الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ولكن يمكن أن يقال: - إنه يمكن التفصيل، فتارةً يكون متعلّق الوقف هو عنوان الشيء الموقوف كالبستان مثلاً، وتارة يكون متعلَّق الوقف هو وارد الشيء الموقوف كوارد البستان، فلو كان متعلّق الوقف هو عنوان البستان وقد زال فسوف يزول الوقف، بينما حينما يقول أوقفت وارد البستان أو أوقفت البستان ليكون وارده للزائرين فهنا يبقى الوقف وإن زال عنوان البستان، لأنه بقرينة كلمة ( ليكون وارده ) يفهم منه أنَّ المدار عند الواقف هو الوارد أما عنوان البستان فليس بمهم، وإنما عنوان البستان من باب أنه كان موجوداً فسلّط الأضواء عليه، فإذا تحوّل إلى عرصة وكان يمكن الاستفادة من وادرها في الاجارة مثلاً يدرّ على الزائرين فهنا يمكن أن نقول إنَّ الوقفية تبقى ولا تزول بزوال البستان، لأنه بقرينة ( الوارد) يفهم أنَّ عنوان البستانية ليس حيثية تقييدية بحيث يكون هو المدار، وإنما كل حيثية أخرى تدرّ بالمال يشملها الوقف، هكذا يمكن أن يفصّل وهذا شيء جيد ، وهذا لا يتنافى مع ما ذهب إليه صاحب الجواهر(قده) فإنَّ المهم عنده هو أن نلحظ ما تعلّق به الوقف، فتارةً نفهم من القرائن العرفية أنَّ عنوان الوقف أنَّ الوقف قد تعلَّق بعنوان البستان بذاته وبشخصه ومرة متعلق بالوارد بحيث أن هذا العنوان ليس بمهم، وهذه قضية صغروية وليست كبروية ولا تعد خلافاً لصاحب الجواهر(قده) وإنما هذا تسليم لصاحب الجواهر(قده) غايته أننا نرجع إلى العرف لتشخيص أنَّ متعلَّق الوقف ما هو هل هو البستان أو الأعم، فنقول إذا عبر بـ( وارد ) يفهم العرف أنه الأعم مادام الأعم يدر بالوارد وأما إذا لم يكن الوارد فحينئذٍ المدار على عنوان البستان، فإذاً هذا ليس تفصيلاً يتنافى مع ما أفاده صاحب الجواهر(قده) بل هو تنقيح لصغرى ما أفاده وأنه عرفاً في هذا المورد يكون الوقف متعلّقاً بعنوان البستان وفي ذلك المورد يكون متعلقاً بالأعم لأنَّ العرف يفصّل هكذا، وهذا لا يتنافى مع ما أفاده.

إذاً نحن لابد أن ندقق في هذه القضية وهي أنه هل أخذ الوقف متقوماً بالعنوان أو ليس متقوما بالعنوان فإن كان متقوماً بالعنوان - وقد قلنا إن هذا يعرف من خلال القرائن والفهم العرفي - فيزول بزوال ذلك العنوان وإلا فيبقى.

ولعل في عبارة المتن إشارة إلى ذلك حيث قال: - ( ومنها ما لو علم أن الواقف لاحظ في قوام الوقف عنواناً خاصاً )، فكلمة ( قوام ) هي إشارة إلى ذلك، يعني أخذ الوقف متقوماً، فليس من البعيد أنه يريد أن يشير إلى أنه ليس كل الموارد سواسية وعلى منوال واحد بل لابد من الرجوع إلى فهم العرف القرائن لها المدخلية في هذا المجال، والمهم الذي نريد أن نقوله هو أنه إذا فهم العرف أنَّ هذا العنوان كالبستان هو القوام فالمدار على عنوان البستان وما إذا فهم أنَّ الدار على الوارد وليس على عنوان البستان بقرينة كلمة ( وارد ) فحينئذٍ لا يكون المدار على عنوان البستان، فكلمة ( قوام ) ليس من البعيد أن ذكرها إشارة إلى هذا المطلب وهو أنَّ أيّ عنوان قد أخذ فالعنوان متقوّم به وإلا فالعناوين التي أخذت وليس الوقف متقوماً بها فحينئذٍ بزوالها لا يزول الوقف.

إذاً هذا التفصيل لا بأس به ويصب في نف الوادي الذي سار فيه صاحب الجواهر واختار فيه صاحب الجواهر(قده) أنَّ الوقف يزول بزوال العنوان فإنه ناظر إلى حالة ما إذا كان الوقف متقوماً بهذا العنوان فحينئذٍ نفصّل بين الموردين أن يقول الواقف وقفت البستان وبين أن يقول وقفت وارد البستان أو البستان ليكون وارده للزائرين فليس شيئاً منافياً لصاحب الجواهر(قده) بل هو اشبه بالتوضيح والتفصيل.

