الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الصورة السادسة لجواز بيع الوقف: - ومضمونها أن يعلم بسبب طروّ شيء على الوقف علم أنه في المستقبل القريب كسنةٍ مثلاً سوف يسقط عن المنافع المعتد به فضلاً عمّا إذا علم أنه يسقط عن المنفعة رأساً فهنا يجوز البيع، كما لو قرض أنه كان المكان هو بيوت موقوفة ولكن جاء المهندس فنظر إلى الأساس فوجد أنَّ هذا البناء سوف يسقط بعد سنة فإذاً أراد شخص أن يبيعه فلابد أن يبيعه من الآن وإلا سوف يتلف في ذلك الزمان فهذا يجوز بيعه، ولكن من الواضح أنه ينتظر إلى آخر أزمنة الإمكان، بأن نسأل المهندس بأنه هل وجد مجال لتأجيل البيع لمدّة شهر فهنا سوف نؤجل البيع، لأنَّ البيع الآن من دون ضرورة، أما إذا قال فلا يوجد مجال للتأجيل فلابد من البيع الآن وإلا فيف آخر أزمنة الإمكان، قال السيد لماتن:- ( ومنها ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتد بها عرفاً. واللازم حينئذٍ تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء )، وهذه العبارة فيها شيء من الخفاء، والأفضل صياغة العبارة بشكل آخر كأن يقال:- ( ومنها ما إذا أدى بقاؤه إلى خرابه في المستقبل بنحو يسقط عن الانتفاع المعتد به عرفاً ولكن لا يجوز بيع إلا في آخر أزمنة الإمكان )، وهو قيد جواز البيع بسقوطه عن المنفعة المعتد بها وبالأولوية يجوز البيع إذا سقط عن الانتفاع رأساً.

وما الفارق بين هذه الصورة والصورة الأولى بل والثانية؟

والجواب: - حيث يقال هنا يوجد خراب فعلي، يعني أنَّ هذا البناء قد خرب وهذا الفرش قد خرب وهذا المنبر قد خرب بالفعل ولكن إذا اردت أن تبيعه من الآن وتنتظر سوف يخرب وينعدم بشكل نهائي، أما الآن فهو لم يخرب خراباً بحيث سقط عن المنفعة بالكلية وإنما هو خب بالفعل ولكن إذا لم نبعه وانتظرنا فسوف تزول منفعته الكلية أو المعتد بها بينما في الصورة السادسة الوقف باقٍ ولم يخرب بعد ولكن نحن نعرف إنه إذا انتظرنا إلى شهر أو شهرين فسوف يخرب جزماً، إذاً الفارق بين تينك الصورتين وهذه الصورة هو أنه في تينك الصورتين فرض وجود خراب فعلي ولكن بعد لم تزل المنفعة بشكل كلي أو المعتد بها، فصحيح انه خرب الآن لكن يمكن أن نتدارك ذلك ببيعه قبل ان تفوت منفعته رأساً أو تفوت منفعته المعتد بها، أما في الصورة السادسة هو لم يخرب ولكن لو انتظرنا فسوف تذهب المنفعة الكلية أو العتد بها.

وما هو الدليل على جواز بيع الوقف في هذه الحالة؟

والجواب: - يمكن الاستدلال بدليلين دليل نحن نذكره ودليل ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الصورة الأولى والثانية وسحبه إلى هذه الصورة السادسة: -

الدليل الأول: - وهو نفس ما ذكرناه في الصورة الأولى، وحاصله:- إنَّ هناك سيرة عقلائية أو ارتكاز عقلائي في مثل هذه الموارد على بيع الشيء ويذم الشخص من قبل العقلاء إذا لم يبع هذا الشيء الموقوف وشراء البدل، فسيرة العقلاء أو ارتكازهم - ويكفينا الارتكاز العقلائي وإن لم تكن هناك سيرة خارجية - وحيث إنَّ الشرع لم يردع عن هذا الارتكاز العقلائي بعد ضم ضميمة وهي أن هذا الارتكاز إذا لم يردع عنه الشرع فيوماً من الأيام قد يأتي ويبيع العقلاء فيه هذا الوقف بمقتضى ارتكازهم العقلائي، فمن باب الحذر المسبق لابد أن يردع الشرع المقدس عن البيع في مثل هذه الحالة، فعدم الردع عن البيع في مثل هذه الحالة دليل على إمضاء الارتكاز العقلائي، فهذا الدليل الذي ذكرناه هناك نسحبه هنا.

الدليل الثاني: - ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) وهو شيء وجيه ومرجعه إلى عبارة موجزة وعي القصور في مقتضي حرمة بيع الوقف، فإنَّ مقتضي بيع الوقف قاصر عن الشمول لمثل هذه الحالة، فنتمسك بإطلاقات أو عمومات صحة كل بيع مثل ﴿ أحل الله البيع﴾ وما شاكله لإثبات صحة وجواز مثل هذا البيع.

