستدعيه يحتاج إلى فقيه، لأنَّ بعض الخراب لا يحتاج إلى البيع وإنما يمكن إصلاحه كما حصل شق في جدار الوقف ويمكن إصلاحه، فإذا تركت القضية بيد عوام الناس فقد تسير الأمور في غير مجاريها المناسبة، فمن هذا الباب الأحوط مراجعة الحاكم الشرعي في الصورة الأولى والثانية وإشرافه من باب الحذر وضبط الأمور، وهذه نكتة لطيفة ولعله لأجلها اعتبر السيد الحكيم(قده) في منهاجه اعتبر مراجعة الحاكم الشرعي في كل الصور، ولم يعلق السيد الشهيد(قده) على هذا يعني أنه موافق على هذا، فلعل هذين العلمين أرجعا إلى الحاكم الشرعي في الصورة الأولى والثانية خلافاً للسيد الماتن لأجل هذه النكتة، وهو شيء حسن.

القضية الثانية: - إنه في الصورة الثالثة التي يكون فيها الوقف على كل الأجيال والمتولي ليس منصوباً من قبل الواقف فقد ذكر السيد الماتن أنَّ الأحوط وجوباً الرجوع إلى الحاكم الشرعي فيكون البيع تحت اشرافه، وربّ قائل يقول: - لماذا الاحتياط الوجوبي بل لابد من الفتوى بلزوم الرجوع إلى الحاكم الشرعي لأنَّ الوقف ليس على عدد محدود وإنما على كل الأجيال كما لا يوجد متولي إلى الأجيال الباقية وعليه فيلزم مراجعة الحاكم الشرعي بنحو الفتوى لا أنه بنحو الاحتياط الوجوبي؟!!

والجواب: - إنَّ أصل مراجعة الحاكم الشرعي في كل مورد من هذا القبيل لا يوجد عليه دليل من آية أو رواية وإنما الدليل هو ليس إلا كون المورد من الأمور الحسبية - أي الأمور التي يريدها الشارع جزماً - والقدر المتيقن من جوازها حالة تدخل الفقيه وإشرافه، لأنَّ هذا الوقف قد آل إلى الخراب وسوف وإذا لم يباع فسوف يتلف وسوف تتضرر كل الأجيال فالبيع متعين، وهذا أمر حسبي، كما ان هذا البيع لم يعهد إلى شخص معين فإنه لا يوجد عندنا دليل يعيّن له شخصاً فيدور الأمر بين أن يكون المتصدّي لذلك هو كل شخص أو خصوص الحاكم الشرعي العارف بالأمور، ولو قلت كيف يكون الفقيه أعرف بذلك؟ قلنا إن الفقيه يستعين بخبراء وهو يصير مشرفاً فالقضية تصير مضبوط أكثر، فالقدر المتيقن أنها تكون تحت إشراف الفقيه والفقيه يستعين بالخبراء فيدرسون القضية وتصير مضبوطة أكثر، فإذاً أصل مراجعة الفقيه والرجوع إليه في أمثال هذه الموارد هي مبنية على الاحتياط من باب كون المورد من الأمور الحسبية، فلذلك لابد أن نذكر الاحتياط الوجوبي ولا معنى للفتوى في الأمور الحسبية لأنه لا دليل لفظي على ذلك بل من باب فكرة القدر المتيقن فيصير من باب الاحتياط، فنقول بالاحتياط في كل موردٍ من هذا القبيل، وهذه نكتة لطيفة ينبغي الالتفات إليها.