الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

هل يبطل الوقف بمجرد الحكم بجواز بيعه؟

هذا بحث أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب وحاله أنه لو طرأ بعض مسوغات بيع الوقف فبمجرد طروّ المسوغ والموز للبيع وثبوت الحكم بجواز البيع يبطل الوقف أو أنَّ الوقف يبقى على حاله إلى أن يتحقق البيع خارجاً، وذهب صاحب الجواهر(قده) إلى أنه بمجرد الحكم بجواز البيع يبطل الوقف بيع أو لم يَبع، ونسب ذلك إلى كاشف الغطاء(قده) أيضاً، قال صاحب الجواهر(قده): - ( والذي يقوى في نظر بعد إمعانه أن الوقف مادام وقفاً لا يجوز بيعه بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفاً من المتضاد. نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذٍ جواز البيع )[1] ، يعني أولاً يبطل الوقف ثم يجوز البيع، فإذاً توجد منافاة بين الوقفية وبين جواز البيع فهما لا يجتمعان فأولاً تبطل الوقفية ثم بعد ذلك يجوز البيع، فمتى ما طرأ مسوغ من مسوغات بيع الوقف فأولاً يبطل الوقف ثم بعد ذلك يجوز البيع، هكذا تعطي عبارة صاحب الجواهر فإنه قال:- ( نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذٍ جواز البيع )، فهو أشار إلى ذلك تبعاً لكاشف الغطاء.

فإذاً هما ذهبا إلى أنه يبطل الوقف بطرو بعض المسوغات، فإذا بطل الوقف ثبت الجواز، فجواز البيع مرحلة متأخرة عن البطلان، والبطلان متأخر عن طروّ المسوّغ، فيطرأ المسوّغ أولاً كما لو وقع الخُلف بين أصحابه فيبطل الوقف فيجوز البي

وناقش ذلك الشيخ الأعظم(قده)[2] حيث قال: - إنه يوجد احتمالان في كلام صاحب الجواهر: -

الاحتمال الأول: - أن يكون مقصوده من بطلان الوقف أولاً ليس البطلان من كل الجهات وحقيقةً ويصير كلا وقف بتمام معنى الكلمة وإنما المقصود إذا بطل الوقف من زاوية ومن جهة، فأولاً كان لا يجوز بيعه أما الآن فهو يبطل من هذه الجهة ومن هذه الزاوية، فمن زاوية عدم جواز البيع سوف يبطل ويتبدّل إلى جواز البيع، فمرة يقصد من البطلان هو البطلان الحيثي والجهتي، أي من حيثية ومن جهة عدم جواز البيع، فإذا بطل من هذه الجهة فيجوز بيعه.

الاحتمال الثاني: - أن يكون مقصوده أنه إذا بطل بطلاناً حقيقياً بتمام معنى الكلمة وعاد كسائر الأملاك الخالصة فآنذاك يجوز البيع.

فإن كان المقصود هو الاحتمال الأول: - فهذا واضح الوهن، وهذا ما يعبر عنه بالقضية بشرط المحمول، مثل إذا جاء زيد جاء زيد، أو زيد القائم قائمٌ، وهذا مضحك للثكلى، فهنا الأمر على احتمال الأول يصير المقصود أنه إذا بطل الوقف من زاوية عدم جواز البيع إلى جواز البيع فآنذاك يجوز بيعه، وهذا مضحك للثكلى هو مثل زيد القائم قائم.

وإذا كان المقصود هو الاحتمال الثاني: - فيرد عليه ثلاث لوازم باطلة: -

اللازم الأول: - إنه بطرو المسوغ سوف يبطل الوقف حقيقةً، وإذا بطل الوقف حقيقيةً فلازمه أنَّ العين سوف ترجع إلى ملك الواقف، وهذا لا يحتمل فإنه مخالف للإجماع، فإنَّ العين الموقوفة لا تعود إلى المالك الأول - أعني الواقف - بمجرد طروّ المسوّغ للبيع، فإنَّ هذا لا يقو ل به أحد.