وقد فصّل الشيخ الأعظم هذا الدليل فقال: - إنَّ الموانع المحتملة أربعة، الأول أن يكون ما دل على عدم جواز شراء الوقف مثل ( لا يجوز شراء الوقف ) فنقول إن هذا الدليل منصرف عن مثل هذه الحالة فهو ناظر إلى الحالات العادية للوقف لا مثل هذه الحالة التي لو بقي سوف يسقط عن الانتفاع المعتد به بعد فترة فيدّعى الانصراف وهو قريب، والثاني هو الاجماع، ولو تم الاجماع فهو دليل لبّي القدر المتيقن منه غير هذه الحالة، والثالث هو حق الواقف فإنَّ الواقف له الحق في أن يبقى الوقف ويستفيد الموقوف عليهم ونحن نقول إنَّ حقه موجود ولم نفوت حقه من هذه الناحية، قال(قده):- ( فباعتبار أنه إذا دار الأمر بين انقطاع شخص الوقف أو نوعه فالأرجح انقطاع الشخص وبقاء النوع ضمن دار ثانية وثالثة ) أي نبيع الدور قبل أن تخرب وتسقط عن الانتفاع وهذا أقرب إلى حق الواقف، والرابع هو حق الموقوف عليهم فإن المفروض أنَّ الموقوف عليهم سوف نشتري لهم البدل والموجودين منهم المرفوض أنهم راضين بذلك وأما الذين سيأتون فالمفروض أنه يوجد متولي أو ناظر للوقف والمفروض أنه يجيز طبق المصلحة فإذاً لا مشكلة، فإذاً الموانع الأربعة منتفية، فإذاً لا مشكلة في البين.

أدلة أخرى استدل بها في المقام على جواز بيع الوقف: -

الدليل الأول: - ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده) حيث قال في منية الطالب إذا جاز البيع في الصورة الأولى جاز في هذه الصورة، إذ في الصورة الأولى أو في الصورة الثانية أن يكون خراباً بالفعل وإذا لم يبع من الآن سوف تذهب المنفعة رأساً - هذا في الصورة الأولى - أو تذهب المنفعة المعتد بها - هذا في الصورة الثانية[1] - فإذا جاز البيع في الصورة الأولى جاز البيع في صورتنا هذه لأننا نعلم أنَّ المهندس نظر إلى الوقف وقال إن هذا الوقف سوف يتلف بعد سنة أو تزول المنفعة المعتد بها فهنا إما أن يحصل لنا العلم بذلك أو يحصل لنا الظن، فإن حصل العلم أو الاحتمال فهذا العلم أو الاحتمال طريق إلى متعلقه وهو الخراب وسوف يثبت بذلك الخراب يعني سوف يصير هذا الاحتمال أو هذا العلم بعد كونه طريقاً سوف يصير المتعلق ثابت وهو الخراب فصار عيين الصورة الأولى ولا فرق بينهما.

وهذا الكلام ذكره في الصورة الرابعة من صور منهاج الصالحين حيث نقلنا كلاماً للشيخ النائيني هو نفس هذا الكلام.

والجواب هو الجواب حيث نقول: - نحن نسلّم أنَّ العلم طريق إلى المعلوم وكذلك الاحتمال العقلائي طريق إلى المحتمل فإنَّ الاحتمال الوجيه يأخذ ب العقلاء وهو حجة كالعلم ولكن متعلق العلم أو متعلّق الاحتمال ما هو فهل هو الخراب الفعلي أو المتعلَّق هو الخراب المستقبلي، وفي هذه الصورة المتعلَّق هو الخراب المستقبلي فنحن نسلَّم أنَّ هذا الاحتمال أو هذا العلم هو طريق إلى الخراب بعد سنة لا أنَّ الخراب الآن فكيف يصير حكمه عين حكم الصورة الأولى؟!! وإذا جوزنا البيع في الصورة نجوزه هنا فإنه في الصورة الأولى المفروض أنَّ الخراب فعلي، فإذا كان الخراب فعلي فيجوز البيع، أما الخراب هنا فهو مستقبلي وليس فعلياً فإذاً لا يثبت بذلك الخراب الفعلي فكيف حكمه حكم يصير كالصورة الأولى؟!!

وقد يدافع ويقال: - لعل الشيخ النائيني(قده) ملتفت إلى أنَّ هذه الصورة لا ترجع إلى تلك الصورة لأنه في تلك الصورة الخراب يكون فعلياً أما في هذه الصورة الخراب مستقبلي، ولكنه لم يذكره لوضوحه.

قلت: - إنه لو كان ملتفتاً إليه فمن المناسب أن يذكره ويناقشه فعدم إتيانه به يدل على أنه لم يكن في ذهنه.


[1] وهو طبقها في الصورة الأولى فقط ونحن نطبقها في الصورة الثانية أيضاً.