الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الصورة الخامسة:- إنَّ من صور جواز بيع الوقف إذا تلّعق الوقف بعنوان كحسينية أو بستان كما لو قال الواقف أوقفت هذه الحسينية فحدث زلزال وانهدمت هذه الحسينية فهنا يزول الوقف لأنه تعلق بعنوان الحسينية وهذه الآن أصبحت عرصة وليست حسينية، وكذلك لو تعلّق الوقف بعنوان البستان وزال عنوان البستان فهنا يزول الوقف، والسيد الماتن مثل بالحمّام فلو زال العنوان زالت الوقفية، قال(قده):- (ومنها ما لو علم أن الواقف لاحظ في قوام الوقف عنواناً خاصاً في العين الموقوفة مثل كونه بستاناً أو حماماً فيزول ذلك العنوان فإنه يجوز البيع حينئذٍ وإن كانت الفائدة باقية بحاله أو أكثر).

وقبل الشروع في ذلك التفاصيل نقول: - من المناسب تبديل الأمثلة الموجودة والاتيان بأمثلة أخرى معاصرة ابتلائية مثل روضة أطفال لليتامى أو ما شاكل ذلك، هذا شيء، وهناك شيء آخر وهو أن عبارة السيد الماتن طويلة وكان المناسب اختصارها والمناسب أن تصاغ هكذا: - ( ومنها ما لو تعلّق الوقف بعنوان خاص كروضة الأطفال لليتامى وفرض زواله فيجوز البيع حتى مع بقاء الفائدة على حالها ).

ومضمون هذه المسألة واضح وممَّن تعرض إلى هذه المسألة - أي هذا الاستثناء - صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- إنَّ الوقفية تزول إذا زال العنوان، قال ما نصه:- ( قد يقال بالبطلان أيضاً في انعدم عنوان الوقف فيما لو وقف بستاناً مثلاً ملاحظاً في عنوان وقفه البستانية فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك ... ولو فرض إرادة وقفها لتكون بستاناً أو غيرها لم يكن إشكالٌ في بقاء وقفها لعدم ذهب عنوان الوقف لكنه خلاف الفرض ... نعم لو لم تكن الدارية والبستانية مثلاً عنواناً للوقف وإن قارنت وقفه ... لم بطل الوقف بتغير أحواله )[1] .

وأشكل الشيخ الأنصاري وقال: - ما المقصود من العنوان فهل هو متعلَّق الوقف أي المفعول به، كما لو قال ( وقفت بستاناً أو مدرسةً ) فهل عنوان المدرسة أو البستان قد زال؟ فإن كان هذا هو المقصود فنحن لا نقبل به لأنه نظير بعت البستان فبعتك متعلّق بالبستان فلو زال عنوان البستانية فالبيع هنا لا يزول، فكما أنه لا يزول البيع الوقف لا يزول أيضاً ولا فارق بينهما، وإن كنت تقصد من زوال العنوان شيء آخر غير المفعول به لـ( وقفت ) فنحن لا نعرفه، قال ما نصّه:- ( بأنَّ المقصود من العنوان هل هو ما جعل مفعولاً به كالبستان في جملة وقفت هذا البستان، وجوابه واضح فإنَّ ذلك ليس إلا كقوله بعت أو وهبت هذا البستان في عدم دوران الملك مدار العنوان، فمتى ما ملك البستان فقد ملك كل جزء منه وإن فرض زوال عنوان البستان وليس التمليك من قبيل الأحكام التي تدور مدار العناوين، وإن كان المقصود من العنوان شيئاً آخر فذاك شيء لا نعرفه حتى نعلق عليه )[2] .

والأغرب من ذلك أنَّ السيد الخوئي(قده) في التنقيح[3] وفي المحاضرات[4] وافق الشيخ الأعظم(قده):- يعني أنه وافقه في رأيه القديم، وإلا ففي المنهاج تبدل رأيه وصار إلى ما صار إليه صاحب الجواهر(قده).

