الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وقد وقع الكلام في هذه الرواية كما أشرنا إلى ذلك وأنها ناظرة إلى الوصية فتكون أجنبية عن المقام بقرينة قوله عليه السلام ( هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله )، وفي ذيلها أيضاً توجد عبارة تساعد على ذلك حيث ورد في آخرها تعبير ( ولا يحل لامرئ مسلم ..... أن يغير شيئاً مما أوصيت به )[1] ، ففي بدايتها يوجد ما يدل على أنها وصية وفي ذيلها يوجد ما يدل على ذلك أيضاً ومن هنا مال الشيخ الخراساني في حاشيته على المكاسب إل أنها ناظرة إلى الوصية.

وفي المقابل يمكن أن يقال: - إنها ناظرة إلى الوقف بقرينة العبير ( الشيء الفلاني صدقة وذاك الشيء صدقة .... ) والصدقة هي الوقف، فهذه التعابير يدل على أنه عليه السلام قد جعل جملة من الأشياء صدقةً ووقفاً.

والذي نريد أن نقوله:- إنَّ الأجدر الجمع بين الاحتمالين، ولعل من ذكر الاحتمال الثاني يقصد هذا ولكن لم يشر إليه لوضوح الطلب، فإنها واردة في الوقف، فهي واردة في الوصية في الوقف، فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام أوصى ولده الحسن عليه السلام بهذه الأوقاف وأنَّ هذه أوقافاً وإذا أراد أن يبيع فلبيع، فإذاً هي وصية بلحاظ الأعيان الموقوفة والتصرف في الأعيان الموقوفة بالبيع في حالات خاصة ومعينة، فإذاً مانعة الجمع ليست موجوده، فما يقوله الشيخ الخراساني(قده) صحيح، وما يقوله غيره صحيح بهذا الشكل الذي أوضحناه، فإذاً من هذه الناحية ليس من المناسب التوقف أكثر من هذا.

وهل تدل هذه المعتبرة على جواز بيع الوقف؟

يمكن أن يقال: - إنها تدل على ذلك في فقرات ثلاث، وإذا شككنا في واحدة بقي اثنتان وإذا شككنا في اثنين بقيت واحدة: -

الفقرة الأولى: - ( إنَّ ما كان لي من مال بينبع صدقة ........ فإن أراد أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه ) [2] ، يعني أنَّ الامام الحسن عليه السلام إن شاء أن يبيع نصيباً من هذه الأعيان الموقوفة ويقضي به الدين، فدلالتها واضحة على ذلك.

ولكن ربما يشكل على هذه الفقرة: - بأنها ناظرة إلى قضاء الدين فتختص بذلك ولا تدل على جواز بيع الوقف في أمور أخرى، كأن فرض أنَّ المكان الذي فيه الوقف رآه الموقوف عليهم ليس بصالح لهم وأرادوا أن يتحولوا إلى مكانٍ آخر أفضل لهم، فهذه الرواية لا تدل على شموله.

ولكن الجواب: - إنه لم يقل فقيه بوجود خصوصية لقضاء الدين، يعني أنَّ هذا الاحتمال ملغي عند فقهائنا فيحمل على الموردية لا على الخصوصية بقرينة من الخارج، فإن تمت هذه القرينة من الخارج وأنه حقاً لا يوجد فقيه يحتمل الخصوصية للدين فإذاً هذا يصير فقرينة على أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام حينما ذكر ذلك فهو ذكره من باب كونه سبباً من أسباب بيع الوقف لا لخصوصية فيه، فإن تم هذا فسوف يصلح الشاهد.

الفقرة الثانية: - وهي قوله عليه السلام ( وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه وإن باع فغنه يقسمها ثلاثة اثلاث فيجعل ثلثاً في سبيل الله وثلثاً في بني هاشم وثلثاً في آل أبي طالب )[3] ، فهذه العبارة دلت على أنَّ الامام الحسن عليه السلام إذا شاء البيع فليبع، أما أنَّ الثمن أين يصير فهذه قضية ثانية، ولكن بالتالي أمير المؤمنين عليه السلام جوّز البيع للإمام الحسن عليه السلام، والامام أمير المؤمنين عليه السلام لم يقيد بالضرورة وإنما قال إن أراد البيع فليبع، فجوّز عليه السلام البيع.

