الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وفيه: - إنَّ هذا البيان لا يثبت لنا أنَّ العين الموقوفة تباع ويشترى بها البدل لينتفع به الموقوف عليهم وإنما هذا البيان يقول إذا كانت هناك مدرسة مثلاً موقوفة في المجال الخاص كطلبة العلوم الدينية فإذا لم يمكن الانتفاع بها في ذلك المجال فإنها سوف تعود صدقةً، يعني ينتفع بها لله عزَّ وجل ولو أن تجعل خانَ وقفٍ يستفاد منها في سكن الفقراء مثلاً، ولكن هذا غير مدّعانا الذي نريد أن نقولهـ فإنَّ مدعانا هو أنَّ العين الموقوفة قبل أن تؤول إلى الخراب الكلي لابد من بيعها وشراء بدلاً بها، لكنَّ هذا البيان لا يثبت هذا الشيء وإنما يقول إنَّ هذه العين إذا كان تحبيسها في مجالها الخاص لم يمكن فسوف تعود صدقةً في سبيل الله عزَّ وجل بأن يسكن فيها الفقراء أو شيئاً آخر، وهذا شيء آخر غير المدّعى الذي يراد اثباته.

البيان الخامس: - ما كره الشيخ الطوسي في الخلاف من أنه يجوز بيع الوقف إذا آل إلى الخراب للأخبار، قال: - ( إذا خرب الوقف ولا يرجى عوده، في أصحابنا من قال يجوز بيعه .... وقال الشافعي لا يجوز بيعه على حال. دليلنا الأخبار المروية عن الأئمة )[1] .

والأخبار المهمة التي عندنا في هذا المجال هي اثنان:- أحدهما رواية أبو علي بن راشد المتقدمة التي كانت تقول ( لا يجوز شراء الوقوف )، يعني بالتالي لا يجوز البيع، وهذه الرواية لا تدل على جواز البيع عند الخراب وإنما تقول لا يجوز البيع، بينما الشيخ حينما يقول دليلنا الأخبار أي الأخبار التي تدل على جواز البيع إذا آل إلى الخراب ولكن هذه الرواة لا تدل على ذلك، أما الرواية الثانية فهي رواية ( الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها )، وهذه أيضاً لا تدل على جواز بيع الوقف إذا آل إلى الخراب، ولا يوجد غير هاتين الروايتين، إلا أن نفسّر قوله ( للأخبار ) بأنَّ الأخبار كانت موجودة ولكنها تلفت ولم تصل إلينا، ولكن لو كانت موجودة لكان من المناسب أن يذكرها في التهذيب والاستبصار.

إذاً اتضح أن قول الشيخ الطوسي(قده) لا يمكن قبوله لعدم وجود الأخبار لدينا نعم لعل الأخبار موجودة عنده ولكنها تلفت ولكن هذا لا يكون حجة علينا بل لابد أن نطلع على تلك الأخبار ونلاحظ دلاتها وإلا فلا يمكن الاعتماد على قوله.

البيان السادس:- ما جاء في العقد النضيد حيث قال:- نحن لا نحتاج إلى رواية ولا إلى بيان بل الأمر أسهل وأيسر من ذلك، فإنه يوجد شرط ارتكازي عند الواقف، فالواقف وقف هذا الشيء مادام يمكن الانتفاع به فإذا آل إلى عدم الانتفاع فجواز بيعه وشراء البدل يكون مقتضى وقف الواقف من دون حاجة إلى البحث عن مدرك، قال:- ( دليل الوقف بنفسه يقتضي جواز البيع ولا حاجة للاستعانة بأدلة أخرى لإثبات الجواز كما أن حكم الشارع بجواز البيع عند انتفاء منافعها ليس حكماً تعبدياً وإنما هو حكم ارشاد إلى هذا الشرط الارتكازي المضمر )[2] ، فحينما يقول الواقف وقفت هذه الدار على الزائرين فالمقصود هو أنه مادام يمكن الانتفاع بها وإلا فتباع ويشترى بها البدل.

ولكن نقول:- نحن لسنا متأكدين من الشرط الضمني الذي ذكره فهل الشرط الضمني هو أنه مادام ينتفع بها، فإن كان قد ذكره بهذا الشكل فسوف يتسجل عليه إشكال وهو أنَّه إذاً البيع وشراء البدل ليس بلازم، والظاهر أنه لم يذكر ذلك في عبارته، فإذاً هذه العين وقف مادام يمكن الانتفاع بها، وعلى هذا سوف يرد الاشكال وهو أنه إذا آلت إلى الخراب فحينئذٍ البيع ليس بلازم، لأنَّ الواقف لم يشر إلى البيع في هذه الحالة، وحينئذٍ يجوز لكل أحد أن يستولي عليها باعتبار أنَّ الواقف لم يقل عليكم أن تبيعوها وتشتروا بدلها، فحينئذٍ كل واحدٍ يستطيع أن يستولي عليها ويجعلها دكاناً مثلاً أو شيئاً آخر، وهذا لا يمكن الالتزام به بهذا الشكل.

