الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ويمكن التعليق بأن يقال: -

أولاً: - إنَّ العلَّة هي خوف تلف الأموال والنفوس ولكن نسأل ونقول هل المقصود هو خوف التلف بشكلٍ مطلق من أيّ منشأ كان - كما لو كان أحد أو بعض الموقوف عليهم يحتاج إلى عملية جراحية فنخاف عليهم من تلف أنفسهم أو أموالهم ولكن هذا التلف لم يأتٍ بسبب الوقف - أو خوف التلف الناشئ والمرتبط بالوقف؟ فإن كان المقصود التلف الناشئ بسبب الوقف فلا معنى لنقض الشيخ الأعظم(قده) من أنه بناءً على العلّية يلزم أنه متى ما تخوفنا على نفوس الموقوف عليهم أو على الوقف من التلف ولو لسببٍ لا يرتبط بالوقف يلزم هنا جواز بيع الوقف، ولكن نقول:- إنَّ هذا غير صحيح، لأنَّ العلّة هي ضيقة، فإنَّ خوف تلف النفوس أو الوقف هو لأمرٍ يرتبط وناشئ من الوقف فإنَّ العلّة هي هذه، وإذا كانت هذه هي العلّة فحينئذٍ لا معنى لأن يقول إنه بناءً على العلّية يلزم جواز بيع الوقف ولو كان خوف التلف بسببٍ لا يرتبط بالوقف أبداً، ولكن نحن نقول:- إنَّ هذا لا نقبله لأنه مبني على أنَّ العلّة ليست هي مضيقة بالناشئة من الوقف، أما إذا قلنا بكونها العلة الناشئة من الوقف فلا يرد ما أفاده.

ولو تنزلنا مع الشيخ الأعظم(قده) ولكن نقول:- إنَّ ما ذكرناه احتمال وجيه، فنحن لا نريد الاستظهار العرفي، فإنه ليس من البعيد أن يستظهر أحد هذا، فحينما نقول ( فإنه ربما جاء ) يعني جاء من الوقف، فإذا كان يوجد اختلاف بين أرباب الوقف فربما يأتي تلف الأموال والنفوس من الوقف وأربابه ولكنه يأتي من الوقف وليس من غير الوقف، كما لو كان عند أحد الموقوف عليهم مرض قلب فإنَّ هذا لا ربط له بالوقف، فإذاً المقصود هو التلف الذي يأتي من الوقف، ولا أقل هذا احتمال وجيه ولا يأتي النقض، ويصير التعليل متشابهاً هنا، لأنَّ العلَّة لا يدرى أنها مطلقة أو الخاصة بالوقف، فلا يتم الاشكال ، يكفينا إبداء الاحتمال الوجيه، ولكن في نفس الوقت نقول إنَّ الظاهر عرفاً هو التلف الناشئ من الوقف، فلا يرد ما ذكره، فنحن نختار العلّية ولكن ليست مطلق الخوف من تلف الأموال أو تلف الوقف الناشئ من أيّ سببٍ كان، وإنما التلف الناشئ بسبب الوقف، فلا يتم ما ذكره على العلّية.

ثانياً:- سلّمنا أنَّ العبارة تتلاءم عرفاً ما يقول الشيخ الأعظم(قده) وليس مع ما نقوله ولكن تبقى قضية لابد أن تبحث في علم الأصول، وهي أنه إذا جاءنا حكم مطلق وكان الأخذ بإطلاقه بعرضه العريض غير ممكن لسببٍ وآخر إلا أنَّ الأخذ به في المورد كان شيئاً ممكناً فهل نرفع اليد عنه رأساً أو نرفع اليد عن حيثية الاطلاق مع التحفّظ على العمل به في المورد؟، من قبيل أنه جاء شخص وكان نجفياً وأنا قلت له ( أكرم النجفي )، فهذا الشخص الجائي هو مورد الاكرام ولكن مقتضى إطلاق الأمر هو الشمول لكلّ نجفي وإن لم يكن متديناً، فهل نرفع اليد عن حيثية الاطلاق وعن المورد رأساً أو أننا نرفع اليد عن حيثية الاطلاق فقط مع الأخذ به بلحاظ مورده؟، وهذا الكلام لا يشترط فيه أن يكون الانسان أصولياً وإنما الانسان العرفي يعرف ذلك، والانسان العرفي يقول نحن لا نرفع اليد عنه رأساً وإنما نرفع اليد عن حيثية الاطلاق فقط والعقلاء ببابك، فنحن إذا لم نستطع أن نكرم كل نجفي ولكن فلنكرم هذا النجفي الذي جاء لأنَّه قدر متيقن، وموردنا كذلك، فإنه في موردنا تلف الأموال النفوس الناشئ من اختلاف الموقوف عليهم يمكن الأخذ به في تجويز بيع الوقف في هذه الدائرة الضيقة، نعم قل إنَّ مقتضى إطلاقه أنه يجوز - على العلّية - ولو لا لسببٍ يرجع إلى اختلاف الموقوف عليهم بل لأجل اجراء عملية جراحية مثلاً، فنرفع اليد عن الاطلاق لا أننا نتركه رأساً، وحينئذٍ نحكم بجواز البيع في مورد الرواية وهو تخوّف تلف الأموال والنفوس الناشئ من الوقف لأنَّ هذا قدر متيقن، فنأخذ به ولا نهمله وإنما نهمل حيثية الاطلاق.