وقبل أن نلاحظ كيفية الاستدلال بها نبيّن هذه الفقرة من الرواية:- فهي قالت ( وإن كانت دار الحسن غير دار الصدقة )، فإنَّ مشينا مع التعبير فغير دار الصدقة - أي غير الوقف - يعني أنَّ دار الامام الحسن عليه السلام هي غير دار الصدقة، يعني أنها كانت ملكاً خاصاً، فنحن وظاهر العبارة لا يمكن الاستدلال بهذه الفقرة، لأَّن الدار هي ملك خاص للامام الحسن عليه السلام فما ربطها بقضية أنه إذا باعها يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث؟!!، فإذاً المقصود من الفقرة شيء آخر وكأن الامام أمير المؤمنين عليه السلام يريد أن يقول إنَّ دور آل أمير المؤمنين عليهم السلام كانت بشكل عام هي دور أوقاف عامة كانوا يسكنون فيها، فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يريد أن يقول إذا لم تكن دار الامام الحسن عليه السلام من دور الصدقة العامة وإنما كانت من دور الصدقة الخاصة التي أوقفتها - والتي بيّنها هنا بالخصوص - فكذا وكذا ).

ولكن قد تقول: - إذا كان المقصود هو هذا فمن المناسب أن يبين الامام أمير المؤمنين عليه السلام ويقول إنَّ دار الامام الحسن عليه السلام هي من هذه الدور التي أوقفتها في هذه الأماكن التي أشرت إليها في هذه الوصية.

ولكن نقول: - إنَّ هذه قضية ثانية وسنبين النكتة فيها، ولكن المهم هو أنَّ المقصود هو هذا جزماً، وإلا إذا لم يكن المقصود هو هذا لكان المقصود هو أنَّ درا الامام الحسن عليه السلام هي ملك خالص له، وإذ كان المقصود هو هذا فلا معنى لأن يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث بعد أن يبيعها، فجزماً المقصود هو شيء آخر وهو ما أشرنا إليه.

إن قلت: - لماذا لم يبين الامام أمير المؤمنين عليه السلام ذلك بالصراحة وسلك هذا الطريق من التعبير؟

قلنا: - لعله أراد أن يحترم الامام الحسن عليه السلام، فأمير المؤمنين عليه السلام لا يريد أن يواجه الامام الحسن عليه السلام ويقول له إذا كنت جالساً في صدقتي فكذا، فإن هذا التعبير غير مناسب، فأراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يبعد نفسه عن هذا المعنى وإنما قال له إذا كنت ساكناً في غير صدقتي يعني في الصدقات العامة فإنَّ هذا التعبير أفضل وهو تكريم للإمام الحسن عليه السلام، فهذا نحو من التكريم والأدب الجميل، ولعله توجد نكتة أخرى وهي أن أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يبيّن أنَّ دور أهل البيت عليهم السلام كلّها دور صدقة عامة ولم يكن عندهم دور خاصة بهم، وهذه إشارة جميلة، وعليه فالفقرة سوف تصير بهذا المعنى، وسوف يتم الشاهد، فإذا كان الامام الحسن عليه السلام يسكن في غير دار الصدقة العامة يعني كان يسكن في صدقاتي التي أشرت إليها وشاء أن يبيع فليبع، فإذاً تم الشاهد، فإذاً الصدقات والأوقاف التي أوقفها أمير المؤمنين عليه السلام إذا شاء الامام الحسن عليه السلام أن يبيع شيئاً منها جاز له البيع ولم يقل أمير المؤمنين عليه السلام فليبع لضرورة وإنما قال إذا أراد البيع فليبع، غاية الأمر أن َّالثمن يقسّمه بذاك الشكل الذي ذكره ولكن هذا أمر آخر.

وقد يقال: - ألا يحتمل أن يكون ذلك خصوصية للإمام الحسن عليه السلام فإنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا تكريم خاص للإمام الحسن عليه السلام فجوز له امير المؤمنين عليه السلام البيع ولا يمكن تطبيقه علينا.

ولكن يمكن أن يقال: - إذا كان الأمر كذلك فما معنى ارسال الامام موسى بن جعفر عليه السلام هذه الوصية لعبد الله بن الحجاج، فهل الامام عليه السلام ينقل لعبد الله بن الحجاج آثاراً أو تاريخاً؟!! كلا بل لابد أن يكون هذا عملاً ولابد أن يعمل عليه المؤمنون، فإذاً هذا الاحتمال يصير بعيداً، وبذلك تصلح هذه الفقرة لأن تكون شاهداً.

