الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما الروايات الواردة في الحالة الأولى فهي: -

الرواية الأولى: - ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام في حديث قال:- ( لا يرجع في الصدقة إذا ابتغي بها ودجه الله عزَّ وجل )[1] والوقف هو من مصاديق الصدقة والرواية تقول إذا ابتغى بها وجه الله فلا حق له في الرجوع ودلالتها وضحة وضريحة في ذلك.

وسندها:- هو ( الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم )، وأحمد بن محمد هو ابن عيسى وقد يحتمل أنه ابن خالد والاثنين ثقة، ولكن الطابع العام للشيخ الطوسي أنه يبتدئ السند بأحمد بن محمد بن عيسى وللشيخ الطوسي طرق إلى أحمد بن محمد بن عيسى وبعضها تام، وعلي بن الحكم هو الكوفي، لأنَّ أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن علي بن الحكم الكوفي كما قال شيخ الطائفة:- ( علي بن الحكم الكوفي ثقة جليل القدر له كتاب )[2] وذكر في ترجمته أن أحمد بن محمد بن عيسى يروي عنه وقد يلقَّب بالأنباري، وأما العلاء فهو ابن رزين وهو من ثقات أصحابنا والذي قال عن الشيخ الطوسي له كتاب له أربع نسخ ويوجد عندي لكل نسخة منها طريق، أما محمد بن مسلم فهو من أجلة أصحابنا، فإذاً السند معتبر.

الرواية الثانية: - ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن موسى بن بكر عن الحكم قال: - ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إنَّ والدي تصدق علي بدار ثم بدا له أن يرجع فيها وإن قضاتنا يقضون لي بها، فقال:- نعم ما قضت بها قضاتكم وبئس ما صنع والدك إنما الصدقة لله عز وجل فما جعل لله عز وجل فلا رجعة له فيه )[3] ، وهي واضحة الدلالة جداً.

وأما سندها: - ففيه موسى بن بكر وهو موسى بن بكر الواسطي ولا يوجد توثيق صريح في حقه من قبل الشيخ أو النجاشي.

ولكن من أحد الطرق التي قد تسلك: - ما رواه الكشي حيث قال: - ( عن حمدويه بن نصير قال حدثني يعقوب بن يزيد عن محمد بن سنان عن موسى بن بكر الواسطي أرسل إلي أبو الحسن عليه السلام فأتيته فقال لي مالي أراك مصفرّاً وقال ألم آمرك بأكل اللحم، قال فقلت:- ما أكلت غيره مذ أمرتني، فقال:- كيف تأكله؟ قلت: - طبيخاً، قال: - كله كباباً، فأكلت، فأرسل إليَّ بعد جمعة فإذا الدم قد عاد في جهي فقال لي: - نعم، ثم قال لي: - يخف عليك أن نرسلك في بعض حوائجنا؟ فقلت:- أنا عبدك فمرني بما شئت فوجهني في بعض حوائجه إلى الشام )[4] ، وحمدويه ثقة ويعقوب بن يزيد ثقة أيضاً وأما محمد بن سنان فيه قال وقيل ولكن يمكن اعتباره، وهل يكن الاستناد إلى هذه الرواية لتوثيق موسى بن بكر؟

ولكن نقول في الجواب: -

أولاً: - إنَّ الراوي لها هو موسى ابن بكر نفسه، ونحن نريد أن نثبت وثاقته ولا يصح أن نثبت وثاقة شخصٍ بواسطة نفسه فإنَّ هذا دور، بل لابد أن يكون اثبات وثاقة الشخص عن طريق غيره لا عن طريق نفسه.

ثانياً: - إنَّ هذه الرواية قد لا تدل على الوثاقة لأنَّ الامام عليه السلام وصف له فيها نوع الأكل الذي يساعده على علاج ضعف بدنه، إلا أن تقول إنَّ ارساله من قبل الامام عليه السلام في بعض حوائجه يدل على أنه رجل معتمد وإلا كيف يرسله الامام عليه السلام في حوائجه.

ولكن تبقى المشكلة هي أنَّ الناقل لهذه القضية هو موسى بن بكر نفسه، فلا يمكن اثبات وثاقته من خلال هذه الرواية.

وتوجد رواية ثانية قد يمكن الاستفادة منها في اثبات وثاقته:- وهي ما رواه الكليني:- ( حُمَيد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة قال:- دفع إلي صفوان كتاباً لموسى بن بكر فقال لي هذا سماعي من موسى بن بكر وقرأته عليه فإذا فيه موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة، قال صفوان:- هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا )[5] ، وأحمد من أهل نينوى وهو ثقة ويروي عنه الكليني كثيراً، والحسن بن محمد بن سماعة لا مشكلة فيه، معنى ( قرأته عليه ) فهل يعني أنَّ صفوان يقول قرأت على موسى بن بكر كما فسرناها نحن ولكن قد لا تلائمه بقية العبارة، أو أنَّ الحسن بن محمد بن سماعة أو صفوان يقول قرأته على موسى بن بكر، ولكن هذا ليس فيه مشكلة، ولكن الموجود هو ( فإذا فيه موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة قال صفوان هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا ) يعني أنَّ هذه الأحاديث التي هي لموسى بن بكر يقول عنها صفوان هذا مما ليس فيه اختلاف بين أصحابنا، فإذا تم هذا فهو شيء لا بأس به لإثبات أنَّ أحاديث موسى بن بكر يؤخذ بها، الآن هذه ليست مسألة وثاقة ولكن أحاديثه يؤخذ بها، فلا بأس بذلك، والراوي لهذه الرواية ليس هو موسى بن بكر حتى تقول يلزم من ذلك الدور، فإذا قبلنا بهذا وقلنا إنَّ قول صفوان ( هذا مما ليس فيه اختلاف بين أصحابنا ) يدل على الاعتماد على روايات موسى بن بكر فلا مشكلة.