ويرد على الشيخ الأعظم(قده): -

أولاً:- إنه لو رجعنا إلى عبارة صاحب الجواهر(قده) نجد أنه ميز بين قضيتين حيث ذكر أنَّ الوقف مرة يتعلّق بالعنوان حيث يدور الوقف مدار العنوان فالوقف متقوم بالعنوان كعنوان البستان ومرة البستانية تكون شيئاً مقارناً من مقارناته لا أنها هي العنوان الموقوف ، كما لو قال الواقف أوقفت هذه الأرض وكانت اتفاقاً هي بستان أو قال ( أوقفت هذا البستان) لكن بنحو المشيرية لا إلى عنوان البستان بما هو بستان وإنما إلى هذا المكان الذي هو بستان اتفاقاً، فصاحب الجواهر بين قضيتين بين أن يكون عنوان البستان يكون مأخوذاً بنحو الحيثية التقييدية فهنا يزول الوقف، وبين أن يكون مأخوذاً بنحو الطريقية إلى هذا المكان فهنا لا يزول الوقف، فمرة يوقف هذا المكان الذي هو بستان بقيد أن يكون بستاناً حدوثاً وبقاءً - فمقصوده هو هذا - فهو متعلّق بعنوان البستان بما هو بستان ومرة الوقف متعلّق بعنوان المشيرية إلى الأرض، فكيف يقول الشيخ الأعظم إن هذا مثل ( بعت الدار ) فلو تهدمت الدار فلا يزول البيع، وإنما صاحب الجواهر(قده) يقيد بما إذا كان الوقف مقيد بالبستانية بما هي بستانية وإلا فصاحب الجواهر(قده) كلامه واضح في ذلك.

ولعله في عبارة المنهاج يريد السيد الماتن أن يلمح لكلام صاحب الجواهر(قده) بحيث أن البستانية بنحو القيدية أو الموضوعية أو الشرطية إن صح التعبير فإنه قال ( ومنها ما لو علم أنَّ الواقف لاحظ في قوام الوقف ) فأتى بتعبير (قوام ) يعني أنَّ الوقف متقوم به، فإذاً السيد الخوئي(قده) يريد أن يفصّل، فإن كان هذا مقصوده فهذا ينبغي ان يفصّل ويبين بشكل آخر، وإلا فنحن نبديه على مستوى الاحتمال فإن قوله ( قوام ) يحتمل انه ناظر إلى هذا وإلا فلا داعي إلى ذكر كلمة ( قوام ) بل عليه أن يقلو ( ما لو علم أن الواقف لاحظ في الوقف عنوناً خاصاً في العين )، فعلى أيحال كلمي ( قوام ) و( عنواناً خاصاً ) كلاهما ليس من البعيد أنهما يلمّحان إلى ما ذكره صاحب الجواهر(قده) من أنَّ العنوان مأخوذ بنحو القيدية بحيث يدور الحكم مداره.

ثانياً: - إنه قال إنَّ وقفت البستان مثل بعت البستان، فكما أنه في بعت البستان إذا خرب البستان فالبيع يبقى ولا يزول كذلك الحال في وقفت البستان، ونحن نعلّق ونقول: - إنه يمكن أن يفترض باختلاف الفعل مع وحدة المدخول والمفعول به العرف يفهم شيئاً آخر، فلا تشكل علينا وتقول إن وقفت البستان مثل بعت البستان وإنما نقول إنَّ الفعل قد يغير من المضمون ومثال ذلك ما و فرض أني قلت بعتك هذه الدار فحتى لو خربت يبق البيع على حاله صحيحاً ولكن لو قال آجرتك الدار وانهدمت الدار ولا يصدق عليها دار فهنا يمكن أن نقول قد بطلت الاجارة لأنَّ المستأجر يقول للمالك أنا استأجرت الدار ولم استأجر الأرض، فالعنوان واحد وهو الدار ولكن اختلفت النتيجة باختلاف الفعل، إذاً باختلاف الفعل حتى مع وحدة المتعلق قد تختلف النتيجة، فلا تقس وقفت البستان أو الدار على بعتُ وإنما قسها على آجرت فتلاحظ أن الأمر يتغير، فإذاً ما ذكره صاحب الجواهر شيء وجيه، فلا يمكن أن نقول إن وقفت مثل بعت وإنما وقفت مثل آجرت فكما أنه في آجرت تزول الاجارة بزوال الدار لأنَّ الاجارة تعلقت بالدار وإلا صارت عرصة فالعرصة لم يؤجرها المستأجر فهنا سوف تبطل الاجارة، كذلك يمكن أن يقال إنَّ الوقف تعلَّق بعنوان البستانية بما هو بستان فلو زال البستان فسوف يزول الوقف.


[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج22، ص358.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري)، ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص75.
[3] موسوعة السيد الخوئي ( التنقيح في شرح المكاسب )، الخوئي، ج1، ص289.
[4] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج3، ص177.