ومن خلال ما ذكرنا يتضح التأمل فيما أفاده السيد الخوئي(قده):- فإنه ذكر نفس مطلب الشيخ الأعظم(قده)تقريباً ويرد عليه نفس ما أوردناه على الشيخ الأعظم(قده)، فإن السيد الخوئي(قده) قال:- ( إن كان قوله في ذيل الرواية (" فإنه ربما جاء ... والنفوس ") حكمة لجواز البيع فلابد من الأخذ بمورد السؤال والجواب وهو جواز البيع بمجرد وقوع الاختلاف بين أرباب الوقف وإن لم يخف أدائه إلى تلف الأموال النفوس وهذا مما لم يقل به أحد ظاهراً وإن كان علة له ... لزم جواز البيع فيما إذا لزم من تركه تلف الأموال والنفوس ولو من غير جهة اختلاف الموقوف عليهم كاختلاف عمّال الواقف أو المتولي وغير ذلك مما لم يقل أحد بكونه مجوزاً للبيع )[1] ، فإذاً ما أفاده نفس ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) والتعليق الذي ذكرناه على الشيخ الأعظم(قده) يأتي عليه أيضاً.

لعل السبب في أنَّ السيد الخوئي(قده) لم يفت في رأيه القديم - لأننا قلنا إنَّ في المحاضرات وفي التنقيح ذهب إلى عدم جواز البيع في هذه الصورة - هو هذه المناقشة لأنه ترك الصحيحة، ثم بعد ذلك تغير رأيه في المنهاج وتبدّل إلى الحكم بالجواز ولعل ذلك بسبب أخذه بالصحيحة كما أخذنا بها، أو لعله من باب التزاحم الذي لم يقبله أولاً ثم بعد ذلك قبله.

كلامٌ آخر للسيد الخوئي(قده)[2] [3] :- توجد مناقشات متعددة للسيد الخوئي(قده) لصحيحة ابن مهزيار غير المناقشة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب:-

المناقشة الأولى: - إنها ضعيفة السند.

وهو لم يبيّن ضعف سندها هو من أي ناحية، وسنبين ذلك فيما بعد.

المناقشة الثانية: - إنَّ الامام عليه السلام أمر الواقف بأن يبيع حصة الامام عليه السلام أنَّ الواقف جعل الخمس في العين الموقوفة للإمام عليه السلام ثم قال للإمام عليه السلام ما هو رأيك في حقك هذا هل ابيعه فقال له الامام عليه السلام نعم بعه، ولكن نقول إنَّ مقدار الخمس هو وقف للإمام عليه السلام في الضيعة فبأيّ معنى يقول له الامام عليه السلام ( بعه )، فإنَّ الرواية قالت:- ( عن عليّ بن مهزيار قال:- كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام إنَّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس )، يعني أنه جعل خمس الوقف للإمام عليه السلام من باب الوقف ( ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض وأو تقويمها على نفسه ... فكتب:- أَعلِم فلانا إني آمره أن يبيع حقي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إليَّ )[4] وهذه مخالفة للقواعد فغنه لا يصح بيع الوقف فحينئذٍ هذا مضعّف للرواية.


[1] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج3، ص202.
[2] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج3، ص200.
[3] وقد ذكر بعض هذه المناقشات الشيخ النائيني في منية الطالب.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص187، أبواب كتاب الوقوف والصدقات، باب6، ح5، ط آل البيت.