ولا يقولن قائل: - لعلّ الاعتماد على ورايات موسى بن بكر في خصوص هذا الكتاب وليس كل ما نقل عن موسى بن بكر.

ولكن نقول: - إنه لو غضضنا الظر عن هذا أيضاً فيصير هذا وجه لا بأس به، فهو يحتاج إلى مطلبين الأول أنَّ تعبير (هذا ليس فيه اختلاف بين أصحابنا) يدل على التوثيق، والثاني أن نفترض أنَّ كل ما عند موسى بن بكر هو موجود في كتابه هذا أما إذا كانت روايتنا هذه من غيره فسوف لا ينفعنا هذا الطريق، فإذاً هذا الطريق يمكن الاستناد إليه.

وهناك طريق ثالث يمكن الاستناد إليه:- وهو أنَّ صفوان يروي عنه، وصفوان من أحد الثلاثة، لأنَّ الشيخ الطوسي ذكر في العدة أن صفوان لا يروي إلا عن ثقة، قال:- ( وإذا كان احد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً نظر في حال المرسل فإن كان مما يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح على خبر غيره على خبره ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بنهم لا يروون لا رسلن إلا عمن يوثق به ... )[6] ، إذاً بمقتضى هذه العبارة صفوان لا يرسل ولا يروي إلا عن ثقة وحينئذٍ كل من يروي عنه صفوان وهكذا محمد بن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر يكون ثقة، فمن يبني على ذلك وهو ليس ببعيد فحيث إن صفوان يروي عن موسى بن بكر فإذاً لا مشكلة من هذه الناحية.

ولكن تبقى مشكلة أخرى: - وهي ( ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن موسى بن بكر ) وإذا رجعنا إلى المشيخة لم نجد ذكراً لموسى بن بكر فيها، إذ لا يوجد فيها طريق إلى موسى بن بكر.

فإذاً هذه الرواية محل إشكال من حيث السند، وأما من حيث الدلالة فهي لا بأس بها، فالتمسك بها على مستوى المؤيد للرواية الأولى شيء جيد.

الرواية الثالثة:- عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسن بن علوان عن جعفر عن أبيه:- ( أنَّ علياً عليه السلام قال كان يقول:- من تصدق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها ولا يجوز له إلا إنفاقها إنما منزلتها منزلة العتق لله، فلو أنَّ رجلاً اعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله فكذلك لا يرجع في الصدقة)[7] ، ودلالتها واضحة جداً في أن ما كان لله عز وجل لا يمكن الرجوع فيه.

يبقى الكلام في سندها، فإنَّ عبد الله بن جعفر هو الحميري وهو من أجلة أصحابنا، وأما الحسن بن ظريف فهو ثقة، والحسين بن علوان فهو من العامة ولكن يوجد توثيق في حقه، ولكن المشكلة في السند إلى قرب الاسناد، فإنَّ صاحب الوسائل ينقل عن قرب الأسناد حيث ابتدأ السند منه حيث قال ( عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد ) يعني أنَّ صاحب الوسائل أخذ هذه الرواية من نفس كتاب قرب الاسناد، وطريق صاحب الوسائل إلى قرب الاسناد مذكور في الفائدة الخامسة في آخر الوسائل[8] حيث قال إنَّ الكتب التي أنقل عنها طرقي إليها كثيرة وأخذ يذكر الطرق إلى الكتب التي نقل عنها وواحد من تلك الكتب هو كتاب قرب الاسناد، فإذاً صاحب الوسائل عنده طريق إلى قرب الاسناد وهو طريق معتبر، ولكن توجد مشكلة وهي أنَّ طرق صاحب السوائل إلى هذه الكتب التي ينقل عنها هل هي طرق إلى نسخة بعينها أو هي اجازة تبركية كما هو متداول الآن؟ نحن نحتمل أنها إجازة تبركية ولست على نسخة معينة فلا تنفع شيئاً، فهي كالإجازة التبركية التي يمنحها الاغا برزك الطهراني فلا تنفعنا، نعم من يبني على أنَّ طرق صاحب الوسائل ليست من قبيل الاجازات التبركية بل هي على نسخة معينة فهذا سوف ينفعنا.

إذاً اتضح أنَّ كلتا الروايتين الأخيرتين لا يمكن الاستناد إليهما، وإنما الذي يمكن الاستناد إليه فهو الرواية الأولى فقط.

[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج19، ص206، كتاب الوقوف والصدقات، ب11، ح7، ط آل البيت.
[2] الفهرست، الشیخ الطوسي، ج1، ص87.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج19، ص204، كتاب الوقوف والصدقات، ب11، ح1، ط آل البيت.
[4] الكافي- ط اسلامیة، الشیخ الكليني، ج6، ص319.
[5] الكافي-ط اسلامية، الشیخ الكليني، ج7، ص97.
[6] عدة الأصول، الشیخ الطوسي، ج1، ص154.
[7] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج9، ص422، أبواب الصدقة، ب24، ح1، ط آل البيت.
[8] وسال الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج30، ص169، الفائدة الخامسة.