الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة، مسألة ( 96 ) حكم عدم جواز بيع المسجد وجواز بيع بقية الأوقاف العامة في أحد الصور الست المتقدمة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الوجه الثاني: - ما هو المنقول عن الفاضل المقداد في التنقيح الرائع حيث قال يجوز البيع لأنه إذا لم يبع الوقف في هذه الصورة يلزم إضاعة المال وإضاعة المال لا تجوز، وقد نقل ذلك عنه الشيخ الأعظم(قده) حيث قال:- ( إن بقاء الوقف على حاله والحال هذه إضاعة واتلاف للمال وهو منهي عنه شرعاً فيكون البيع جائزاً ). [1]

ومن المناسب أن يقول: - ( فيكون البيع واجباً )، لأنَّ إضاعة المال لا تجوز فالبيع يكون واجباً، ولكن هذا الجواز هو بالمعنى الأعم فإنَّ ( جائزاً ) في مقابل الحرمة الموجودة فتكون الحرمة مرتفعة، يعني أنه يثبت الجواز الأعم الذي يصير مصداقه في ضمن الوجوب، ولكن هذا تطويل، إلا أن يقول نحن نريد أن نثبت الجواز فلو ثبت الجواز قُل بل هو واجب.

وفي مقام المناقشة نقول: - هنا فرق بين أن يسعى الشخص لتضييع واتلاف المال وين أن لا يسعى بل يتركه فيتلف، وتركه إلى أن يتلف ليس بمحرم، كما لو كان ساكناً في دار ولم يعمرها فإنه لو لم يعمّرها فسوف تتلف ويضيع فهذا ليس بحرام، فهناك فرق الاضاعة والتضييع، كما لو كان البيت جدياً وأنا هدمته هذا تضييع واتلاف تبذير فيكون حراماً، أما أنه يترك البيت فيتلف شيئاً فشيئاً فهذا لا يحتمل أحد حرمته، فإذاً ما ذكره الفاضل المقدار شيء غريب، بل لابد أن نفصّل ف ذلك فغن تضييع المال بإتلافه فهذا لا يجوز أما ترك المال إلى أن يتلف فهذا لا يمكن الالتزام بحرمته كما مثلنا وقد تكون السيرة جارية على ذلك، فمن لم يعمّر الدار وانهدمت لا يقال قد فعل محرماً وإنما يلام على ذلك لكونه عاقلاً، فهو يعاتب لا أنه فعل حراماً.

الدليل الثالث: - ما ذكره العلامة الحلي وغيره حسب نقل الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب، حاصله إنَّ غرض الواقف استفادة جميع البطون فإذا لم يبع وآل إلى الانهدام وانهدم بالفعل فهذا تضييع لهذا الغرض وتضييع الغرض لا يجوز، قال الشيخ الأعظم(قده):- ( من أن الغرض من الوقف استيفاء منافعه والجمود على العين وعدم بيعها يلزم منه تضييع الغرض المذكور )[2] .

وهذا الدليل قريب من الدليل السابق له ولكن هذا الدليل تمسك بكلمة ( غرض ) أما الدليل السابق فقد تمسك بكلمة ( إتلاف )، فالروح واحدة تقريباً لكن الألفاظ مختلفة.

والجواب واضح حيث يقال: - إنَّ السعي إلى تضييع الغرض هو المحرم، كأن يسعى إلى ألا يتحقق غرض الوقف وغرض الواقف، أما إذا كان لا يسعى وإلى ذلك وإنما يتركه حتى يتلف فهذا ليس سعياً إلى تضييع غرض الوقف والواقف وإنما بالتالي يلزم فوات غرض الواقف من دون سع إلى تفويت هذا الغرض والقول بعدم جواز هذا هو أوّل الكلام.

إذاً من خلال هذا اتضح أن هذه الوجوه الثلاثة التي يمكن أن تذكر لإثبات جواز بيع الوقف في الصورة السادسة من صور المنهاج قابلة للمناقشة والمناسب أحد الوجهين الأولين.

