الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

كان كلامنا في الصور التي يجوز فيها بيع الوقف، وذكرنا ثلاث صور، وانتهينا إلى الصورة الرابعة من صور جواز بيع الوقف، وهي أنَّ يقع الخلاف بين أربابه بحيث يحذر على النفوس والأموال، وهذه الصورة الوقف فيها سالم ولكن يقع خلاف بين أربابه يحذر منه من التل والقتال أو تلف نفس الوقف، فالفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى التي هي أن يخرب الوقف بحيث يحذر من زوال المنفعة بتاتاً ورأساً، والصورة الثانية هي نفس الصورة الأولى ولكنه لا يفترض أنه يحذر ذهابها بتاتاً وإنما بحكم ذلك يعني المنفعة الغالبة المهمة تذهب، والصور الثالثة أن يشترط الواقف البيع، فإذاً في هذه الصورة الرابعة لا يوجد اشتراط للواقف البيع ،كما لا يوجد خراب في الوقف ويحذر من ذهاب منفعته بالكامل أو المعتد بها، بل لا يوجد خراب وإنما العين موجودة، وقد امتازت هذه الصورة عن بقية الصور بامتياز وهو أنَّ تلك الصور الثلاث لم يرد فيها نصّ يدل على جواز بيع الوقف وإنما كان تخريج جواز بيع الوقف على طبق القواعد العامة، أما هذه الصورة فقد ورد فيها نصّ خاص، وهي صحيحة علي بن مهزيار، ولكن رغم وجود هذا النص وقع الخلاف بين الفقهاء في كيفية فهم النص، وقد تعددت بذلك الأقوال، وقد ذكر ذلك الشهيد الثاني(قده):- ( قَلَّ أن يتفق في هذه المسألة فتوى واحد بل في كتاب واحد في باب البيع والقف فتأملها أو طالع شرح المصنف للإرشاد تلع على ذلك )[1] ، إذاً هذه الصورة امتازت على بقية الصور بوجود النص ولكن رغم تعد النص امتازت بتعدد الأقوال فيها.

الأمر الآخر:- إنَّ بعض الفقهاء كالسيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم لم يذكر هذه الصورة بعنوان مستقل بل أدرجها في الصورة السابقة - يعني إذا اشترط الواقف البيع عند طرو حاجة أو ما شاكل ذلك فأدخلها تحت الاشتراط، قال:- ( ومنها ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حودث أمر من قلة المنفعة أو كثرة الخراج أو كون بيعه أنفع أو لاختلافٍ بين أرباب الوقف أو احتاجهم إلى عوضه أو نحو ذلك )، بينما السيد لماتن فصلها وجعلها صورة مستقلة، والفارق العلمي بين هاتين الطريقتين هو أنه على طريقة السيد الحكيم يثبت جواز البيع في حال الاختلاف بين أربابه من باب اشتراط الواقف ويترتب على ذلك إذا لم يشترط الواقف ذلك فلا يجوز البيع بينما على ما ذكره السيد الخوئي هذه الصورة هي صورة مستقلة سواء اشترط الواقف أو لم يشترط ذلك، وكان من المناسب أن تذكر بشكل مستقل، ولعل الرواية التي سنذكرها اختلف في كيفية فهمها فالسيد الحكيم(قده) دخلها تحت الشرط لينجو بذلك من هذه الاختلافات، يعني إذا لم يستظهر من الرواية جواز البيع في صورة الاختلاف فيدخلها تحت عنوان الاشتراط - أي تحت عنوان الصورة الثالثة - فلعله فعل ذلك لأجل هذه وإلا فإنه توجد عنده رواية مستقلة، والرواية هي ما رواه صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي حيث قال:- ( وبإسناده عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً عن الحسين بن سعيد عن علي بن مهزيار كتبت إلى أبي جعفر الثاني:- ........) ثم قال صاحب الوسائل وبالإسناد عن علي بن مهزيار:- ( قال:- وكتبت إليه:- إنَّ الرجل ذكر أنه بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافاً شديداً وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته، فكتب إليه بخطه:- وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس)[2] ، وسندها صحيح، فطريق الشيخ إلى أحمد بن محمد صحيح، ومحمد بن محمد هو ابن عيسى وهو الظاهر أو ابن خالد ولكلاهما ثقة.

ويفهم من هذه الرواية أنَّ بيع الوقف عند اختلاف الأرباب هو بعنوانه جائز ولا حاجة إلى أن ندخله تحت عنوان الشرط، وهذا ينبغي أن يكون واضحاً.

الأمر الآخر:- ذكر الشيخ النائيني(قده)[3] إنَّ الصورة الرابعة يمكن إدخالها تحت الصورة الأولى، وجه ذلك إنَّه في هذه الصورة يوجد عندنا علم أو ظن بالتلف، وحيث إنَّ الظن أو العلم طريق إلى المؤدى - أعني الواقع - حجة فيثبت حينئذٍ إذا علمنا او ظننا بانه يتلف وحينئذٍ سوف يتثبت التلف والخراب فصار عين الصور الأولى، ولكن الصورة الأولى فيها خراب فعلي للوقف فإدام لم نتدارك ونبيعها فسوف يتلف الوقف أما في الصورة الرابعة الوقف سالم ولكن نتيجة الاختلاف نعلم أو نظن أنه سيتلف ويخرب وحيث إن العلم أو الظن طريق إلى المؤدى - أي الخراب - فيصير ذلك بمثابة ثبوت المؤدى - يعني الخراب - فردعت الصورة الرابعة إلى الأولى فما نقوله في الصورة الأولى نقوله في الصورة الرابعة، قال:- ( لا يخفى أن هذه الصورة ملحقة بالصورة الأولى وهي خراب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به فإن العلم بتأديته إلى الخراب أو الظن المعبر عنه بخوف الخراب إنما هو من حيث طريقيته إليه، وبعبارة أخرى إذا احتل احتمالاً عقلائياً تـأديته إلى الخراب على نحو لو كان فعلاً خراباً جاز بيع فحكم الاحتمال نفس حكم الخراب ولكن من حيث كونه طريقاً لأنه بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنه صار خراباً فعلاً )[4] .

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ الخراب في الصورة الأولى هو فعلي بينما في الصورة الرابعة لا يوجد خراب وإنما يصير الخراب بعد شهر أو أسبوع مثلاً أما الآن فيوجد اختلاف فقط ولكن يوجد عندنا علم أو ظن في كونه سوف يخرب، ولكن هذا العلم أو الظن سلّمنا أنه طريقي ويثبت المتعلَّق ولكن المتعلَّق هو الخراب المستقبلي لا الخراب الفعلي، والصورة الأولى هي الخراب الآن لا الخراب المستقبلي، بينما في الصورة الرابعة المفروض أنَّ الخراب هو الخراب المستقبلي، فكيف تلحق هذه الصورة بالصورة الأولى؟!! فإذاً إلحاق هذه الصورة بالصورة الأولى ليس في محله.


[1] الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، ج3، ص255، في كتاب المتاجر.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج19، ص188، كتاب الوقوف والصدقات، ب6، ح6، ط آل البيت.
[3] منية الطالب، النائيني، ج2، ص289.
[4] منية الطالب، النائيني، ج2، ص289.