الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما من حيث الدلالة: - فهي قالت: - ( هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حي سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقةً لا تابع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن )، وقد يقال يفي وجه الاستدلال بها كما قال الشيخ الأعظم(قده) في تقريب الدلالة - ولعله ذكره غيره - حيث ذكر وجهين: -

الوجه الأول: - إنَّ الرواية قالت: - ( هذا ما تصدق بع علي بن أبي طالب... صدقةً لا تباع )، فهو وصف الصدقة بأنها لا تباع وظاهر ذلك أنَّ ( لا تباع ) وصف لنوع وجنس وطبيعي الصدقة الذي هو الوقف وليس وصفاً إلى شخص هذا الوقف، وعلى هذا الأساس هي تدل على المطلوب، لأنَّ الصدقة الموصوفة بأنَّ جنسها ونوعها لا يباع هو الوقف، فإنَّ جنس الوقف وطبيعي الوقف لا يباع، وأما الشخص فيصح جعله في أيّ صدقة، فمثلاً هذا الشيء أجعله صدقةً بشرط أن لا يباع ولكن هذا شرط ووصف لهذا الشخص لا للطبيعي.

والشيخ الأعظم(قده) ذكر هذا ولم يزد عليه شيئاً، ونحن نكمل ما ذكره فنقول: - إنَّ وصف طبيعي الصدقة بأنها لا تباع ليس إلا عبارة أخرى عن الوقف، فإنَّ طبيعي الصدقة في باب الوقف هو أنها لا تبا

ولكن نقول: - إنَّ ما ذكره من أنَّ هذا وصف للنوع دون الشخص هو كلام علمي ولكنه ليس مقنعاً، فإنه لا دليل على كون ظاهره أنه وصف للنوع دون الشخص، ولكن نحن نساعد الشيخ الأعظم(قده) على ذلك فنقول: - إنه عليه السلام لم يقل ( صدقة على أن لا تباع ) فلو قال هكذا فهذا يتناسب مع الشرطية، أما حينما قال ( صدقةً لا تباع ) فهذا ظاهره أنه وصفٌ لنفس الصدقة بأنها لا تباع، وليست أنها موصوفة بأن لا تباع إلا في باب الوقف، ونحن نرى أنَّ ما ذكره له وجاهة ولكن قد لا يمكن الاستناد إليه جزماً؟

الوجه الثاني- إنه لو كان تعبير ( على أن لا تابع ) شرطاً فمن المناسب أن يذكر ذلك بعد الموقوف عليهم، فإنَّ من المناسب هو ذكر الشروط بعد تمامية أركان الكلام، والموقوف عليهم هم ركن في الكلام، فإنه يقول ( أوقفته أو هو وقفٌ على هؤلاء ) ثم بعد ذلك تقول ( على أن أو بشرط أن ... )، لا أنك تأتي بالشرط قبل الموقوف عليهم الذي هو ركن الكلام.

ولكن نقول: - إنَّ ما ذكره مقبول ولكن يشكل أن يستعان به على مستوى الدليلة، فصحيح أنَّ ما ذكره مقبول ولكنه ليس من الأمور التي من اللازم السير عليها، بل نحن نفعل هذا في تعابيرنا العرفية فنقول ( أو قفت هذا الشيء بشرط أن يكون الساكنون فيه من طلبة العلم وبشرط كذا وكذا أوقفته عليهم )، فنأتي بالشروط ثم نأتي بالموقوف عليهم وهذا يصحّ أيضاً، فما ذكره لا يمكن ركون النفس إليه.

والخلاصة: - إنَّ التمسك بهذه الرواية لا بأس به، والمناسب هو ما ذكر في التقرب الأول دون الثاني.

الرواية الثالثة:- محمد بن يعقوب عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن ابي علي بن راشد قال:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام قلت:- جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفّرت المال خُبِّرت أن الأرض وقف، فقال:- لا يجوز شراء الوقوف [ الوقف ][1] ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى من أوقفت عليه، قلت:- لا أعرف لها ربّاً، قال:- تصدق بغلتها ) ، [2] ودلالتها واضحة، لأنه عليه السلام قال ( لا يجوز شراء الوقف ).

إن قيل: - إنَّ هذه الرواية دلت على عدم جواز الشراء ونحن كلامنا في عدم جواز البيع، فإذاً هي لا تثبت تمام مدّعانا وإنما تثبت نصفه؟

قلنا: - إنه عرفاً يفهم من عدم جواز الشراء عدم جواز البيع، يعني أنَّ التصرف فيه لا يجوز، وهذا من الأمور العرفية الواضحة، أو نقول إنَّ عدم جواز الشراء يلازم عدم جواز البيع وإلا فلا معنى لأنَّ يجوز لك أن تشتري الوقف ولا يجوز لذاك بيعه فإنَّ هذا شيء ليس بعرفي.

فإذاً دلالة هذه الرواية وضاحة جداً.

إنما الكلام في سندها: - فهي قد رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد، وأبو علي بن راشد يوجد توثيق في حقه، ومحمد بن عيسى هو ابن عبيد اليقطيني وهو ثقة، أما محمد بن جعفر الرزاز لا يوجد توثيق في حقه، وقد ذكره الكليني مراراً فمرة ذكره بلسان محمد بن جعفر الرزاز ومرة ذكره بلسان محمد بن جعفر أبو العباس ومرة ذكره بلسان أبو العباس الرزاز ومرة ذكره بلسان الرزاز، وهذا الرجل قد روى عنه الشيخ الكليني ليس بالقليل ولكن لا يوجد في حقه توثيق واضح في كلام النجاشي والطوسي، نعم من يبني على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات سوف تثبت وثاقته لأنه ورد في أسانيد كامل الزيارات فيكون ثقة، أما إذا لم نبنِ على ذلك فإما أن نبني على أنَّ إكثار الشيخ الكليني عنه هو بنفسه من موجبات الوثاقة، فإنَّ الشخص لا يكثر الرواية عن غير الثقة، نعم قد يروي عن غير الثقة مرة أو مرتين ولكنه لا يكثر الرواية عنه، فيتثبت بذلك وثاقة هذا الرجل، وهذه قضية ليست علمية وإنما هي قضية ونفسية قد يقبلها البعض وقد يرفضها البعض الأخر كالسيد الخوئي(قده) فإنه قال إذا جاز أن يروي الشخص عن غير الثقة مرة جاز أن يروي عنه مراراً، ولذلك هو لا يعير أهمية لذلك.

ويوجد طيق آخر، وهو أنَّ الشيخ الصدوق روى هذه الرواية أيضاً، فهو لم يروها عن محمد بن جعفر الرزاز وإنما رواها عن محمد بن عيسى مباشرةً وحذف الواسطة الذي هو محمد بن جعفر الرزاز، فهو ابتدأ السند وقال ( محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد )، وإذا رجعنا إلى طريق الصدوق - المذكور في المشيخة - إلى محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني نجده يقول:- ( وما كان فيه عن محمد بن عيسى فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن محمد عيسى بن عبيد اليقطيني ورويته عن محمد بن الحسن رضي الله عنه عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني )[3] ، كلا الطريقين معتبر.

فإذاً هذه الرواية معتبرة السند والدلالة.

والنتيجة: - هي أنه لا يجوز بيع الوقف وذلك لوجهين الاجماع بصيغتيه المتقدمتين ولهذه الرواية وقد يضم إليها الرواية الثانية.


[1] هكذا الموجود في الفقيه، ج4، ص179، ولعله الأنسب.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص185، أبواب الوقوف والصدقات، باب6، ح1، ط آل البيت.
[3] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج4، ص492.