الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

االموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ويوجد كلام للشيخ النائيني(قده) في مجال بيع العين الموقوفة إذا وقع نزاع بين أربابها يؤدي إلى تلف الأموال أو النفوس[1] وحاصله:- إنه ربَّ قائل يقول إنه في هذه الصورة الرابعة نحن لا نحتاج إلى صحيحة علي بن مهزيار أو غيرها وإنما يمكن تخريج الحكم على طبق القاعدة، ببيان:- إنَّ المورد من مصصاديق باب التزاحم، وفي بباب التزاحم يقدّم الأهم جزماً أو الأهم احتمالاً، أما أنه كيف إنَّ المورد هنا من باب التزاحم؟ لأنه إذا خفنا من بقاء الوقف على حاله حصول القتل والتقاتل وذهاب الأنفس، فهنا يدور الأمر بين أن يقتل بعض الموقوف عليهم وبين بيع العين الموقوفة، فإنَّ بيع العين الموقوفة لا يجوز وأما التحفّظ على النفوس من القتل فهو واجب، فيدور الأمر بين حكمين إلزاميين وجوب وحرمة - أو بين وجوبين - وفي مثل هذه الحالة الأهم هو التحفّظ على النفس، ففي مثل هذه الحالة يقدّم التحفّظ على النفس حتى ولو كانت نفسُ واحدٍ، بل لابد أن تباع العين الموقوفة حفاظاً عليها، وهناك حالة أخرى وهي أنه ربما لا تذهب الأنفس ولكن إذا لم تبع العين الموقوفة فسوف يحصل دمارها وخرابها والأمر دائر بين بيعها قبل أن يصيبها شيء من الدمار وبين التحفّظ عليها، فإما أن نتحفّظ على حالتها وعدم دمارها وإما أن تباع - لأنه في هذه الصورة الرابعة هو أنَّ يخاف على الوقف من الاختلاف بين أربابه أو ذهاب الأنفس فيصير هذا الاختلاف سبباً لذهاب بعض الأنفس أو لخراب الوقف -، فهنا مرة يدور الأمر بين ذهاب النفس والبيع، ومرة يدور بين التحفّظ على الوقف من الخراب أو البيع، فحينئذٍ يقال إنَّ عدم خرابها هو الأهم فتباع، فهنا المورد داخل تحت باب التزاحم من دون الحاجة إلى صحيحة علي بن مهزيار، فالحكم يمكن تخريجه على طبق القاعدة.

وتوجد جابتان عن هذا الاقتراح: -

الاجابة الأولى: - وهي للشيخ النائيني(قده)، وهي أن قال إنَّ بيع العين الموقوفة وشرائها هو حرام ولا مثبت لارتفاع الحرمة إذ السبب يعود إلى المكلف نفسه، فهنا إذا أردنا أن نقول إنَّ الحرمة سوف ترتفع فهي ترتفع بسبب شجار الموقوف عليهم وهذا الأمر هو باختيارهم، ومثل هذا الاختلاف الذي حصل بالاختيار لا يرفع حرمة بيع الوقف، نعم لو فرض أنَّ السبب كان خارجاً عن الاختيار، كما لو فرض أنه لو لم تبع العين الموقوفة فسوف تتوجه هجمات على الموقوف عليهم من خارج الحدود أو داخلها وربما يقتل بعضهم فهذا سبب خارج عن اختيارهم، فهنا حرمة بيع الوقف أو شرائه سوف ترتفع، لأنَّ السبب ليس باختيار المكلّف نفسه، بينما في موردنا السبب هو باختيار المكلف، فإنهم هم قد تنازعوا فيما بينهم ولا دليل على حرمة بيع الوقف بسببٍ اختياري يرجع إلى المكلف نفسه، كما في النزاع فإنه سببٌ اختياري يرجع إلى المكلفين الموقوف عليهم أنفسهم.

