الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 95 ) عدم جواز بيع الوقف في الجملة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

مسألة ( 95 ):- لا يجوز بيع الوقف إلا في موارد ......................................................................................................................

لا إشكال في أنَّ الوقف لا يجوز بيعه واستثني من ذلك موارد، وقد اختلفت كلمات الفقهاء في عدد تلك الموارد المستثناة، فذكر الشيخ الأعظم(قده)[1] أنَّ المواد المستثناة هي عشرة[2] ، وذكر السيد الماتن ستة، وذكر البعض الآخر خمسة ، وجعلها البعض أربعة، ولكن هذه قضية غير مهمة، والمهم هو أنَّ بيع الوقف لا يجوز وهناك موارد للاستثناء.

وهناك شيء ينبغي أن يكون متفقاً عليه بيننا جميعاً، وهو أنَّ الوقف لا يجوز بيعه بنحو السالبة الكلية يعني أنه لا يجوز أبداً، كما أنه لم يثبت الجواز لبيعه بنحو الموجبة الكلية، فإن كلا الاثنين باطل والصحيح هو الجواز في الجملة - يعني في بعض الموارد - فإنَّ هذا المقدار يمكن أن نقول هو متفق عليه، أما ما هو عدد هذه الموارد فهذا ليس بمهم، فإذاً يوجد اتفاق على عدم جواز البيع في الجملة، كما يوجد اتفاق على جواز البيع في الجملة، وهذه قضية ينبغي أن تكون مسلَّمة.

وبعد هذا نسأل ونقول: - لماذا لا يجوز بيع الوقف بنحو السالبة الجزئية؟

والجواب:- ذكر الشيخ الأعظم(قده) وجهين الاجماع وثلاث روايات، قال:- ( لا يجوز بيع الوقف اجماعاً محققاً في الجملة ومحكياً ولعموم قوله عليه السلام " الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها " )[3] .

يرد على كلامه هذا إشكال: - وهو أنه مع وجود النص فالاجماع لعله مستند إلى النص، ومعه لا يصير دليلاً مستقلاً مع النص؟!!، إذا مادام توجد روايات فهذا الاجماع محتمل المدرك ومعه لا يصير دليلاً مستقلاً في مقابل الروايات.

وقد تقول: - إنه لا يريد أن يذكر دليله وإنما يريد أن يذكر واقع الحال وأنَّ هذه المسألة يوجد اتفاق ولا يريد أن يجعله دليلاً في مقابل الروايات.

والجواب: - إنه لو لم يأت بالواو فهذا الكلام وجيه، ولكنه أتى بها حيث قال ( لا يجوز بيع الوقف اجماعاً محققاً في الجملة ومحكياً ولعموم )، فلو قال ( لعموم ) من دون الواو فهو هنا يريد أن يعلل اتفاقهم ويقول يوجد اتفاق بين الأصحاب لأنه توجد رواية، وهذا مقبول، فالدليل يصير واحداً وهو الرواية وقد اتفق الأصحاب لأجلها، أما حينما أتى بالواو فالاجماع يكون دليلاً ثانياً إلى جنب الروايات وهذا غير مناسب.

وبعد أنَّ ذكر الروايات قال ظهر بذلك أنَّ المانع من بيع الوقف أمور ثلاثة وهي حق الواقف لأنه أراد الوقف أن يبقى، وحق البطون الموقوف عليه إذ الوقف قد وقف عليهم، وحق الل تعالى لأنه جعله وقفاً لله تعالى لأنه يشترط القربة لله تعالى، قال ما نصّه: - ( إنه اتضح أن المانع من بيع الوقف أمور ثلاثة حق الواقف حيث جعلها صدقةً جارية وحق البطون المتأخرة وحق الله سبحانه حيث يعتبر في الوقف التقرّب )، فهو قال توجد موانع ثلاثة.