الفقرة الثالثة: - وهي قوله عليه السلام: - ( وإن شاء جعله شرو الملك ) وقد فسّرت بمثل الملك، وقد قلنا البعض قال ( سَريَّ الملك ) والسريّ النفيس والشريف أي يجعله نفيساً خاصاً به، فيتعامل معه معاملة الملك لا معاملة الصدقة والوقف، فله الحق أن يبيعه فإنَّ هذا هو لازم مثلية الملك، فقد يقال إنَّ هذا شاهد ثالث.

ولكن يأتي الاشكال الذي أشرنا إليه: - من أنه يحتمل أن تكون هذه خصوصية للإمام الحين عليه السلام.

ولكن يأتي الجواب الذي أشرنا إليه.

هذه موارد ثلاثة قد يتمسك بها لإثبات جواز اشتراط بيع الوقف إذا أراد الموقوف عليه أو القيم على الوقف أن يبيع، فهذه الرواية في فقرات ثلاث تدل على ذلك.

يبقى شيء:- وهو أنه في الشاهد الذي جعلناه ثالثاً، وهو تعبير ( وإن شاء جعله شرو الملك ) فتعبير ( جعله ) الفاعل هو الامام الحسن عليه السلام ولكن الضمير - وهو الهاء - إن كان يرجع إلى نفس المال الموقوف فيتم الاستشهاد، يعني إن شاء جعل المال الموقوف مثل الملك فيتعامل معه معاملة الملك أو ملكاً نفيساً له خاصاً به وعلى كلا التقديرين يثبت المطلوب، وإن إذا قلنا إنَّ الضمير يرجع إلى الثمن دون العين، فالثمن يجوز أن يجعله شيئاً نفيساً له، يعني لو باع الوقف فالثمن له حق في أن يجعله شيئاً نفيساً له، فهذا الاحتمال سوف لا ينفعنا، ومنشأ هذا الاحتمال هو قوله عليه السلام ( فإن أراد أن يبيع نصيباً من المال فيقض به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه وإن شاء جعله ) أي ثمن ما بيع، وإنما لم يُرجِع إلى الثمن بقرينة المقام، فإن قلنا إنَّ هذا الاحتمال وجيه صارت العبارة مجملة وسوف لا ننتفع بها، لأنها تحتمل وجهين، فيحتمل أنه جعل العين الموقوفة مثل الملك أو ملكاً نفيساً، ويحتمل أنه يجعل الثمن كذلك، فصارت العبارة مردَّدة، فإذاً هذا المورد الثالث يتم على أحد التقديرين دون الثاني، فإن قلنا إنَّ احتمال رجوع الضمير إلى الثمن وجيهاً فلا يمكن الاستشهاد بهذه الفقرة وينحصر الأمر بفقرتين كما أوضحنا، وإلا يكون الاستشهاد بالفقرات الثلاث تاماً.

تبقى القضية التي بيناها: - وهي أنَّ احتمال أنَّ كل ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ليس إلا تكريماً للإمام الحسن عليه السلام لأنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكن قلنا: - إنَّ ارسال الامام موسى بن جعفر عليه السلام بهذه الوصية إلى عبد الرحمن بن الحجاج سوف يكون من دون ثمرة، يعني إنه ينقل تاريخاً، والامام عليه السلام شأنه ليس شأن التاريخ، فإن قبلت بهذا فبها، وإلا فلا توجد فقرة يمكن الاستشهاد بها من هذه الرواية، لأنه كل فقرة تأتي بها من هذه الفقرات الثلاث يحتمل فيها أنها تكريم خاص للإمام الحسن عليه السلام.

والنتيجة التي انتهينا إليها:- إنه يمكن التمسك بالنص إما من خلال فقرتين أو من خلال ثلاث فقرات، والتشكيك في إمكانية التمسّك بها باعتبار وجود خصوصية للإمام الحسن عليه السلام وأنها تكريماً له لأنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد قلنا إنّها بعيدة ويدفعها ارسال الامام موسى بن جعفر عليه السلام بهذه الوصية إلى عبد الرحمن بن الحجاج حتى يسير المؤمنون على طبقها وإلا كان إرسالاً لتاريخٍ وشأن الامام عليه السلام ليس ذلك، فإذاً هذه الرواية لا بأس بها، وبناءً على هذا يمكن للفقيه أن يستند إليها ويقول إذا اشترط الواقف البيع لحاجةٍ ما وإن لم تكن ضرورية فيجوز البيع استناداً إلى هذه الوصية وليس إلى مقتضى القاعدة إذ قد ناقشناها.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص201، أبواب الوقوف والصدقات، باب10، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص200، أبواب الوقوف والصدقات، باب10، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص200، أبواب الوقوف والصدقات، باب10، ط آل البيت.