اللازم الثاني: - أنت لماذا قلت أولاً لابد أن يبطل الوقف، يعني بطروّ مجوز البيع يبطل الوقف وآنذاك يقع البيع، فلماذا تقول يبطل الوقف؟ إنه وصرح وقال إنَّ الوقفية مستبطنة ومتقومة بعدم جواز البيع فعدم جواز البيع كأنه فصل مقوّم للوقف، فالذي جعلك تقول إنه بمجرد طروّ المجوز تبطل الوقفية هو أنك ترى أنَّ عدم جواز البيع هو فصل مقوّم للوقف، فمتى ما ثبت الجواز زال الفصل - وهو عدم الجواز - فإذا زال الفصل زال النوع - وهو الوقفية -، ونحن نقول:- إنَّ عدم جواز البيع شرعاً ليس مقوّماً للوقف وإنما هو حكم شرعي طارئ على الوقف، ولا يمكن أن نجعل الحكم الشرعي للشيء مقوماً للشيء، فالشارع حكم على الوقف الصحيح بعدم جواز البيع، وهذا حكم وليس مقوماً للوقفية، فلا معنى لقولك إنه متى ما طرأ جواز البيع فالوقفية قد زالت لأنَّ الوقفية متقومة بعدم جواز البيع، فإنَّ هذا غير صحيح فإنها ليست متقوّمة بعدم جواز البيع وإنما عدم جواز البيع هو حكم للوقف الصحيح وليس مقوّماً لأصل الوقفية.

اللازم الثالث: - إذا فرض بطلان الوقف بطروّ المجوّز للبيع ولكن قبل أن تباع العين عادت سالمة كما كانت سابقاً فلازم ما أفاده صاحب الجواهر(قده) أنها تعود للواقف ولورثته ولا تبقى وقفاً على الموقوف عليهم لأنَّ الوقفية قد بطلت بطروّ المجوّز، فهي لا تعود وقفاً صحيحاً كما كانت مسبقاً، وهذا من البعيد جداً أن يقول به أحد.

وللسيد الخوئي(قده)[3] كلام ذو احتمالات ثلاثة:- وهو مقارب لكلام الشيخ الأعظم(قده) في الردَّ على صاحب الجواهر(قده):-

الاحتمال الأول: - إنَّ يكون مقصود صاحب الجواهر(قده) أنه إذا بطل الوقف حقيقة وعادت العين إلى الواقف فآنذاك يجوز البيع، وهذا لا معنى له كما أفاد الشيخ الأعظم(قده)، لأنَّ العين إذا عادت إلى ملك الواقف فلا معنى لثبوت جواز البيع للموقف عليهم، وقد قلنا إنَّ هذا باطل جزماً لأنه موهون في حدّ نفسه كما أنه مخالف للإجماع.

الاحتمال الثاني: - أن يكون مقصوده هو أنه بعد طروّ المسوّغ تصير العين ملكاً للموقوف عليهم - لا أنها ترجع إلى الواقف -، يعني بعد أن كانت ملكاً مقيداً للموقوف عليهم بالانتفاع فقط أصبحت الآن ملكاً طلقاً ومطلقاً، وإذا كان هذا هو المقصود فهذا لا يلتزم به أحد فهو باطل جزماً.

الاحتمال الثالث: - أن يكون مقصوده هو البطلان من ناحية عدم جواز البيع، فإذا بطل الوقف من ناحية عدم جواز البيع وتبدّل إلى جواز البيع فآنذاك يجوز البيع، فإذا كان هذا هو مقصوده فهذا من المسلَّمات، فصحيح أنه إذا بطل أحد النقيضين ثبت النقيض الآخر وإلا يلزم ارتفاع النقيضين وهذا من البديهيات ولا يحتاج إلى بيان.

إذاً الاحتمالات في مقصود صاحب الجواهر ثلاثة كلّها باطلة.

[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج22، ص358.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص37 .
[3] موسوعة السيد الخوئي ( التنقيح في رشح المكاسب )، الخوئي، تسلسل37، ص259.