يبقى شيء آخر:- وهو أنه لو كان مقصود الواقف أنَّ هذه العين أوقفتها مادام يمكن الانتفاع بها أما عند عدم الانتفاع بها فتباع ويشترى به بدلاً فلماذا لم يصرّح بذلك بالوقفية، لأنَّ الواقف إذا كان في مقام بيان الوقفية فهو يكون في مقام بيان كل الخصوصيات وأمره ليس مبنياً على الاجمال، فلماذا لم يبيّن هذه الخصوصيات إذا كان هذا شرطاً ارتكازياً عنده وعند العقلاء، فعليه أن يبين ذلك لأنه أنشأ وقفية وكتب ذلك في ورقة، أما إذا لم تكن عنده ورقة يكتب فيها الوقفية فهذه قضية ثانية فهنا نحن نعلم أنه وقف ولكن نعلم التفاصيل، أما إذا كان قد كتب الوقفية في روقةٍ ولم يكتب فيها أنه يباع ويشترى البدل إذا آل إلى الخراب، فإذا كان هذا شرطاً ارتكازياً فلابد أن يبينه، فعدم بيانه يحصل منه الاطمئنان بأنه ليس مقصوداً له.

إن قلت: - إنَّ ما ذكرته لا بأس به ولكنه يرد على بيانك الذي تمسكت به فيما سبق - وهو التمسك بالارتكاز العقلائي والسيرة العقلائية حيث قلنا توجد سيرة وارتكاز عقلائي على أنَّ مثل الدار إذا أوقفت ليس شرطاً من قبل الواقف بل من قبل العقلاء أنفسهم أنَّ هذه الدار متى ما آلت إلى الخراب فالعقلاء يقولون لابد من بيعها وشراء البدل وحيث إنَّ الشارع لم يردع عن ذلك فيثبت الامضاء -.

قلنا:- إنَّ ما أوردناه على العقد النضيد لا يأتي هناك، لأنه هناك توجد سيرة عقلائية، فالعقلاء هذه هي سيرتهم والشارع لم يردع عنها فيثبت الامضاء، أما هنا فالشرط الارتكازي موجود عند الواقف وهو لم يذكره لوضوحه - يعني إذا آل إلى الخراب ويشترى البدل - فإن كان لم بذكره فسوف يتسجل عليه الاشكال، لأنه إن كان ذاكراً هذا المقدار لا أكثر- وهو أنَّ الوقفية مادام يمكن الانتفاع به - فسوف يسجل عيله الاشكال وهو أنه سوف لا يثبت جواز أو وجوب البيع وشراء البدل، وإن كان قد ذكره فيرد عليه أنه إذا كان هذا الشرط مقصوداً للواقف ويعيش في ارتكازه كان عليه أن يبيّنه في الوقفية، فعدم البيان يحصل منه الاطمئنان على أنه ليس مقصوداً للواقف.

والخلاصة: - لا ينبغي الاشكال في أنَّ العين الموقوفة إذا آل أمرها إلى الخراب يجوز بيعها مع شراء البدل للوجه الذي ذكرناه أو للوجوه الأخرى.

وقد يشكل على جواز البيع بإشكالات: -

الاشكال الأول: - إنَّ بعض الروايات لا تجوّز بيع الوقف ومقتضى اطلاقها الشمول لمثل هذه الحالة، فلاحظ رواية أبي علي بن راشد حيث قال: - ( سألت أبا الحسن عليه السلام قلت:- جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفّرت المال خبرت أن الأرض وقف، فقال:- لا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى من أوقفت عليه، قلت:- لا أعرف لها ربّاً، قال:- تصدق بغلتها )[3] ، والشاهد هو أنه بعد أن أثبتنا وجود المقتضي لبيع العين الموقوفة إذا آل أمرها إلى الخراب مع شراء البدل بأحد البيانات المتقدمة قد يشكل بوجود المانع مثل هذه الرواية حيث قالت ( لا يجوز شراء الوقف )، يعني لا يجوز بيع الوقف - لأنه إذا لم يجز الشراء لم يجز البيع أيضاً - فإنَّ مقتضى اطلاق هذه الرواية يشمل كل وقفٍ حتى مثل الوقف الذي آل إلى الخراب.


[1] الخلاف، الشیخ الطوسي، ج3، ص551، مسألة22.
[2] العقد النضيد، الوحيد الخراساني، ج4، ص563.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج16، ص185، أبواب كتاب الوقوف والصدقات، باب6، ح1، ط آل البيت.