وهناك تفصيل للشيخ النائيني(قده)[1] وليس من البعيد أنه ليس مخالفاً لصاحب الجواهر(قده) وإذا كانت هناك مخالفة فهي صغروية لا في أصل الكبرى:- وحاصل ما ذكره هو أنَّ متعلَّق الوقف وهو البستان مثلاً تارة تزول صوته النوعية العرفية وأعني بذلك صورة البستانية وعنوان البستانية يعني أصبح عرصةً، فهنا الصورة النوعية العرفية قد زالت، وبين ما إذا زال عارض من عوارضه لا أنه زالت الصورة النوعية العرفية، كدارٍ انهدم جدار منها، فالصورة النوعية العرفية موجودة فالدار باقية داراً ولكن وقع حائط منها فهنا زال عارض من العوارض، أما في الصورة الأولى سوف يزول الوقف لأنَّ الصورة النوعية قد زالت بينما في الصورة الثانية لا يزول الوقف لأنه لم تزل الصورة النوعية وإنما زال صف من أوصافها.

وهذا لا يتنافى مع م ما أفاده صاحب الجواهر وإنما الظاهر أنه تحقيق بصغرى من صغريات ما أفاده صاحب الجواهر(قده) لأنَّ صاحب الجواهر قال إذا تعلق الوقف بعنوان بحيث أنَّ هذا العنوان كان مقوماً عرفا لمتعلّق الوقف فهنا يزول الوقف، وجاء النائيني وفصّل أنه متى يزول المتعلَّق ومتى لا يزول المتعلّق، فهذا لا يعدّ رأياً ثانياً وإنما هو تنقيح لصغرى من الصغريات التي ذكرها صاحب الجواهر(قده).فإذاً ما أفاده الشيخ النائيني(قده) مقبول.

هذا ولكن السيد الخوئي(قده)[2] [3] ناقش استاذه النائيني(قده) وقال نفس ما قاله في ردّ صاحب الجواهر(قده): - يعني أنه يقول إنَّ الوقف يتعلَّق بالصورة الجسمية أي بذات الجسم أما صورة الدارية أو غير ذلك فكلها ليست معتبرة.

وهذه مخالفة من السيد الخوئي(قده).

والخلاصة: - إنَّ السيد الخوئي(قده) قال إنه كما في البيع يتعلّق البيع بالصورة الجسمية كما لو بعتك هذه الدار ثم بعد ذلك هدمت الدار بعد البيع فهنا أنا قد بعتك الجسم وتبادل الصور النوعية ليس بمؤثر، ونفس هذا الكلام أتى به في باب الوقف.

ويمكن أن يقال في مناقشة السيد الخوئي(قده): - إنَّ هذا الخلاف الذي ذكرته هو خلاف صغروي، فإنَّ صاحب الجواهر والشيخ النائيني يقولان إنه لو فهمنا من كلمة ( وقفت البستان ) أنَّ عنوان البستانية له مدخلية لا الجسمية - كما يقوله السيد الخوئي - فيزول الوقف بزوال البستانية أما هنا هل نفهم هذا أو لا نفهمه فهذا خلاف صغروي، ونحن نقول للسيد الخوئي(قده) إذا فهمنا أن المقصود للواقف أنه وقف البستان بما هو بستان بحيث أنَّ هذه الصورة النوعية العرفية للبستانية مأخوذة في مدّ نظره لا الصورة الجسمية فبزوال عنوان البستانية من المناسب أن يزول الوقف وإن بقيت الجسمية، نعم أنت تقول إن الوقف متعلق بالجسمية لا بالجسمية ولكن هذا كلام ثانٍ وهو خلاف صغروي.

ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ النزاع في هذه المسألة نتمكن أن نقول إنه ليس نزاعًا علمياً وليس نزاعاً كبروياً وإنما هو نزاع أشبه باللفظي، فالكل ينبغي أن يكون متفقاً على أن الوقف لو تعلق بهذا العنوان الخاص بما هو هو بحيث يكون مقيداً بهذا العنوان الخاص فبزوال هذ العنوان لابد أن يزول الوقف، وإذا لم يكن كذلك لا يزول الوقف، والكل لابد وان يكون متفقاً على هذا المعنى ولا خلاف بيننا، ولا تنقض عليّ إذا قلت بعت الدار وزالت الدارية - كما أشكل بذلك الشيخ الأنصاري - لا يزول البيع ولكن كيف إذا زالت الدارية زالت الوقفية؟ ولكن نحن نقول إذا فهمنا أنَّ الوقف تعلّق بعنوان البستانية بما هو عنوان لا بالجسم فبزوال عنوان البستانية سوف يزول الوقف، ولو قلت لاذا لم تقل بذلك في ( بعت الدار )؟ فنقول إنَّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي في الوقف أنه يتعلّق بالعنوان فإنَّ العرف يفهم هكذا، أما في ( بعت الدار ) و( آجرت الدار ) فإنه في بعت الدار العرف يفهم أنَّ البيع يتعلّق بالجسم بما هو جسم، أما في آجرت الدار الاجارة تتعلّق بالجسم بما هو جسم بل بالعنوان، فهذه الموارد مختلفة عن الوقف، فإذاً نتمكن أن نقول إنَّ النزاع ليس نزاعاً علمياً كبروياً يستحق التوقف عنده وإنما هو نزاع في رزحه يرجع إلى الخلاف في الصغرى كما اوضحنا وإلا فالكل ليس من البعيد أنه متوقف على الكبرى والاختلاف في الصغرى.

[1] منية الطالب، النائيني، ج2، ص285.
[2] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج3، ص176.
[3] موسوعة السيد الخوئي ( التنقيح في شرح المكاسب )، الخوئي، تسلسل37، ص288.