ونحن نسأل ونقول: - هل توجد رواية تمنع من البيع أو لا توجد رواية فإن كانت عندنا روايات - وهي موجودة وستأتينا - فلا معنى لأن تقول إنَّ المانع من بيع الوقف هو حقوق ثلاثة، نعم إذا لم تكن عندنا روايات فما ذكرته لا ينفع لأنه يحتاج إلى إثبات، أما إذا كانت توجد روايات كفتنا هي المؤونة ولا نحتاج إلى هذه الموانع والأولى حذفها، نعم إذا أراد الانسان أن يتكلم عمّا وراء النص وخلفيات النص فيريد أن يقول لماذا حرّم النص بيع الوقف فنقول لاحتمال أنَّ حق الله تعالى موجود وكذلك حق البطون وحق الواقف فهذا مقبول، ولكن هذا شيء آخر.

ونحن الآن نريد أن نستدل بالاجماع بصيغةٍ جديدة رغم وجود الروايات وإذا لم تكن هذه الطريقة إجماعًا فهي روح الاجماع: - فنحن سوف نأتي بدليل تركن إليه نفسك سواء سميته اجماعاً أو حساب احتمال أو اطمئنان فهذا أمر غير مهم، ونذكر صيغتين لهذا الاجماع: -

الصيغة الأولى: - وهي مركبة من مقدمات ثلاث: -

المقدمة الأولى: - أن يقال إنَّ مسألة الوقف مسألة عامة البلوى بلا إشكال من زمان الأئمة عليهم السلام إلى يومنا هذا، وإذا كانت عامة البلوى فحكمها لابد وان يكون واضحاً.

المقدمة الثانية: - إنَّ المرتكز في أدهان المتشرعة عدم جواز بيع الوقف في الجملة ولا أحد يشكك في ذلك.

المقدمة الثالثة: - نحن لم نعهد فقيهاً ذهب إلى جواز بيع الوقف على سبيل الموجبة الكلّية أي لا يجوز بيعه أبداً.

والنتيجة:- هي حصول الاطمئنان بعدم جواز البيع في الجملة، فإنه يوجد إجماع على عدم جواز البيع في الجملة ونحن نطمئن إلى ذلك، وهذه قضية مسلّمة، وحجيتها ليست مرتبطة بالروايات، بل حتى لو فرض أنَّا ناقشنا الروايات وددناها ولكن مع ذلك ما قلناه تام ولا ربط له بالروايات، والنتيجة هي أننا نطمئن أنه لا يجوز بيع الوقف في الجملة قطعاً، وهو المطلوب، فإنه حتى لو قطعنا النظر عن الروايات فهذا الحكم نحن نقطع ونطمئن به، أما أنك تعبّر عن هذا الدليل بحساب الاحتمال أو بالاجماع أو غير ذلك فهذا ليس بمهم، ولكن المهم لنا أننا حصلنا على دليلٍ بقطع النظر عن الروايات، فحتى لو شككنا في دلالة كل الروايات فهذه النتيجة التي ذكرنها هي نتيجة مطمأن إليها ومسلَّمة، فيثبت بذلك عدم جواز بيع الوقف في الجملة.

الصياغة الثانية: - أن يقال إنَّ مفهوم الوقف يستبطن عدم جواز البيع، فعدم جواز بيع الوقف هو مستبطن في مفهوم الوقف، وحينئذٍ نقول إنَّ هذا سوف يصير جزءاً من المعنى أو هو شرط ارتكازي مأخوذ في الوقف، ولا أحد يخالف في هذه القضية وإنما هي مسلّمة، فالوقف مأخوذ فيه عدم جواز البيع بنحو الموجبة الكلّية، وأصلاً إنه سمّي وقفاً لأنه واقف وراكد وثابت في مكانه ولا يجوز بيعه، وإذا سلّمنا بهذا فنقول إنه بدليل عموم ( الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ) يثبت عدم جواز بيع الوقف، لأنَّ عدم جواز البيع مأخوذ في بطن الوقف، فحينما يقول شخص ( أوقفت هذا المكان مدرسةً على طلبة العلوم الدينية ) فمعنى أوقفته يعني جعلته ثابتاً وراكداً يعني لا يجوز بيعه، فعدم جواز البيع أخذ فيه، فيوجد عندنا دليل وهو ( الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ) وهذه قاعدة عامة وهي إمضاء للوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، وبذلك سوف يثبت عدم جواز بيع الوقف لا من باب الرواية لأنها قالت لا يجوز بيع الوقف وإنما هي طريقة وصيغة جديدة للاجماع.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص33 .
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص61 .
[3] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص33 .