الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما إذا اشترط الواق ف الرجوع لمصلحة الموقوف عليهم لا لمصلحته ففي مثل هذه الحالة نقول: - إذا فرض أنَّ الحاجة للموقوف عليهم إذا كانت سنخ حاجة هي من مسوغات بيع الوقف كما لو فرض وقوع خلاف بين الموقوف عليهم يخاف عليه من تلف الوقف فهذا من مسوغات بيع الوقف من دون شرط فكيف مع الشرط؟!! فإذاً يكون صحيحاً، وقد دلت على ذلك معتبرة علي بن مهزيار، وقد رواها الشيخ في التهذيب ( أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً عن الحسين بن سعيد عن علي بن مهزيار ..... :- ..... إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل [ إنَّ بيع الوقف أمثل ][1] فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس )[2] ، فإذاً على مقتضى القاعدة يجوز بيع الوقف فكيف بك إذا اشترط الواقف ذلك، ودلالة الرواية واضحة في ذلك، كما أنَّ سندها معتبر، فإنَّ الشيخ الطوسي يرويها بسنده عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد، فإن وثقنا سهل بن زياد فلا مشكلة وإن لم نوثقه فإنَّ أحمد بن محمد هو ابن عيسى وهو ثقة وعلي بن سعيد لا مشكلة فيه، وعلي بن مهزيار ثقة أيضاً.

وأما إذا فرض أنَّ الحاجة لم يثبت كونها من مسوغات بيع الوقف كما لو قال الواقف ( أوقفت هذا المكان على ذريتي مثلاً ولهم حق البيع إذا احتاجوا إلى المال في أحد الأيام أو أرادوا أن يبيعوا البيت داخل البلد ويشتروا بثمنه بيتاً خارج البلد ) أو غير ذلك، فهذه ليست من المسوغات التي دلّ عليها النص ولكنها بالتالي هي لمصلحة الموقوف عليهم، فهنا هل يصح هذا الشرط ويقع صحيحاً؟

والجواب: - تارة يقع الكلام بمقتضى القاعدة، وأخرى بمقتضى النص.

أما بمقتضى القاعدة فربما يقال: - لا يصح ذلك لأنَّ الوقف أخذ فيه التأبيد وتجويز البيع يتنافى مع التأبيد أو يتنافى مع ذات الوقف، فلا يجز حينئذٍ اشتراط البيع رغم أنه لمصلحة الموقوف عليهم للمنافاة بين جواز البيع وبين ذات الوقف أو التأبيد المأخوذ في الوقف.

هذا وفي المقابل يقد يقال بالجواز لبعض الوجوه: -

الوجه الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[3] وذلك عبارة عن التمسك بعموم القاعدتين او بإطلاقهما ( الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ) أو قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ).

وتقريب الدلالة واضح، فإنَّ هذا الدليل مطلق، فهو يقول ( الوقوف حسب ما يوقفها أهلها )، والواقف قد أوقفه على أن يكون للموقوف عليهم الحق في البيع إذا طرأت حاجة وإن لم تكن من المسوغات الشرعية لبيع الوقف، فهذا الاطلاق يشمله، وهكذا أطلاق ( المؤمنون عند شروطهم ) يشمله أيضاً.

ولكن يمكن أن يقال: - وهذا لا نقوله على سبيل الجزم بل نقوله على سبيل الاحتمال ويكفينا الاحتمال هنا، وذلك بأن يقال:- إنَّ اطلاق أو عموم القاعدة ناظر إلى ما ثبتت شرعيته في مرحلة سابقة وجاء هذا الاطلاق أو العموم ليثبت لزوم السير على طبق هذا الشرط السائغ في نفسه، فمثلاً اشترط الواقف أنَّ هذه الحسينية لا يسكن فيها إلا زوار الامام الحسين عليهم السلام فهذا شرط سائغ في نفسه، فمثل هذا الشرط يتمسك بإطلاق ( الوقوف حسب ما يوقفها أهلها ) ليثبت أنه يلزم السير على حسبه، فمادام هذا الشرط سائغاً في نفسه فهو شرط ممضي من قبل الشرع والوقف يصير خاصاً ومختصاً بالزائرين لا غير، أو أي شرط آخر من هذا القبيل الذي هو سائغ وجائز في حدّ نفسه، إما إذا كنّا نشك في أصل كونه شرطاً جائزاً ونريد أن نثبت جوازه ولزومه بعموم القاعدة بعد فرض الشك في أصل صحة الشرط المذكور فالتسمك بإطلاق القاعدة يكون مشكلاً، وما في محل كلامنا هو أن يشترط الواقف أن يكون للموقوف عليهم الحق في بيع الوقف متى ما احتاجوا إليه ولو أرادوا مالاً لا أنها حاجة مسوّغة لبيع الوقف وإنما هي حاجة من الحوائج، فهنا يشكل شمول اطلاق القاعدة لمثل هذه الحالة.

الوجه الثاني: - إنَّ أقصى ما يثبت هو جواز الرجوع عن الوقف، يعني من خلال الشرط سوف يثبت جواز الرجوع عن الوقف ببيعه وشراء بديل عنه أو تويع ثمنه بين الموقوف عليهم، وجواز بيع الوقف بسبب الاشتراط لم يثبت انه منافي لأصل الوقف وإنما يمكن أن نقول هو منافٍ لإطلاق الوقف وليس منافٍ لذات الوقف، لأنَّ جواز بيع الوقف إذا لم يكن منافياً لذات الوقف وإنما هو منافٍ لإطلاقه فحيث إنه في حالة الاشتراط في الوقفية جواب بيع هذا الوقف إذا أراد الموقوف عليهم البيع لحاجة إلى ثمنه أو لغير ذلك لم يصر الوقف وقفاً مطلقاً وإنما صار وقفاً مقيداً، وجواز البيع ينافي إطلاق الوقف، وعند ذكر هذا القيد في الوقفية فحينئذٍ لا يوجد اطلاقُ وقفٍ حتى يكون جواز البيع منافياً لإطلاق الوقف وإنما صار الوقف مقيداً، نعم لو كان جواز بيع الوقف منافياً لذات الوقف لا لإطلاق الوقف فهنا نسلّم بأنه لا يصح الاشتراط لأنَّ ذات الوقف تأبى عن جواز البيع، كما بنى على ذلك صاحب الجواهر(قده) والشيخ جعفر كاشف الغطاء(قده)، أما إذا قلنا إنَّ جواز البيع لا ينافي ذات الوقف وإنما ينافي إطلاق الوقف فإذا اشترط الواقف جواز البيع عند حاجة الموقوف عليهم فهنا لا يوجد اطلاق للوقف، فلا منافاة.

قال:- ( يمكن أن يقال بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها والمؤمنون عند شروطهم[4] بعدم ثبوت كون جواز البيع منافياً لمقتضى الوقف فلعله منافٍ لإطلاقه ولذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته فإن التحقيق كما عرفت سابقاً أن جواز البيع لا يُبطِل الوقفَ بل هو وقف يجوز بيعه فإذا بيع خرج عن كونه وقفاً ثم إنه لو سلمنا المنافاة فإنهما هو بيعه للبطن الموجود أكل ثمنه وأما تبديله بوقف آخر فلا تنافي بينه وبين مفهوم الوقف[5] )[6] .


[1] هذا ما هو موجود في الاستبصار.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج19، ص188، أبواب الوقوف والصدقات، ب6، ح6، ط آل البيت.
[3] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج1، ص86.
[4] وهذا هو الوجه الأول.
[5] وهذا هو الوجه الثاني.
[6] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج4، ص86.