الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الجواب الثاني:- ما ذكره السيد الخوئي(قده)[1] [2] حيث قال:- إنَّ باب التزاحم يختص بالأحكام التكليفية ولا يعم الأحكام الوضعية، فالأحكام التكليفية يقع فيها التزاحم، كما لو فرضنا أنه يجب التحفظ على النفس من المرض، فلو توقف ذلك على تناول الشيء النجس فيدور الأمر بين حرمة تناول النجس وهي حرمة تكليفية وبين وجوب التحفّظ على الحياة وهو حكم تكليفي أيضاً، فكلاهما حكم تكليفي[3] فهنا بالتزاحم يقّدم الأهم بنحو الجزم أو الأهم بنحو الاحتمال على الآخر، وأما إذا فرض أنَّ الأمر دار بين حكمين أحدهما تكليفي والآخر وضعي كما هو الحال في المقام فإنَّ وجوب التحفّظ على نفوس الموقوف عليهم حكم تكليفي بلا إشكال أما حرمة بيع الوقف واجراء العقد عليه فليست حرمة تكليفية وإنما هي حرمة وضعية يعني يقع البيع باطلاً، أما مجرّد قولك بعت الوقف والثاني يقول اشتريت فهذا ليس بحرام تكليفاً ونما هو حرام وضعاً بمعنى أنه يقع باطلاً، فإذا كانت الحرمة هي حرمة وضعية وليست تكليفية فلا يمكن آنذاك رغم أهمية وجوب التحفّظ على النفوس وقدّمناه ولكن بالتزاحم لا يمكن اثبات صحة البيع، فنحن لا نستطيع أن تقول إذا كانت الدماء يجب التحفظ عليها فإذاً يجوز البيع بمعنى يصح، فإنَّ الجواز التكليفي أو الحرمة التكليفية لا معنى لها، لأنَّ مجرّد الألفاظ لا يحتمل أحد حرمتها، أما أنه يصح البيع فهذا لا يثبت فإنَّ التزاحم لا يثبت صحة البيع، نعم إذا كانت هناك حرمة تكليفية فسوف ترتفع، وكل حكم تكليفي سوف يرتفع لا أنه يترتب على ذلك صحة البيع مادام قد فرض أنه يجب التحفّظ على نفوس الموقف عليهم وقدمنا ذلك، بل لا تثيبت الصحة فإنَّ الصحة حكم وضعي ولا يثبت الحكم الوضعي بالتزاحم، فإنَّ وظيفة التزاحم هي رفع الحكم التكليفي من حرمةٍ أو وجوب لا إثبات الصحة، وهذا من المطالب التي ينبغي أن تكون واضحة.

وفي مقام التعليق نقول: - صحيح أنَّ التزاحم يكون بين الأحكام التكليفية والتزاحم أقصى ما يثبت هو تقديم وجوب التحفّظ على نفوس الموقوف عليهم أما أنَّ البيع الصحيح فهذا لا يثبته التزاحم، ولكن نقول إنَّ لنا مخرجاً نتخلّص به مما أفاده السيد الخوئي(قده)، وذلك بأن نقول:- إنَّ التزاحم يقع بين حكمين تكليفيين لا أنَّ أحدهما وضعي والأخر تكليفي، بل نبدل الحكم الوضعي بالتكليفي وذلك بأن نقول إنَّ الأمر يدور بين وجوب التحفّظ على دم الموقوف عليهم وبين حرمة دفع العين الموقوفة إلى من بيعت عليه، يعني إذا بعنا العين الموقوفة فافترض أنه بمجرّد البيع بأن قلت بعت والمشتري قال اشتريت هذا ليس بحرام تكليفياً ولكن بالتالي المتبايعين سوف يرتّبان الأثر بأن البائع يسلّم العين الموقوفة إلى المشتري والمشتري يستلمها منه، فنحن نقول إنَّ تسليم العين الموقوفة - الذي هو فعل خارجي - حرام ، فإما أنه يجب التحفّظ على نفوس الموقوف عليهم وحينئذٍ سوف نبيع العين الموقوفة حتى نتحفّظ على النفوس وندفع العين إلى من اشتراها، وبين أن لا نقدم حفظ النفوس وإنما نقدّم عدم جواز البيع يعني نقدّم الحرمة التكليفية لتسليم العين الموقوفة إلى المشتري، فيدور الأمر بين حكمين تكليفين، ولكن لم تثبت لنا صحّة البيع.