ونحن نساعده ونضيف إضافة ونقول:- إذا كان المدرك الذي يثبت جواز البيع هو لا ضرر فهو لا يشمل المورد، لأنه إذا قلنا بحرمة البيع فسوف يلزم الضرر لأنهم سوف يُقتَلون، فإذا كان المدرك هو قاعدة لا ضرر فإنَّ لا ضرر يرفع الضرر الناشئ من الحكم الشرعي، أما ما كان ناشئاً من اختيار المكلفين أنفسهم فلا يرفعه جزماً أو احتمالاً، ويمكن أن يقال إنه لا يرفعه جزماً، وإنما الشارع يريد أن يمنَّ على المكلّف، فهو لا يريد أن تصير أحكامه سبباً للضرر، أما أنَّ المكلف هو الذي يوقع نفسه في الضرر فحديث لا ضرر يمكن أن يقال لا يشمله، وفي موردنا الأمر كذلك، فإنَّ الموقوف عليهم هم الذين يتقاتلون باختيارهم وبسبب نفسهم وليس بسبب حكم الشرع، فلا يكون حديث لا ضرر شاملاً لمثل هذ الحالة.

ويمكن أن يعلّق على ما ذكره ويقال:- إنَّ المتصدّي لبيع الوقف إذا كان هو نفس الموقوف عليهم أصحاب الشجار والنزاع فهذا الكلام يمكن أن يأتي فيقال لهم عليكم أن تقطعوا نزاعكم وحينئذٍ لا تحتاجون إلى بيع الوقف، وحينئذٍ تكون حرمة بيع الوقف باقية ولا ترتفع، فالحرمة تريدون رفعها بسببٍ يرجع إلى اختياركم وهو تقاتلكم فلا يجوز لكم أن تبيعوا الوقف لأنَّ السبب هو اختياركم، بل عليكم أن تختاروا الصالح ولا تختارا الطالح، فلا ترتفع الحرمة، وذلك مثل مسألة شرب المسكر فإنه جائز للمضطر، أما إذا فرض أنه يجرح نفسه ويتوقف العلاج على الخمر مثلاً فهنا ريما يقال سوف لا ترتفع حرمة شرب الخمر لأنه حصل ذلك له باختياره، وهنا الأمر كذلك إذا كان أرباب الوقف الذين حصل بينهم شجار هم الذين يريدون بيعه، ولكن ربما يوجد متولٍّ للوقف منصوب من قبل الواقف وإن لم يكن هناك متولٍ للوقف من قبل الواقف فالحاكم الشرعي موجود، والمتولي أو الحاكم الشرعي له وظيفة، فيلاحظ أنه من هذا الجانب لا يجوز بيع الوقف ومن الجانب الآخر يوجد تقاتل بين الموقوف عليهم، ولا يصح له أن يقف ولا يهتم بالأمور فيرى بعينٍ أنه هناك تقاتل ولابد من الوقوف أمامه، ويرى بعينٍ أخرى أنَّ سبب هذا التقاتل هو هذا الوقف وإذا بيع الوقف فسوف يتوقف القتال بيهم، فهنا القضية تعود إلى المتولي أو الحاكم الشرعي، والمتولي أو الحاكم الشرعي ليس هو سبب الوقوع في الفتنة، نعم إذا أراد نفس الموقوف عليهم أن يبيعوا فهنا يقال لهم لا تبيعوا الوقف فإنكم لستم مضطرين إلى بيعه بل عليكم أن تزيلوا الفتنة فيما بينكم، أما إذا كان هناك متولٍ الوقف أو الحاكم الشرعي ولم يتمكن من الإصلاح بين أرباب الوقف فلابد من حل هذا الخلاف بشكلٍ وآخر، فإذا بيع الوقف فسوف تخمد الفتنة، وهذه وظيفة للحاكم الشرعي أو المتولي، وحينئذٍ لا يأتي كلام الشيخ النائيني(قده) من أنَّ هذا الاختلاف هو بالاختيار فلا يصح بيع الوقف على أساسه.


[1] منية الطالب، النائيني، ج2، ص289.