 

مسألة ( 96 ):- ما ذكرناه من جواز البيع في الصورة المذكورة لا يجري في المساجد فإنها لا يجوز بيعها على كل حال، نعم يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين وكتب العلم والمدارس والرباطات الموقوفة على الجهات الخاصة.

..........................................................................................................

ومضمون المسألة واضح، هو أنَّ الأصل الأولي هو أن بيع الوقف لا يجوز كما ذكرنا ولكن هناك نحوان من الوقف الأول المساجد فهي مستثناة فلا يجوز بيع المساجد بأيّ شكل من الأشكال وبأيَّ نحو من الأنحاء، والثاني يجوز فيه ذلك وهي مثل الخانات للمسافرين وكتب العلم والمدارس والرباطات[3] .

فإذاً هذ المسألة تشتمل على فرعين: -

الفرع الأول: - إنَّ المساجد هي وقف ولكن لا يجوز بيعها.

الفرع الثاني:- غير المساجد من الرباطات والخانات والدارس وكتب العلم وما شاكل ذلك يجوز بيعها فيما إذا كانت مصداقا لأحد الصور الست المتقدمة ، فحينئذٍ يجري فيها ما يجري على الدور الموقوفة، فكما جوزنا البيع في الدور الموقوفة البيع في ستة صور فهذه الرباطات أو خانات المسافرين أو ما شاكلها أيضاً يجري فيها ذلك، وهذا لا يحتاج إلى بحث سوى أن تلك دور موقوفة أما هذه كتب موقوفة أو خانات موقوفة، ولكن هذا لا يؤثر في الفرق، فيجري في الخانات والمدارس وغيرها من الأوقاف غير المساجد ما ذكرناه في وقف الدور وقد قلنا إن يجوز البيع في ست صورة فهنا أيضاً الأمر كذلك، فإذاً لا كلام من هذه الناحية.

إنما الكلام في المساجد بالنسبة، فإنَّ المساجد لا يجوز بيعها، ومسألة عدم جواز بيع السجد من القضايا الواضحة، ولكن الكلام في التخريج الفني لذلك، وإلا فهذا الحكم مسلّم ولا يقول أحد بالجواز، فإذاً كيف نخرّج عدم جواز بيعها فنياً؟

وقبل الدخول في هذا الموضوع نشير إلى قضية: - وهي أنَّ هذ المسألة لا داعي لذكرها في الرسالة العملية فإنها مسألة علمية لا أنها مسألة عملية، فهي لا ترتبط بابتلاء الناس وإبدالها بمسائل ابتلائية أخرى.

وما هو المسجد؟

والجواب:- المسجد هو العرصة الأرض - فمن أوقف هذه الأرض على أن تكون مسجداً فقد تحققت المسجدية، غايته تبنى بعد ذلك جدران وسقف ، فالمسجدية متقومة بالأرض والجدران قائمة في المسجد، نعم لو فرض أن شخصاً بنى هذا البناء وبعد أن أتمه أوقفه مسجداً فحينئذٍ سوف تصير الأرض والجدران وكل ذلك مسجداً، ولكن لو كان عند شخص عرصة فيتمكن أن يوقفها مسجداً ثم بعد ذلك يبني الجدران، قال صاحب الجواهر(قده) عند البحث في المساجد ما نصّه:- ( لا يجوز بيع عرصة المسجد على حال من الأحوال للأصل وظهور الأدلة من الكتاب والسنَّة والفتاوى والسيرة في ان المسجدية من الأمور الأبدية التي لا يجوز تغييرها إلى غيرها أو نقلها بأحد النواقل بحال من الأحوال نعم غير المسجد من الأوقاف العامة يمكن دعوى جواز تغيير هيأتها إذا قضت به المصلحة بل يجوز بيعها في بعض الأحوال، لكن الانصاف أن كثيراً من هذه المسائل غير منقحة لعدم وضوح أدلتها من الكتاب والسنة بل والفتاوى لما فيها من الاجمال الذي لا يجسر معه على الفتوى بشيء منها ) [4]


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص90.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص90.
[3] الرباطات هي مأوى للفقراء وهي ما يسمى بدار العجزة في زماننا مثلاً فإنه عادةً يوقف هذا المكان لأجلهم.
[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج14، ص96.