ولو قلت: - إنك حولت التزاحم إلى تزاحم بين حكمين تكليفيين ولكن هذا لا ينفعك بل عليك أن تثبت صحة البيع التي تتلاءم مع وجوب البيع، ومجرّد جواز الدفع الخارجي للعين الموقفة إلى المشتري وحده لا ينفع، بل لأجل التحفّظ على النفوس يجوز الدفع الخارجي وبالتالي نريد أن نقول إنَّ البيع صحيح وإلا لو كان البيع باطلاً فسوف لا ينتفع المشتري شيئاً وسوف لا يشتريه؟

ولكن نقول: - نحن نصحح البيع بهذا الطريق حيث نقول: - صحيح أنَّ بيع الوقف قد خرج من إطلاق ﴿ أحلَّ الله البيع﴾ ولكنه بيع الوقف الذي يحرم معه تسليم العين إلى المشتري، أما بيع الوقف الذي لا يتعقّبه حرمة التسليم بل الحرمة مرتفعة ويجوز التسليم فهذا نشك في خروجه من اطلاق ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾، فإنه شكَّ في التخصيص الزائد، فنتمسك بإطلاق ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ لإثبات صحة البيع.

والنتيجة: - هي أنَّ دخول المورد تحت باب التزاحم مقبول ولا إشكال فيه.

ونذكر قضية جانبية: - وهي إنَّه إذا رجعنا إلى تقريري بحث السيد الخوئي(قده) في المكاسب[4] نجده لا يوافق على جواز بيع الوقف لأنَّه يقول إنَّ صحيحة علي بن مهزيار ترد عليها إشكالات، فلذلك لم يلتزم بصحيحة ابن مهزيار ومن ثم لم يلتزم بصحة البيع في هذه الصورة الرابعة، وعلى هذا الأساس لا تكون هذه الصورة من صور الاستثناء من عدم جواز بيع الوقف.

ونحن نساعده ونقول: - نعم إذا أردنا أن نجوّز البيع في هذه الصورة فإنَّ عدم تجويز البيع في هذه الصورة صعبٌ على الفقيه لأنَّ الموقوف عليهم سوف يتقاتلون فالفقيه من داخله لا يتحمّل أن يقول بعدم جواز البيع، يعني أنَّ المنبه الداخلي والمرتكزات سوف تنفع الفقيه، إذ كيف يقبل الفقيه بالتقاتل فيما بين أرباب الوقف لأنَّ البيع لا يجوز ولا يصح، ولكن رغم ذلك التزم السيد الخوئي(قده) بأنَّ هذه الصورة ليست من صور الاستثناء لورود الإشكالات على صحيحة علي بن مهزيار.

نعم إذا أردنا أن نصحح البيوهذا من عندنا - فسوف نصححه بالصورة الثالثة، وهي أنَّ يشترط الواقف البيع إذا طرأ خلاف بين الموقوف عليهم، فإذاً لابد أن نُدخِل هذه الصورة تحت الصورة الثالثة، أما هذه الصورة الرابعة بعنوانها فلا، لأنَّ صحيحة ابن مهزيار ترد عليها إشكالات.ولكن تبدّل رأيه بعد ذلك وذكر هذه الصورة في المنهاج بعنوان صورةٍ رابعةٍ مستقلةٍ عن الصورة الثالثة، وهذا معناه أنه تراجع عن رأيه القديم.

[1] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج3، ص206.
[2] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج1، ص303.
[3] إما الاثنين معاً وجوب أو الاثنين معاً حرمة أو أنَّ أحدهما وجوب والآخر حرمة فإن هذا لا يؤثر بل المهم أنه يلزم أن يكونا معاً حكمين تكليفيين.
[4] المحاضرات والتنقيح في شرح المكاسب.